رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

غصة في القلب.. قصص أزواج أخفوا مرضهم عن ذويهم

زوجين
زوجين

أسرار خطيرة أخفاها الزوجان عن بعضهم البعض، ليس سوءًا منهم أو تعمدًا لإخفاء أخبار ما عن أقرب الأشخاص إليهم، بل كان هدفهم الوحيد الحفاظ على العلاقة الطبية التي جمعتهم بذويهم، وخوفًا من رد فعل الأخرين سواء بالقلق عليهم أو التخلي عنهم، لذا كانت قراراتهم هي حفظ السر بداخلهم دون الإفصاح لأي مخلوق.

مع مرور الأيام يكتشف الزوجان حقيقة الأسرار التي طالما كانت مدفونة ولا يعرفها أحد، فمثل تلك الأمور لا تختفي كثيرًا، كونهم يخالطون تفاصيل بعضهم البعض بشكل يومي، لكن يبقى سببًا واحدًا فقط وراء تلك الأسرار، وهي الحفاظ على الحب الذي جمعهما.

تواصلت "الدستور" مع عدد من الزيجات الذين أخفوا مرضهم عن ذويهم لفترات طويلة، كُل منهم كان له قصته المختلفة لكن جمعهم سبب واحد وهو البقاء على الأقربين لهم، وحكوا لنا قصص مرضهم وكيفية البقاء على تلك الأسرار لسنوات عدة دون الإفصاح عنها، والصدفة التي كشفت أمرهم لذويهم.

صفاء: قلقت من إخباره بعدم قدرتي على الإنجاب.. كان كل هدفي البقاء معه
سنوات عدة عانت فيهم صفاء عبد الحميد، من المحلة الكبرى، من إخفاء سرًا خطيرًا على زوجها، والوحيد الذي يهمه هذا الأمر، كونه أمر يتحكم في مستقبلهم الزوجي، وحياتهم الأسرية بشكل كامل، فقد كان حلمه الوحيد هو إنجاب طفل صغير يحمل اسمه من بعدهم لكن السيدة الأربعينية اكتشفت بعد عامين من زواجها عدم قدرتها على الإنجاب.

واكتشفت "صفاء" مرضها بعد أن توجهت إلى الطبيب للكشف على سبب تأخر إنجابها، لتخرج من عيادته مكتشفة حقيقة الأمر الذي تسبب في تأخير إنجابها للطفل الذي تمناه زوجها، لكنها في ذلك الحين قررت إخفاء الأمر عنه، بهدف البقاء معه وعدم تخبي زوجها عنها بعد اكتشافه لذلك السر الخطير.

5 أعوام مرت على زواجهم دون إنجاب، إذ بدأ القلق يراود زوجها ليتوجه هو الأخر إلى الطبيب، واكتشف أنه لا يعاني من شئ، وقادر على الإنجاب كأي شخص طبيعي، أيام متواصلة كانت ترى "صفاء" فيهم زوجها وهو يجلس وحيدًا داخل الغرفة متمتمًا بدعوات الابتهال لرب الكون أن يرزقه بالطفل الذي تمناه.

وفي يومًا ما قررت "صفاء" إبلاغ زوجها بالحقيقة التي أخفتها عنه أولى سنوات زواجهم: "قولتله انا مبخلفش وكان رد فعله غير متوقع لما قالي ولا يهمك هنكمل حياتنا سوى"، تقول السيدة إن زوجها فضل البقاء معها، وعدم التخلي عنها بالرغم من فقدانه للحلم الذي تمناه من الله، واستكمالا الزوجان حياتهما سويًا لأكثر من 15 عامًا.

سمية: زوجي اكتشف مرضي بـ"الصرع" بعد تعرضي لحادث بالسيارة أثر نوبة قلبية
عانت من كهرباء زائدة بالمخ أو ما يعرف بمرض "الصرع" منذ أن كان عمرها 13 عامًا، هذا المرض الذي جعلها لم تجرؤ يومًا أن تصرح به لأحد، فلا يعلم به سوى المقربين منها، والذين شاءت الأقدار أن يكونوا هم الشاهدين على نوبات التشنجات التي أصابتها حتى لا ينتابها الشعور بالخجل والألم النفسي عندما يراها غريبًا أثناء تلك النوبات فقد يصيبه الخوف منها، ومن ذلك المرض الذي كُتب عليها الإصابة به طوال حياتها.

بدأت سمية حسن، السيدة الأربعينية، حديثها لـ"الدستور"، موضحة قصتها مع المرض الذي ظلت تخفيه سنوات طوال، خوفًا من نظرة دونية أو تنمرية لها من المجتمع بسببه: "سنوات الدراسة مرت علي بسلام بين فترات الالتزام بتناول جرعات الدواء وبين الأخرى من عدم الالتزام حتى تخرجت وعملت بإحدى الوظائف المرموقة".

ظنت السيدة طوال الوقت أنه لايمكنها الزواج أبدًا، فما الذي يجبر شخصًا أن يتحمل إصابة زوجته بنوبات تشنجات تفقدها الوعي كثيرًا وبشكل مفاجئ، وتجعلها تقوم بحركات لا إرادية تخجل من مجرد ذكرها إذا أفاقت.

