رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

باب النجار فعلًا «مخلّع»



عطفًا على مقال الأسبوع الماضى، بشأن مبادرة البنك المركزى لإنهاء مشكلة الديون المتراكمة على الشركات والمصانع، التى أدت إلى تعثرها وتوقف حركة إنتاجها.. سألنى صاحبى: «هو باب النجار دائمًا مخلّع؟».. رددت سؤاله بسؤال: ومن هو النجار صاحب الباب المخلّع؟.
قال: أنتم، أهل الصحافة، من تتولون الدفاع عن قضايا الآخرين، وتحثون أولى الأمر على حل المشكلات التى تعترض فئات المجتمع.. تخوضون معاركها بقلب مخلص، وتذودون عنها، كأنها قضايا تخصكم.. وأعلم أن مديونيات المؤسسات الصحفية لدى البنوك وجهات أخرى تجاوزت المليارى جنيه.. وما دامت هناك مبادرة للبنك المركزى لإقالة الشركات والمصانع المتعثرة، فأنتم أولى «أن ينالكم من الحب جانب».. ثم استطرد: هل تعلم أن وسائل الإعلام تخلق عالمًا يبدو للمتلقى حقيقيًا، ومع تراكم التعرض لهذه الوسائل، يبدو العالم الذى صنعته تلك الوسائل حقيقيًا فى الأذهان.. والأهم فى الأزمات هو ما يتصور الناس أنه «حدث» وليس «ما حدث» بالفعل، شريطة أن يعرف القائم بالاتصال كيف يخاطب اهتمامات الناس، فهى أهم من الحقائق.. وإذا استللنا الصحافة القومية من بين تلك الوسائل جمعاء، فإنها لا تتوقف عند مجرد تفسير الأزمة والتعامل مع عناصرها، بل إنها تتخطى هذا البعد، لتقدم للجماهير طرق الوقاية وأساليب التعامل مع أزمات متشابهة، فما بالكم وأنتم لا تصنعون الوهم، ولا تزينون للناس الفاسد والطالح، بل تنطلقون من حقائق على الأرض، وتؤمنون بأهمية الإصلاح المجتمعى من كل جوانبه.. خلاصة القول، إنكم صمام الأمان للمجتمع، وخط الدفاع الأول عن مكتسباته، إذا لم أزد بأنكم إحدى أذرع الأمن القومى المهمة.. فأين دور الدولة من ديونكم؟، بل أين أنتم من مبادرة البنك المركزى، خاصة أن الصحافة خدمة مجتمعية، مدعومة فى كل دول العالم؟
ضحكت من حديث صاحبى عن مديونية المليارى جنيه، وقلت: لقد تجاوزت صفرًا يا صديقى عند ذكرك مديونية المؤسسات الصحفية القومية، فقد كسرت هذه الديون حاجز الـ٢٠ مليار جنيه.. أصل الديون بسيط، ولكن فوائدها المتراكمة هى التى أوصلتها لهذا الرقم الضخم، منها ديون لصالح التأمينات والضرائب والكهرباء وبعض الجهات الخدمية، وهذه لا تسقط إلا بتشريع، مع أن النقاشات التى دارت مؤخرًا فى الهيئة الوطنية للصحافة ونقابة الصحفيين، وبعض الجهات المعنية، أسفرت عن آراء تحمل وجهتى نظر، إحداهما تُطالب بأن تُسقط الدولة الديون الحكومية، والأخرى تُطالب بالعودة لأصل الدين، بما سيقلل كثيرًا من قيمته التى تراكمت بعد ثورة يناير، نتيجة نقص الإعلانات والتوزيع.. لكن، وللحق، فإن الدولة وقفت إلى جانب الصحف القومية طوال الفترة الماضية، تدعمها بالمال ومد حبال صبر الجهات الحكومية الدائنة، حتى يكون هناك حل ناجع لمشكلة شديدة التعقيد.. لكن الأمر الذى لا يجب تجاوزه، أن الدعم الذى قدمته الحكومة لم يكن مرهونًا بخطط لتطوير المؤسسات والارتقاء بأدوات إنتاجها، بل يمكننى أن أزيدك من الشعر بيتًا، بالقول إن الوضع الحالى للمؤسسات الصحفية القومية يرجع بالأساس إلى ضعف وغياب المتابعة الدقيقة والفعلية للأداء المالى لهذه المؤسسات، كنتيجة أساسية لغياب المالك القانونى لهذه الأموال عن الساحة، وتغاضيه عن ممارسة حقه الطبيعى فى الرقابة على هذه الأموال، ومما فاقم الأزمة تعقيدًا الضعف الشديد لبعض مجالس الإدارات والجمعيات العمومية بهذه المؤسسات، بسبب ظروف تشكيلها.
