رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الاتحاد الأوروبى.. ماذا سيفعل أمام سواحل ليبيا؟



ما جرى إعلانه مؤخرًا حول اعتماد الاتحاد الأوروبى، فى ١٧ فبراير، مهمة عسكرية ستقوم بها الأطراف الأوروبية قبالة سواحل ليبيا، الهدف المعلن لها تنفيذ ومراقبة حظر تدفق السلاح إليها.. لكن ما يسرى فى يقين كل المراقبين وفى الداخل الليبى ذاته أن الأمر لا يعدو كونه وضع حواجز أمنية وعسكرية أمام السواحل المشار إليها، لمنع وصول المزيد من المهاجرين إلى المدن الأوروبية.
«عملية صوفيا» فى تصميم طبيعة مهام القوات البحرية التى انخرطت فيها تُحدَد بأن المهمة التى استمرت سنوات كانت جهودها الرئيسية تنحصر فى اعتراض طريق القوارب المحملة بالمهاجرين غير الشرعيين، والتى أبحرت من النقاط الكائنة جنوب المتوسط، دون أن تشتمل المهمة على أى جهد لمحاولة منع تلك القوارب من مغادرة السواحل التى تبحر منها.. لذلك تفاوت حجم النجاح المحقق فى الحد من تلك الظاهرة، من دولة لأخرى وفق إمكانياتها العسكرية والأمنية، باعتبار أن هذا الفصل من المهمة أوكل للأجهزة الوطنية لتلك الدول.
طوال سنوات «عملية صوفيا» التى قاربت نحو خمسة أعوام، بذلت دول جنوب المتوسط جهودًا عديدة عبر قوات «خفر السواحل» الوطنية لتلك الدول، واستعانت بالكثير من الدعم المعلوماتى من أجهزة استخباراتها الوطنية، أو بشراكات ومساعدات من قبل الدول المنخرطة فى عملية تجفيف منابع أو- «على أقل تقدير»- الحد من الظاهرة.. فالشبكات القائمة على هذا النشاط غير الشرعى تمتلك قدرًا عاليًا من المهارة والشراسة والقدرة على المناورة، وينخرط فى صفوفها عدد لا بأس به من القادرين على خوض تكتيكات حرب حقيقية ضد أجهزة ومؤسسات المكافحة، بالنظر إلى حجم العوائد المالية الهائلة الناتج عنها، وارتباطها بمنظومة أوسع للاتجار بالبشر على المستوى الدولى.
نجحت دول مثل مصر والجزائر والمغرب بشكل كبير- ووفق هذا الترتيب- فى الحد بشكل فعال من استخدام شواطئ تلك الدول لتكون منصة إطلاق بشرية لهذا النشاط غير الشرعى، لكن فى قلب سواحل المتوسط الجنوبية ظلت ليبيا، التى تمتلك شريطًا ساحليًا كبيرًا وممتدًا لنحو ٢٠٠٠ كم طولى، كثغرة كبيرة تمكن العديد من تشكيلات الجريمة المنظمة من استغلال حالة الهشاشة الأمنية فيها، ليمارس عمله بصورة مكثفة ويسهم فى قدر عالٍ جدًا من التدفق البشرى القادم من داخل ليبيا ومن الدول الإفريقية الكائنة جنوب الصحراء وامتدادًا للشرق والوسط الإفريقى.
بل ولقدرة هذا المسار، وما تمكنت الشبكات الإجرامية من تحقيقه، ظهرت جنسيات آسيوية قدمت من موطنها الأصلى لتعبر عشرات البلدان، قبل أن تتمكن من التسلل إلى داخل ليبيا والوصول إلى «سماسرة» هذه الشبكات القادرين على مراوغة عمليات المنع، وتوجيه بضاعتهم البشرية نحو السفن الأوروبية التى تعمل لصالحهم فى التقاط هؤلاء، والدفع بهم إلى موانئ شمال المتوسط فى البلدان الأوروبية.
الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية فى الاتحاد الأوروبى، «جوزيف بوريل»، أعلن مؤخرًا عن أن «عملية صوفيا» البحرية لن تتم إعادة تفعيلها من أجل إنقاذ المهاجرين فى البحر المتوسط فقط، بل إن هناك رغبة أكيدة فى توسيع المهمة كى تشمل مراقبة تنفيذ حظر الأسلحة الذى تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا.
ففى الوقت الذى تنظر فيه اللجنة العسكرية للاتحاد الأوروبى بأن العملية حققت نجاحًا ملموسًا، وفق تقدير الجنرال كلاوديو جراتسيانو، رئيس اللجنة، ترى اللجنة أن إطلاق «عملية صوفيا» التابعة للاتحاد الأوروبى فى عام ٢٠١٥ مثل «استجابة أوروبية مهمة وحديثة، لأنها تميل إلى مواجهة ظواهر الخطر مثل الاتجار غير المشروع بالمهاجرين، وتقديم مهام فعالة لتحسين تدريب خفر السواحل والبحرية الليبية». وهذه المهمة الأخيرة ربما عليها تحفظات كثيرة من آخرين، قد لا يشاركون الجنرال جراتسيانو تقديره، الذى يصفونه بالدعائى أكثر منه واقعيًا.. لكن مؤخرًا أيضًا كشف عن وثائق سرية التداول ما بين مندوبى الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبى، حول اقتراح لإعادة تسمية «عملية صوفيا»، وتغيير أهدافها المعلنة سابقًا لتركز فى الفصل اللاحق على مراقبة حظر الأسلحة المفروض على ليبيا، فى التفاف على المعارضة الشديدة التى واجهتها العملية خلال الأسابيع الماضية، من دول أعضاء، مثل النمسا والسويد لا ترى هذا النجاح، أو لديها قدر من المراهنة عليها فى إعادة الاتحاد لتحديد مكانته فى الصراع الجيوسياسى والملىء بالمصالح الخاصة على ليبيا، فى الوقت الذى باتت فيه تلك الدولة وأزمتها ساحة يحاول الجميع فرض ثقله وضمان مقعد له على طاولة مستقبل ليبيا.
جهاز العمل الخارجى الأوروبى الذى يديره الممثل السامى للسياسة الخارجية للاتحاد «جوزيب بوريل»، هو الذى تقدم بالاقتراح مكتوبًا ومفصلًا لكل أعضاء وممثلى الدول، من أجل الاتفاق لجعل جمع المعلومات ومراقبة حظر الأسلحة هى المهمة الرئيسية لـ«المهمة البحرية»، فى حين تصبح مهمة مراقبة تهريب المهاجرين غير الشرعيين وإنقاذهم مهمة داعمة، ويجرى تنفيذها عبر الجو.
وأن هذا المقترح الجديد والمطور للعملية، سيستتبعه نشر أصول بحرية أوروبية فى منطقة البحر المتوسط، تركز بصورة أساسية على المياه الإقليمية الليبية، فيما يوفر هذا التطوير إلى ذات العملية، حال الموافقة عليها، رصدًا كاملًا لأى تحركات تركية مستقبلًا فى المنطقة.
الاتحاد وفق ما يقوم به من خلال هذا المقترح للتوسع العسكرى بالخصوص، ربما يختبر طموحاته الجيوسياسية الجديدة، فى ظل الجدل الواسع الذى يكتنف هذا المقترح فى أروقة الاتحاد، بين رافضين للعملية بحجة أنها أسهمت فى زيادة معدلات وصول المهاجرين غير القانونيين العابرين للبحر، وبين دفاع آخرين عنها باعتبار أن تغيير سياسة العملية وجعلها عملية عسكرية لمراقبة حظر الأسلحة الدولى على ليبيا والمنطقة سينقل الانخراط الأوروبى إلى مربع متقدم من الأزمة، ليزاحم كلًا من الولايات المتحدة وروسيا على مقاعد النفوذ والفاعلية.
أى الفريقين سيفوز داخل موازين دول الاتحاد غير المستقرة والمتنافرة باختلاف زوايا الرؤية على الأقل من آخرين أكثر انخراطًا ويشكلون معضلة حقيقية مثل تركيا؟، هذا سيُكشف عنه النقاب قريبًا مع خروج رؤية العملية العسكرية البحرية للنور