وتابعت: "رفضت كثيرًا من الأشخاص المقبلين على الزواج بسبب هذا المرض دون أن أصرح للجميع بالسبب الحقيقي وراء رفضي، حتى تقدم إلى خطبتي زميل لي بالعمل شعرت نحوه بالارتياح النفسي لأجد نفسي أتمناه زوجًا لي وأبًا مستقبليًا لأبنائي، وكذلك صرح لي هو الأخر، وبالفعل وافق أهلي به عريسًا لابنتهم فهو لم يكن يعيبه شيئًا".

وأضافت: " زاد تعلقي وحبي له أثناء خطبتنا، لذا قررت عدم مصارحته بمرضي خوفًا من أن يهجرني، فقد كنت لم أعد أتحمل الحياة بدونه"، وبالفعل تزوجته "سمية"، وأنجبا طفلين وعاشا حياة سعيدة، كانت أثناءها تتناول جرعات دواء "الصرع" خفية دون علم زوجها، ولكنها ببعض الأحيان لم تلتزم بالجرعات التي حددها لها من قبل طبيبها كما تقول، إلى أن جاء يومًا لم تتناول فيه جرعة الدواء المحددة أثناء قيادتها للسيارة، إذ فجأة تعرضت لنوبة تشنجية أدت إلى تصادم سيارتها مع أخرى، ما تسبب في وقوع إصابات خطيرة لها، ووحده القدر من أنقذ ابنتيها، ليعلم زوجها بمحض الصدفة أثناء حجزها بالمستشفى أنها مريضة صرع منذ فترة كبيرة.

حسين: أخفيت مرضي بـ"السكر" عن زوجتي خوفًا من أن تهجرني
حسين أحمد، 24 عاما، أصيب بمرض السكري منذ أن كان عمره 10 أعوام، وقع عليه حينها خبر إصابته بهذا المرض في هذا السن الصغير كالصاعقة، بسبب ما كان يراه من مضاعفات لمرض السكري تجاه والده.

عاش "حسين" سنوات عمره وهو صغير يدرك معنى المرض الذي يتألم من أعراضه وتقلباته المفاجئة، أخفى خبر مرضه عن جميع أصدقائه خوفًا من نظرة إشفاق ينظر أحدهم بها إليه فهو لا يحب تلك النظرة، وأصبح يتناول جرعات الأنسولين سرًا قبل ذهابه إلى المدرسة ومن بعدها إلى جامعته، مستمرًا في عدم إخبار أحدًا عن مرضه.

قابل حسين حسبما يقول خلال حديثه مع "الدستور"، تلك الفتاة التي أحبها وأدرك أنها زوجته المستقبلية مهما حدث، لذا تقدم إلى خطبتها رافضًا أن يخبرها حقيقة مرضه خشية من رفضها، فهو لم يكن يتخيل يومًا أن يفرقهما شيئًا، وبالفعل تزوجا وأنجبا طفلًا وظل الشاب يتناول جرعات الأنسولين سرًا موهمًا زوجته بأنها حقن "فيتامين".

تعرض الشاب ذات يوم لهبوط مفاجئ بمستوى السكر في الدم جعله يدخل في غيبوبة تامة، وفي تلك اللحظة ظنت زوجته أنه هبوطًا بمعدل ضغط الدم كما اعتادت حدوثه مع زوجها، فسارعت بإحضار ملح طعام وإدخاله بفمه، ما زاد الحالة سوءًا لتكتشف بعد نقله إلى أقرب مستشفى أنه مريض سكر بالوراثة، ويعاني من ارتفاع معدلاته بالدم بشكل كبير، ليقع هذا الخبر عليها وقع الصدمة.

لما لم يصارحني؟ لما خدعني؟.. تلك كانت التساؤلات التي خطرت في بال زوجته حينها، وتزاحمت بعد ذلك عدة أفكار بعقلها عن مصير طفلها الوحيد الذي يعاني من أعراض كثيرة تشبه أعراض مرض السكر عما إذا كان مصابَا هو الأخر أم لا.

سلمى: بابا أخفى عننا مرضه بالقلب.. ومات فجأة بعد صراع مع المرض
رجل خمسيني من قاطني منطقة باب الشعرية، توفاه الله بعد إصابته بمرض القلب، ومعاناته مع المرض لسنوات طويلة، دون أن يخبر زوجته وأولاده عن حقيقة مرضه، لكن الآلام التي عاشها في أيامه الأخيرة كانت قد كشفت أمره أمام ذويه الذين لم يستطيعوا إنقاذه لأنه قد فات الأوان.

سلمي، 24 عامًا، إبنة الرجل الخمسيني تحكي لـ"الدستور"، قصة والدها الذي أخفى سر مرضه حفاظًا على قلق ذويه، بجانب توفير المال لتأمين معيشة أولاده بدلًا من إنفاقها على علاجه، مشيرة إلى أن الأيام الأخيرة له كانت عبارة عن صراع شديد في سريره الخاص، ورفض حينها التوجه إلى المستشفى لتلقي العلاج، معلقًا على ذلك: "مش عاوز أموت في مستشفى".

