رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ترامب فى الهند


لا نوم ولا دمع، الآن، فى عينى عمران خان، لاعب «الكريكيت» الدولى السابق، رئيس وزراء باكستان الحالى. ولا نعتقد أنه يفعل شيئًا، منذ ٤٨ ساعة على الأقل، غير متابعة زيارة الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، لجارته الهند، التى بدأت أمس الإثنين، وتستمر ليومين.
رحلة ترامب إلى الهند استغرقت ١٧ ساعة، توقفت خلالها الطائرة الرئاسية الأمريكية فى ألمانيا للتزود بالوقود فى قاعدة رامشتاين العسكرية، قبل استئناف الطيران إلى مدينة أحمد آباد، مسقط رأس رئيس الوزراء الهندى ناريندا مودى، التى استعدت للزيارة بـ١٠ آلاف رجل أمن، وبصور ضخمة تحتفى بالصداقة بين البلدين، على جانبى الطريق الذى سلكه ترامب، والممتد لنحو ٢٢ كيلومترًا، كما تراصت أيضًا منصات أدى عليها فنانون عروض الاحتفال والترحيب.
لدى وصوله إلى أحمد آباد، ترافقه زوجته ميلانيا وابنته إيفانكا وزوجها جاريد كوشنر، ومسئولون آخرون، وبعد الصور الضخمة والعروض الفنية، التى مر عليها، وجد الرئيس الأمريكى فى انتظاره حوالى مائة ألف شخص حشدهم رئيس الوزراء الهندى، فى أكبر ملعب «كريكيت» فى العالم، جرى افتتاحه بهذه المناسبة. وقيل إن مودى أقام هذا التجمع، الذى أطلق عليه اسم «ناماستى ترامب»، أى «تحية لترامب»، ردًا على تجمع مماثل أقامه الرئيس الأمريكى له بولاية تكساس، فى سبتمبر الماضى.
زيارة ترامب الأولى لهذا البلد، منذ دخوله البيت الأبيض، تأتى فى وقت تطورت فيه العلاقة بين الهند والولايات المتحدة لتصبح شراكة استراتيجية كاملة. وتأتى أيضًا، بعد مرور نحو شهور على إلغاء حكومة مودى الحكم الذاتى الذى كان يتمتع به الجزء الهندى من إقليم كشمير، المتنازع عليه بين الهند وباكستان. ومع أن واشنطن تربطها علاقات جيدة بإسلام آباد، ومع أنها طالبت الطرفين بالحفاظ على السلام والاستقرار، إلا أنها ترى أن أى حوار ناجح بين الطرفين يجب أن تصاحبه جهود من باكستان لمكافحة الإرهاب، وتعهدها بعدم استضافتها المتطرفين على أرضها.
الهند والولايات المتحدة ترتبطان بعلاقات وثيقة، غير أن العلاقات التجارية بين البلدين شهدت توترًا شديدًا، منذ يونيو الماضى، حين قررت واشنطن إلغاء المعاملة التجارية التفضيلية للهند، وهو ما ردت عليه نيودلهى بفرض رسوم على أكثر من ٢٠ سلعة أمريكية. ولضخامة السوق الهندية، ولأسباب انتخابية، سبق أن تعهد ترامب بأن يتم التوصل إلى اتفاق للتجارة الحرة مع الهند، حال فوزه فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقرر إجراؤها فى نوفمبر المقبل.
أمام الحشود، التى تجمعت فى استاد «ساردار باتيل» للكريكيت بمدينة أحمد آباد، أشاد ترامب بعلاقات بلاده مع الهند، وتعهد بأن تكون «صديقًا مخلصًا» لها. ووصف الهند بأنها «تمنح الأمل للبشرية بالكامل»، زاعمًا أنه وزوجته ميلانيا قطعا ٨ آلاف ميل لتوصيل رسالة مفادها «أن أمريكا تحب الهند وتحترمها». ثم وصف رئيس الوزراء الهندى بأنه «الصديق الجيد» و«زعيم رائع، يحبه الجميع»، قبل أن يشير إلى أنه سيبحث معه سبل تطوير العلاقات بين البلدين، ويؤكد أن واشنطن فى المراحل الأولى من الطريق إلى توقيع صفقة «لا تُصدّق» مع نيودلهى.
ضخامة الاستاد قد تكون انتزعت بعض اهتمام رئيس الوزراء الباكستانى، لاعب الكريكيت السابق. لكنه اضطر، قطعًا، إلى تجاهل الاستاد ومقاومة حنينه إلى اللعبة، حين عرف أن أولى مراحل أو خطوات الصفقة، التى «لا تُصدّق»، تتمثل فى تزويد الهند بمروحيات ومعدات عسكرية أخرى قيمتها ٣ مليارات دولار. وربما شعر بضيق فى التنفس وهو يسمع الرئيس الأمريكى يؤكد أن بلاده تتطلع إلى توفير «أفضل المعدات العسكرية للهند»، لتتمكن من محاربة الإرهابيين، قبل أن يتعهد بمواصلة العمل مع باكستان من أجل القضاء على الإرهاب!.
بين الولايات المتحدة والهند أكثر من ٥٠ آلية حوار ثنائية حكومية لتبادل وجهات النظر حول القضايا ذات الاهتمام المشترك. وبينما كانت العلاقات التجارية بين البلدين هى أبرز البنود على جدول أعمال الزيارة، سيطر التعاون فى الدفاع، الأمن، ومكافحة الإرهاب، على عناوين الصحف الهندية، التى توقعت أن تشهد الزيارة توقيع ٥ اتفاقيات فى تلك المجالات.
من المقرر أن يزور ترامب، برفقة زوجته وابنته وزوجها، مدينة «أجرا» لرؤية «تاج محل»، قبل أن يتوجه، اليوم الثلاثاء، إلى نيودلهى لإجراء محادثات على مستوى الوفود. ثم تبدأ رحلة عودته إلى واشنطن. ووقتها ربما يستطيع عمران خان أن ينام قليلًا، ليقوم بعد استيقاظه بإعادة ترتيب أوراقه وتحالفاته، وإجراء اتصالات بحلفائه.
لاعب الكريكيت السابق، الذى أصبح، فى أغسطس ٢٠١٨، رئيسًا لوزراء باكستان بأغلبية برلمانية ضئيلة، سيكون اتصاله الأول، غالبًا، بالرئيس التركى، الذى وعده، منذ أيام، بدعمه «فى مواجهة الضغوط التى يتعرض لها». ونتمنى ألا يستجيب لنصائحه.