رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تميم يساوم تونس!



الدعم الكبير، الذى تقدمه قطر للإرهابيين فى تونس، ولأحزاب سياسية، أبرزها «حركة النهضة» الإخوانية، يفسر زيارة الفتى تميم بن حمد إلى البلد الشقيق، قبيل تشكيل حكومته الجديدة. ويفسر، أيضًا، تجمع التونسيين أمام مطار تونس قرطاج، رافعين شعارات «تميم زعيم الإرهاب».. «اللعنة على ابن موزة».. و«تراب تونس طاهر لا يقبل أنجاس قطر».
تلك مجرد عينة من ردود الأفعال الغاضبة التى استقبل بها التونسيون تدنيس الفتى القطرى لتراب بلدهم. وهناك أيضًا من قاموا بتنظيم وقفة احتجاجية أمام سفارة قطر فى تونس للتنديد بسياسة الدوحة الداعمة للإرهاب و«المفسدة» للحياة السياسية ولمشروع الانتقال الديمقراطى فى البلاد. كما شدّد «المرصد الوطنى للدفاع عن مدنية الدولة» على ضرورة «التنبه لبرامج أحزاب الإسلام السياسى، وعلاقاتها بالدول الداعمة لتوجهاتها، وفى مقدمتها قطر وتركيا».
كثيرون، داخل تونس وخارجها، طرحوا مخاوف من أبعاد تلك الزيارة المشبوهة، مع أسئلة منطقية بشأن مدى تأثيرها على المشهد السياسى وعلى الموقف التونسى من ملفات إقليمية، أبرزها الملف الليبى. واللافت، هو أن الزيارة تزامنت مع الإعلان عن تأسيس حزب جديد اسمه «الشعب يريد»، يطالب بضرورة تغيير نظام الحكم وشكله. وبطرح سؤال التمويل، تمويل الحزب، ليس صعبًا استنتاج أنه سيكون ورقة جديدة فى يد قطر أو وكلائها.
بعد لقاء جمعهما، مساء الإثنين، قال الرئيس التونسى إنه تناول مع ضيفه ملفين أساسيين، هما الاقتصاد والعلاقات الدولية، خاصة النزاع الليبى. وفى مؤتمر صحفى مشترك، أوضح أنهما ناقشا إمكانية دعوة رؤساء القبائل الليبية لعقد اجتماع موسع فى تونس. لكن سرعان ما جاء رد المجلس الأعلى للقبائل الليبية، بأن أكد، فى بيان نشره على تويتر، أنه يرفض الدعوة لأى اجتماع خارج ليبيا، خاصة «عندما تكون برعاية قطرية واضحة»، لافتًا إلى أن قطر «فعلت فى الليبيين ما فعلت، وأنفقت أموالًا طائلة على زرع الإرهاب فى بلادنا».
المجلس الأعلى للقبائل الليبية أعيد تشكيله وهيكلته فى ٢٠ فبراير الحالى خلال اجتماع، استمر ثلاثة ٣ أيام بحضور عدد كبير من الشخصيات القبلية من جميع أنحاء البلاد. وفى بيانه، دعا كل القبائل الليبية إلى «الوقوف صفًا واحدًا» والالتزام «بما جاء فى مقررات ملتقى مشايخ وأعيان ونخب ليبيا فى ترهونة». وهنا تكون الإشارة مهمة إلى أن البيان الختامى للملتقى الوطنى الجامع الذى انعقد فى مدينة ترهونة، أعلن دعمه للجيش الوطنى الليبى ومنحه تفويضًا بسرعة حسم المعركة والقضاء على الميليشيات الإرهابية، وجدد رفضه لكل المنظمات والتشكيلات المتطرفة.
وقت كتابة هذه السطور، من المفترض أن يكون إلياس الفخاخ، رئيس الحكومة التونسية المكلف، قد توجه إلى البرلمان للحصول على ثقة ١٠٩ أعضاء فى حكومته من إجمالى ٢١٧ عضوًا. ومن المتوقع أن تستمر جلسة تصويت البرلمان التونسى على الحكومة الجديدة إلى ساعة متأخرة من مساء أمس. لكن ما لفت نظرنا هو أن زيارة الفتى تميم تزامنت مع التوقيع على «وثيقة التعاقد الحكومى» المعدلة، التى عرضها الفخاخ على الأطراف المشاركة فى الائتلاف الحاكم: حركة النهضة، حزب التيار الديمقراطى، حركة الشعب، وحزب «تحيا تونس»، وكتلة «الإصلاح الوطنى»، التى تضم عدة أحزاب ضعيفة التمثيل البرلمانى.
سر الفتى تميم «الباتع»، جعل تلك الأحزاب أو الكيانات تتجاوز خلافاتها الكبيرة حول توجهاتها الاقتصادية، السياسية، والاجتماعية، وتتغاضى عن الفروق العديدة بين برامجها الانتخابية. ومع أن الأحزاب التونسية الحاكمة، منذ ٢٠١١، عجزت عن معالجة الأزمة الاقتصادية، إلا أن الفخفاخ وعد بأن تطلق حكومته سبعة مشروعات كبرى. وطبيعى أن يقودك ذلك الوعد، إلى السؤال عن التمويل، الذى لن تجد إجابة عنه إلا فى رسالة الدعم، التى حملها الفتى تميم، وتعهداتها ووعوده بأنه سيساعد تونس على تجاوز أزمتها الاقتصادية.
خلال زيارته المشبوهة، التى اصطحب خلالها وزيرى ماليته وخارجيته، وعد الفتى تميم بإغراق تونس بالاستثمارات القطرية، وبالمساهمة فى تمويل مشروع المدينة الصحية بالقيروان، كما تعهد بدعم أسواق الإنتاج الفلاحى بمدينة سيدى بوزيد، المنطقة التى انطلقت منها «ثورة ٢٠١١». ووعد باستيعاب عدد من الشباب التونسى العاطل عن العمل، بمضاعفة عدد التونسيين الذين ستستوعبهم سوق العمل القطرية، من ٢٥ ألفًا إلى ٥٠ ألف تونسى، و... و... إلخ.
لو سألت عن المقابل، لن تجد غير تفسير منطقى واحد ووحيد، هو أن تستسلم تونس لسيطرة «حركة النهضة» الإخوانية، وأن تضبط توجهاتها، مواقفها وقراراتها على البوصلة القطرية أو التركية، وتكون معبرًا للسلاح والإرهابيين إلى غرب ليبيا. غير أننا نثق تمامًا، فى أن الشعب التونسى، باستثناء فئة ضالة، لن يقبل تلك المساومة، وسيقابلها بالصيغة نفسها التى قابل بها، منذ ٦٠ يومًا، مساومة الرئيس التركى الشبيهة.. والمشبوهة أيضًا.