رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أفغانستان فى قبضة طالبان


هدنة جزئية، أو شكلية، بين حركة «طالبان» والولايات المتحدة والقوات الأفغانية، استمرت سبعة أيام، وفى اليوم الثامن، أو أمس السبت، تم توقيع اتفاق يقضى بانسحاب القوات الأمريكية وباقى قوات التحالف الدولى، من أفغانستان، فى احتفالية استضافتها العاصمة القطرية الدوحة، وغاب عنها المسئولون الأفغان.
التفاصيل النهائية للاتفاق وضعتها حركة طالبان، عبر عبدالغنى برادر، رئيس مكتبها السياسى ونائب زعيمها، بالاشتراك مع زلماى خليل زادة، المبعوث الأمريكى الخاص إلى أفغانستان، وتعهدت خلالها الولايات المتحدة بخفض أوّلى لقوتها من ١٣ أو ١٤ ألفًا، إلى ٨٦٠٠ جندى خلال ١٣٥ يومًا، على أن تقوم، مع شركائها فى التحالف، بإتمام سحب قواتها المتبقية خلال ١٤ شهرًا، مقابل عدد من الضمانات الأمنية من حركة طالبان، وتعهدها بإجراء محادثات مع حكومة كابول، التى لا تعترف الحركة بشرعيتها، أساسًا، وترفض إجراء أى محادثات معها، وتصفها بأنها مجرد «دمية» تحركها الولايات المتحدة.
هذا الاتفاق، بكل تفاصيله المعلن عنها، كان من المفترض توقيعه فى سبتمبر الماضى، بعد تسع جولات من المفاوضات استضافتها الدوحة، وتحملت العائلة الضالة التى تحكم قطر بالوكالة تكاليفها. لكن الرئيس الأمريكى ألغى اجتماعًا، كان مقررًا أن تستضيفه الولايات المتحدة، وأعلن عن أن المفاوضات باتت فى حكم «الميتة»، مبررًا قراره بمقتل جندى أمريكى فى هجوم شنته حركة طالبان فى كابول.
ما يعطى أفغانستان، الآن، أهمية مضاعفة، هو أنها صارت إحدى الوجهات الرئيسية للتنظيمات الإرهابية الدولية المهزومة، والمحاصرة، فى منطقة الشرق الأوسط. والكلام على عهدة نيكولاى باتروشيف، سكرتير مجلس الأمن القومى الروسى، الذى أكد فى أكتوبر الماضى، خلال مشاركته فى اللقاء السنوى لممثلى مجموعة «بريكس» لشئون الأمن- أن الإرهابيين المهزومين فى سوريا والعراق يتم نقلهم بنشاط إلى مناطق أخرى، أبرزها أفغانستان. كما كان جنرال البحرية الأمريكية، فرانك ماكنزى، قد أكد فى ١٢ يونيو الماضى، أن تنظيم داعش فى أفغانستان يمثل تهديدًا مقلقًا جدًا. وأوضح الرجل، الذى يقود العمليات العسكرية الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط، أن جهود مكافحة الإرهاب الأمريكية لم تتمكن بعد من تقليص طموحات ذلك التنظيم.
الرئيس ترامب نفسه، سبق أن وصف أفغانستان بأنها «جامعة هارفارد للإرهاب»، حين حلّ ضيفًا على شاشة «فوكس نيوز»، مساء الأول من يوليو الماضى. وأوضح خلال الحوار أنه كان يتمنى سحب كل جنوده منها، لكنّه مضطر، حتى لو فعل ذلك، إلى الاحتفاظ بـ«وجود مخابراتى قوى للغاية، أقوى بكثير مما قد يظن المرء عادة، لأن هذا أمر مهم للغاية». وبرر ذلك بأن الأراضى الأفغانية صارت قريبة الشبه بأكاديمية لتعليم الإرهاب. ووقتها، أشرنا إلى أنه أطلق الصفة نفسها، «جامعة هارفارد للإرهاب»، على العراق، فى ٥ يوليو ٢٠١٦، حين كان لا يزال مرشحًا للرئاسة.
فرع «داعش» فى أفغانستان ظهر بعد فترة وجيزة من اجتياح مقاتليه مناطق شاسعة فى سوريا والعراق، صيف ٢٠١٤، ويشير فرع أفغانستان إلى نفسه باسم «ولاية خراسان». ويقال إن القوات الأمريكية تقاتل «داعش» فى أفغانستان بشكل منفصل عن مساندتها القوات الأفغانية فى معركتها ضد «طالبان»، التى لا تزال مستمرة منذ ٢٠٠١، وأنفقت واشنطن خلالها أكثر من تريليون «ألف مليار» دولار، وراح ضحيتها، منذ يناير ٢٠٠٩ إلى يونيو ٢٠١٩ أكثر من ٢٤٠٠ جندى أمريكى وعشرات آلاف الجنود الأفغان، حسب أرقام الأمم المتحدة، التى أشارت أيضًا إلى مقتل نحو ٤٦ ألف مدنى أفغانى وإصابة أكثر من مائة ألف.
لا يمكن لباحث أو لعاقل أن يتناول نشأة «طالبان»، «القاعدة»، «داعش»، «حماس» و... و... إلخ دون أن يربط رموزها وأيديولوجياتها، بجماعة الإخوان. ولن يكون ذلك الباحث باحثًا أو عاقلًا لو زعم أن ظهور هذه الجماعة أو تلك التنظيمات كان رد فعل على هيمنة الغرب أو على استبداد الحكومات، أو ساق أى تبريرات أخرى تحاول التعتيم أو الغلوشة على الدور الذى لعبته، ولا تزال، أجهزة مخابرات دولية، بدءًا من قيام المخابرات البريطانية بإنشاء جماعة الإخوان، ومرورًا باحتضان المخابرات الأمريكية للقاعدة وطالبان، وليس انتهاء بدعم قطر لـ«القاعدة» و«حماس» ومشاركتها لتركيا والإسرائيليين فى خلق «داعش» وباقى التنظيمات الشبيهة التى خرجت من رحم الجماعة الأم: جماعة الإخوان غير المسلمين.
أفغانستان، كما أشرنا، صارت إحدى الوجهات الرئيسية للتنظيمات الإرهابية المهزومة، والمحاصرة، فى منطقة الشرق الأوسط. وبتلك الاتفاقية، التى ستمكن حركة طالبان من السيطرة على تلك الدولة المضطربة، ستواصل استقبال إرهابيين جدد، يضافون إلى إرهابيى القاعدة الذين اكتسبوا مهاراتهم القتالية خلال مشاركتهم فى حربهم ضد الاتحاد السوفيتى السابق، التى دعمتهم فيها الولايات المتحدة بالتدريب والتمويل والسلاح، قبل أن تحدث تقلبات وتظهر مستجدات، تطلبت استحداث تنظيمات جديدة كـ«داعش» وغيره من التنظيمات الشبيهة.