لقد تعامل مسئولو بعض هذه المؤسسات مع دعم الدولة، وكأنه راتب شهرى مُستحق، لسداد الأجور وصرف البدلات والحوافز، انطلاقًا من نظرة البعض إلى أن الحكومة هى المسئولة عن توفير الأموال للصحف القومية، كونها مؤسسات حكومية، دون أن يتم توجيه جانب من هذا الدعم لأنشطة استثمارية، يمكنها ضخ عوائد على بعض هذه الصحف، حتى تقف على رجليها ذاتيًا، بعد فترة.. وخطورة هذا الأمر تكمن فى اضمحلال التفكير فى النهوض بالمؤسسات، وغياب الابتكار وانعدام الأفكار الكفيلة بزيادة مواردها، بل إن ما حدث هو أن بعض الإدارات اكتفت بما تحصل عليه من دعم، فعطلت فكرها وتاهت عنها الرغبة فى الخروج من المشكلة، حتى إننى قلت لأحد المسئولين ذات مرة، إن الدعم المقدم للصحف القومية بمثابة «حقنة هواء» انغرست فى عنقها، تقتل ببطء، ولن ينجو أحد من آثارها، إلا من رحم ربى! فى تقرير للجهاز المركزى للمحاسبات جاء أن جملة الخسائر بميزانيات المؤسسات القومية بلغت ٤٥٪ من حجم موازناتها.. أرجع التقرير أسباب الخسائر إلى انخفاض إيرادات قطاعات المطابع والنشر والتوزيع، وارتفاع نسبة المرتجعات من الإصدارات حتى بلغت ٨٨٪ من حجم المطبوع من بعض الصحف والمجلات، وزيادة أعباء فوائد الاقتراض والسحب على المكشوف من البنوك، وعدم استفادة المؤسسات من الطاقة الإنتاجية المتاحة لديها، سواء كانت أراضى أو مبانى أو أجهزة ومعدات ووسائل نقل.. وأيضًا تضخم مستحقات المؤسسات طرف الغير، إلى جانب الخلل فى الهياكل التمويلية، وعدم توافر السيولة النقدية اللازمة لتمويل النشاط، مع توقف سداد التزاماتها تجاه الجهات الحكومية.. وفى خضمّ هذه الملاحظات يحضرنى تأكيد الأستاذ كرم جبر، رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، أن «قيمة رواتب الصحفيين أصبحت الأقل فى الدولة، بوصولها إلى المرتبة رقم ٢٠٢ بعدما كانت فى المرتبة الثانية» «انتهى».. هذا ألقى بآثاره فى صورة ضعف الأداء المهنى والتحريرى بالصحف القومية، بعد هروب الكثير من كفاءاتها إلى الصحف والفضائيات الخاصة، مما أدى إلى انصراف القراء عن إصداراتها، نتيجة لضعف المواد التحريرية والخدمات التى تؤديها لهؤلاء القراء.. وإذا نظرنا إلى كثافة عمالة هذه المؤسسات بتنوعها، مع عدم الاهتمام بتدريبها، لأدركنا مدى القصور الذى تعانيه الإدارة، على المستوى الإدارى والمالى والتسويقى والتوزيعى وفشلها فى إدارة مواردها البشرية، مما جعل مستقبل هذه المؤسسات محفوفًا بالخطر الشديد.. وهنا نتساءل: هل يمكن بالفعل تفعيل حق الجمعية العمومية فى ممارسة واجبها فى عزل مجلس الإدارة، إذا لم ينفذ خطة التطوير والإصلاح، خاصة أن رئيس الهيئة الوطنية للصحافة- وفقًا للقانون- هو رئيس هذه الجمعية؟.. سؤال أترك إجابته لغيرى، ودعونا نبحث عن الحل. يأتى تطوير إمكانيات ومهارات شباب الصحفيين لخدمة مؤسساتهم فى ضوء الثورة الرقمية ضمن أولويات الحل، من خلال التعاون بين الهيئة الوطنية والنقابة فى عقد دورات تدريبية مشتركة، وإقامة ندوات لتطوير المحتوى الصحفى كمدخل أساسى لجذب القراء وعودة الثقة والمصداقية فى الصحف القومية، وتجنب التكرار وعدم التميز، مع الحرص على تحقيق التعددية والتنوع فى المحتوى المُقدم وتعبيره عن كل الآراء والتوجهات.. مع تأكيد أن حرية الصحافة وتطوير المحتوى الصحفى للتعبير عن اهتمامات وهموم المواطن المصرى، هما أول طريق تطوير الصحافة والحفاظ على الدولة المصرية معًا.
دعم خطط استغلال أصول المؤسسات، «غير المستغلة»، فى مشروعات استثمارية تخصص عائداتها لتنمية موارد المؤسسات وتطويرها، على أن يتم إقرار أى عملية استغلال أو بيع للأصول من خلال مجالس الإدارات وجمعياتها العمومية وبموافقة الهيئة.. وبما أن إعلانات الـOUT DOOR، تعد المصدر الأساسى فى الموارد، مع انحسار إعلانات الصحف نتيجة لضعف توزيعها، فإنه من الضرورى مخاطبة وزير التنمية المحلية، حتى تقوم المحليات بتوفير المساحات الإعلانية المخصصة للمؤسسات الصحفية، والصبر على جدولة المديونيات السابقة، لحين سدادها من عوائد المرحلة المقبلة، مع تحفيز المشروعات الاستثمارية ذات العلاقة بمهنة الصحافة أو ما شابهها، كمدخلات مالية جديدة، يقوم عليها فريق من شباب هذه المؤسسات.
وأخيرًا.. وبدلًا من أن ننظر لشيوخ الصحافة ممن أُحيلوا إلى التقاعد، كخيل حكومة، يجب التخلص منهم، على الهيئة أن تضم بعض أصحاب الخبرات منهم إلى عضوية مجالس إدارات الصحف، ففى تجاربهم، وتجردهم عن الهوى، ما يمكنهم من تقديم مشورة مفيدة، أو طرح فكرة مبدعة، قد ترتقى بهذه المؤسسات.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.