أضافت سلمى، أن والدها كان يبدو عليه المرض بشكل بسيط قبل 4 أعوام من يوم وفاته، لكنه كان يتعمد الظهور أمامنا بأنه على أفضل حال، وأن هذه الآلام التي يتعرض لها مجرد ضغوط في العمل، لكن في الشهور الأخيرة تبين الأمر للغاية، وكان قد استلقى على سريره معتمدًا على العلاج في المنزل.

فاطمه: لم يخبرني زوجي بإصابته بـ"فيروس سي" إلا بعد تعافيه
أُصيب زوجي بمرض "فيروس سي" منذ عام من وقتنا الحالي، تقولها فاطمة حسن، 45 عام، ربة منزل، مستطردة أن زوجها اكتشف مرضه أثناء الحملة التي أطلقتها وزارة الصحة في الكشف عن مرضى الكبد في إطار حملة 100 مليون صحة، وعندما علم بحقيقة مرضه انتابه الشعور باليأس وتملكت الحالة النفسية السلبية منه، حتى انعزل عن عمله لفترات طويلة.

وتابعت "فاطمة" في حديثها "لم يُفصح لنا عن حقيقة مرضه بفيروس سي، ولا أنا ولا أولادي، وكثيرًا ما كنا نضغط عليه بالأسئلة؛ كي يخبرنا ماذا حل به ولماذا هو على هذا الوضع منذ فترة، ولكنه رفض مرارًا وتكرارًا أن يحكي لنا كما أخفى حقيقة مرضه عني أيضًا".

"ظل قرابة الـ 6 أشهر يتردد على الأطباء ويتابع معهم كما كان يتناول كورس العلاج اللازم لفيروس سي، ولم يكن لدي لدي علم بذلك الأمر"، بحسب "فاطمة"، والذي استغرق نحو نصف عام فقط؛ لأننا علمنا فيما بعد أنه كان يشتري العلاج مستورد من أمريكا وليس المحلي، إذ أنه يستغرق كورس العلاج المصري نحو عام أو أكثر.

وأضافت السيدة، طوال فترة تلقي العلاج الذي قضاها زوجي وإجراء الفحوصات الطبية اللازمة، امتنع تقريبًا عن مباشرة عمله، فلديه تجارته الخاصة والتي مرضت هي الأخرى بمرضه، نتيجة عدم قدرته نفسيًا وصحيًا على متابعتها، إلى أن انتهى من كورس العلاج المقرر في بضعة شهور، وتجاوز تلك المحنة، وبعدما تأكد من شفائه بشكل تام، حينها فقط أخبرني أنا وأولاده بحقيقة ذلك الأمر.

"فرحت وحزنت عندما علمت بشفاء زوجي التام"، هكذا وصفت "فاطمة" حالتها النفسية بعدما أخبرها زوجها بأنه قد تجاوز الأزمة وشُفي من مرضه تمامًا، موضحة أنها فرحت لشفائه، وحزنت عندما استدركت عدم إخباره لها من الأساس بمرضه، كونها ترى أنه من أبسط حقوقها أن يخبرها.. ولكنه لم يفعل.

شيخ الأزهر السابق: اختلف فقهاء الشريعة في هذا الأمر إلا 3 آراء
وفي فتوى سابقة للإمام الأكبر الشيخ، جاد الحق علي جاد الحق، شيخ الأزهر الأسبق، حول مدى أحقية الزوجان في معرفة مرض أزواجهم، أوضح إن الزواج في الدين الإسلامي ما هو إلا مودة ورحمة، ففي حالة ظهور أعراض مرضية غير قابلة للعلاج بأحد الزوجين، قد اختلف فقهاء الشريعة في هذا الأمر إلا 3 آراء.

الرأي الأول تضمن أنه لا خيار لأحد الزوجين إذا ما وجد بصاحبه عيبا فلا يجوز له طلب فسخ عقد الزواج سواء كان هذا العيب قبل العقد أو حدث بعده وسواء كان بالزوج أو بالزوجة، حسب الظاهرية.

الرأي الثاني أفاد أنه يجوز طلب التفريق بعيوب محددة، حسب مذاهب الأئمة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، فالمذهب الحنفي يرى أن التفريق يكون سببه العيوب المرضية التي توجد في الرجل إذا كان هناك خلاف بين الزوجين في عدد هذه العيوب، أم مذاهب المالكية والشافعية والحنابلة والزيدية والجعفرية ترى جواز طلب التفريق بسبب العيوب المرضية سواء للرجل أو المرأة وإن اختلف هؤلاء أيضا في عدد العيوب المجيزة لهذا الطلب ونوعيتها.

وأوضح الرأي الثالث أنه يجوز طلب التفريق مطلقًا بأي عيب جسدي أو مرضي، ولأي من الزوجين هذا الحق.