رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سد النهضة.. الكرة لا تزال فى الملعب


فى غياب إثيوبيا، استضافت العاصمة الأمريكية واشنطن، يومى الخميس والجمعة الماضيين، اجتماعات ثنائية بين وفدى مصر والسودان مع وزارة الخزانة الأمريكية والبنك الدولى، للتباحث بشأن المسودة النهائية لاتفاق سد النهضة الإثيوبى. وجاء توقيع مصر، منفردةً، بالأحرف الأولى، على المسودة، ليؤكد مجددًا جديتها فى التفاوض ونيتها الحسنة ورغبتها المخلصة فى حل القضية أو إنهاء الأزمة باتفاق عادل يراعى حقوق ومصالح الدول الثلاث.
نأسف، كما أسفت الخارجية المصرية، لتغيب إثيوبيا عن هذا الاجتماع فى هذه المرحلة الحاسمة من المفاوضات. ونتطلع، كما تتطلع، إلى أن تحذو السودان وإثيوبيا حذوها فى الإعلان عن قبولهما بهذا الاتفاق والإقدام على التوقيع عليه فى أقرب وقت. غير أن غياب إثيوبيا لم يفاجئنا، كما فاجأ البعض، بل توقعناه بعد زيارة هيلا ميريام ديسالين، رئيس وزراء إثيوبيا السابق، المبعوث الخاص لرئيس الوزراء الإثيوبى، إلى القاهرة ثم الخرطوم، التى أعرب خلالها عن رغبة بلاده فى إرجاء توقيع اتفاقية ملء وتشغيل السد إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية الإثيوبية.
إعلان المبادئ، الذى تم توقيعه فى مارس ٢٠١٥ نص على أن تلتزم الدول الثلاث بمبدأ عدم الضرر. وفى أكثر من مناسبة، محلية ودولية، أعربت مصر عن عدم ارتياحها من طول أمد المفاوضات، ومن تشدد الجانب الإثيوبى. غير أنها لم تتناول قضية السد، أو أزمته، فى أى وقت، إلا بالحديث عن أُطر التفاوض وفقًا لمبادئ القانون الدولى. وبوضوح، قال الرئيس عبدالفتاح السيسى، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة إن مصر منفتحة على كل جهد دولى للوساطة، سعيًا للتوصل لاتفاق مُرضٍ للجميع. وعليه، قبلت مصر، دعوة الإدارة الأمريكية لاجتماع وزراء خارجية الدول الثلاث فى واشنطن، والتى بدأت بعدها جولة جديدة من المفاوضات.
الولايات المتحدة، كما سبق أن أوضحنا فى مقالات سابقة، تربطها علاقات وثيقة بإثيوبيا، وهى طرف أساسى ورئيسى، فى مشروع سد النهضة منذ البداية. وكنا قد راهنا، فى ٢٣ أكتوبر الماضى، على أن تحرز وساطتها تقدمًا، قبل حلول مايو المقبل، الذى ستشهد خلاله إثيوبيا انتخابات برلمانية أو اضطرابات. وجزئيًا، تحقق هذا الرهان، ولعبت الولايات المتحدة، خلال أربعة أشهر من المفاوضات المكثفة، دورًا مهمًا فى التوصل إلى صيغة نهائية، أو شبه نهائية لاتفاق، نص على قواعد محددة لملء وتشغيل السد، و... و... وآلية ملزمة لفض النزاعات.
نتيجة الاختلاف بشأن الصياغات، تركت الدول الثلاث، أو أوكلت، للولايات المتحدة والبنك الدولى بلورة الاتفاق فى صورته أو مسودته النهائية أو شبه النهائية، على أن يتم عرضه على الدول الثلاث، للانتهاء منه وتوقيعه قبل نهاية فبراير الماضى. غير أن مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكى، أعلن خلال زيارته لإثيوبيا، الأسبوع قبل الماضى، أن الاتفاق قد يستغرق عدة أشهر، لأنه «لا يزال هناك الكثير من العمل» قبل التوصل إلى حل نهائى. وغالبًا، كان العمل الذى يقصده بومبيو يتعلق بالداخل الإثيوبى، أو بالانتخابات البرلمانية الإثيوبية تحديدًا.
الانتخابات البرلمانية الإثيوبية المقبلة، هى السادسة منذ إقرار الدستور الوطنى للبلاد سنة ١٩٩٤، وطوال المرات الخمس الماضية، جرت الانتخابات فى شهر مايو. لكن فى يناير الماضى قرر المجلس الانتخابى الإثيوبى إجراءها فى ١٦ أغسطس المقبل. ما يعنى ببساطة أن الداخل الإثيوبى سيظل، إلى ذلك الوقت، مشغولًا بالتمهيدات والاستعدادات. ويعنى أيضًا أن الأحزاب السياسية، الأكثر من مائة، ستكون منهمكة فى بناء التحالفات والتكتلات وفى إطلاق الاتهامات والمزايدات. والإشارة هنا قد تكون مهمة إلى أن إثيوبيا جمهورية برلمانية فيدرالية، يمثل رئيس وزرائها السلطة التنفيذية.
الائتلاف الحاكم فى إثيوبيا، يخوض الانتخابات بحزب جديد، اسمه حزب الازدهار، يقوده رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد، نتج عن اندماج ٨ أحزاب ثلاثة منها كانت ضمن الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب إثيوبيا «الائتلاف الحاكم»: الأورومو الديمقراطى، الأمهرا الديمقراطى، والحركة الديمقراطية لشعوب جنوب إثيوبيا. بينما رفض حزب «جبهة تحرير تجراى» فكرة الاندماج، وهدد باتخاذ إجراءات قانونية ضد الحزب الجديد، بزعم أن هذه الخطوة، تلغى شرعية بقائه فى السلطة، لأن تحالف الأحزاب الأربعة، فى رأيه، هو الذى فاز فى انتخابات ٢٠١٥، وليس حزب «الازدهار» بأحزابه الثمانية.
الكرة لا تزال فى الملعب. وما من شك فى أن علاقات الولايات المتحدة بمصر، إثيوبيا والسودان، تجعلها قادرة على إعادة الدول الثلاث إلى طاولة المفاوضات، والتوصل إلى اتفاق نهائى، متوازن وموضوعى، يحقق المصالح المشتركة للدول الثلاث ويفتح آفاقًا رحبة للتعاون والتنسيق والتنمية سيكون لها بالتأكيد مردودها الإيجابى والتنموى على القارة السمراء، التى أثبتت مصر، عمليًا، أنها داعمة لتنميتها، وقامت بتسخير كل إمكانياتها وخبراتها لدفع عجلة العمل الإفريقى المشترك إلى الأمام، قبل وبعد وخلال رئاستها للاتحاد الإفريقى.