رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قلب شاعر المقاومة.. صديقة درويش: «ريتا » اسم وهمى والسيدة التى انتحلت صفتها «نصابة»

محمود درويش
محمود درويش

هي سهام داوود سكرتيرة تحرير جريدة «الاتحاد» بحيفا فى «عصرها الذهبى»، وواحدة من أهم صديقات «درويش»، والتي التقتها «الدستور» وحاورتها عن قصة صداقتها للشاعر الكبير، وفي السطور التالية أفصحت عن الكثير من الأمور المرتبطة بالشاعر الفلسطيني الكبير، وعن قصة تنظيمها للأمسية الوحيدة للشاعر الكبير بـ"حيفا"، وانفجار سيارتها، وكيف أن ريتا هي فتاة غير حقيقية، وأن إحداهن حاولت سرقة شهرتها وإلصاق ما كتبه عن ريتا بعد وفاته بشخصها "كما أوضح الشاعر أكثر من مرة".

وإلى نص الحوار..

■ كنتِ الوحيدة التى نظمت أمسية لمحمود درويش فى حيفا.. كيف جاء ذلك؟
- عاد محمود درويش إلى رام الله بعد توقيع «اتفاقية أوسلو»، التى عارضها بشدّة واستقال بسببها من عضويته فى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكانت عودته عبر قطاع غـزة، مثل كل العائدين العاملين، ضمن إطار المنظمة الفلسطينية.
وكثيرًا ما طلبت منه بإلحاح تنظيم أُمسيات له فى الداخل الفلسطينى، الجزء المسمّى «إسرائيل» حاليًا، لكنه كان يرفض، ليس لأنه لم يرغب، وإنما خشية من تبعات ذلك فى العالم العربى وإعلامه المغرض والمتربصين على أشكالهم والجهلاء المتربصين الذين لا يفقهون دقائق وتفاصيل وحيثيات حياتنا فى فلسطين، لا تاريخيًا ولا جغرافيًـا ولا حياتيًا.
وقد طاله ذلك بالفعل فى فترة إقامة الأمسية بمدينة «حيفا»، بعدما أثار زوبعة فارغة بعض «المتشنجين»، الذين اتضحت دوافعهم وهوية من دفعهم إلى ذلك الغباء، وللأسف كانوا ممن يفهمون دقائق ظروفنا.
رفض إقامة أمسيات، ولم أسأله مرة أُخرى، حتى نجحنا فى ترتيب إذن خاص له فى الدخول إلى البلاد سرًا، لكى يشارك فى تصوير فيلم عن حياة الروائى الفلسطينى إميل حبيبى، بطلب من الأخير نفسه، الذى كان مريضًا فى آخر مراحل حياته، لكنه توفى قبل الإذن لـ«درويش» فى الدخول بـ٨ ساعات.
وعقدت بعدها الأمسية، التى بإمكانى كتابة كتاب كامل عنها، وما نُشر عنها وجمعته للشاعر بطلب منه يبلغ حجمه «شوال أَرز أبوخيط أحمر»، كما وصفه هو، وبدل أن يعيدها لى كما طلبت، تخلص منها إلى حاوية النفايات، كعادته السيئة.
■ لكن البعض اتهمه بـ«التطبيع» بسبب هذه الأمسية؟
- تيّار سياسى محلى تم استخدامه لمصالح نرجسية حزبية فئوية هو من وقف وراء هذا الاتهام، وحاول أن يثير حملة معادية فى الوطن العربى ضد إقامة الأمسية داخل حيفا، وفشل بالطبع.
قالوا إن محمود درويش «يُطبّع»، وكأنه سيزور «تل أبيب»، وهو أمر يعكس الجهل الكامل وانعدام فهم علاقة ابن البلاد بوطنه. يطبّع مع مَن؟ هل شعبه الباقى الذى هو جزء لا ينفصل عنه «تطبيع»؟! هل تحوّل محمود درويش، ابن وطنه الأبرز، ضيفًا «مطبِّعًا» مع ناسه وأهله وشعبه وسمائه وأرضه؟!.
وللعلم أفراد هذا التيار السياسى فهموا بعد فوات الوقت أنهم أساءوا لأنفسهم، فاعتذروا للشاعر شخصيًا، واحدًا واحدًا، لكن ليس عبر بيان رسمى، لأنهم لا يجرؤون، أمام من أوقعهم بهذا المطب، ونسبوه إلى صحفى كان محررًا لصحيفة ذات التيار، قائلين للشاعر: «ورّطنا ذاك الصبى»، وهم يعرفون تمامًا أنه موظّف مأمور فحسب.
وهذا التيار هو نفسه الذى نقل هذه الكذبة إلى خارج فلسطين، عبر صحيفة «ممانعة» لبنانية، لكن كما قلت سرعان ما اعتذر قادة هذا التيار المحليون عن تصرف بعض أفراده وسموهم «صبية مسيئين غير مسئولين»، مع أنهم هم من انساقوا وراءهم ولم يحضروا الأمسية، مع أننى حرصت على دعوتهم وحجز أماكن لهم فى الصف الأمامى، كونى من نظّمت وأدرت وأشرفت على كل تفاصيل الأُمسية.
■ هل صحيح أن المعارضين لإقامة الأمسية حرقوا سيارتك؟
- نعم، ولا شك أنها نفس الجهة التى تحدثت عنها سابقًا، ولذلك قال محمود درويش نفسه، وكان لمّاحًا مشاكسًا: «حرقوها بسبب عملتك السوداء»، ويقصد إقامة أُمسيته التى كانت بترتيبى وإدارتى كليًـا.
والاعتداء على سيارتى أول اعتداء محلى فلسطينى على سيارة شخصية لم تعمل طول عمرها إلاّ فى الثقافة، وسيدة. كان فعلًا انتقامًـا وحقدًا وغيرة من الشاعر وجريمتى أو «عملتى السوداء».
■  ما حقيقة أنه قال فى لقاء مع تليفزيون فرنسى إن «ريتا» فتاة وهمية، وليس كما أشيع أنها بنت إسرائيلية تعلق قلبه بها؟
- هذا الخلط يكاد يكون إسفافًا مقصودًا مشبوهًا، حتى من جانب من يدّعون الثقافة والبحث، وبالأخص هؤلاء، ويبدو أن الشّاعر لم يخطئ، ولم يبالغ فى قوله إن «أسوأ فئة فى المجتمعات العربية هى فئة المثقفين، وفى مقدّمتهم المثقف الفلسطينى».
وسمعت هذا القول منه مرات ومرات، خاصة فى آخر ١٠ سنوات من عمره، وبالأخص فى الفترة التى كان يسكن فيها بين عمّان ورام الله.
أمّا الشاعر - الذي كان أوضح مجازية تسمية «ريتا» وأنها اسم شعري فحسب، في أكثر من حوار - فقد حرص أن يكتب عن ذلك خطيًّا، وكتب :

(( ريتـا.. ليس اسم امرأة. هى اسم شعرى لصراع الحُـب فى واقع الحرب. هى اسم لعناق جسدين فى غرفة محاصرة بالبنادق. هى الشهوة المتحدّرة من الخوف والعزلة دفاعًا عن بقاء كل من الجسدين فى ظرف يتحاربان فيه خارج العناق.
منذ خمسة وعشرين عامًـا يوقظ الشتاء موقع ذلك الوجع، حيث لسعتنى الأفعى. لا، لم يكن حبًّـا، بقدر ما كان حادثة ومفارقة، واختبارًا لإنسانية الجسد فى تحرُّره من الوعى.
- كأنها، كأن هذا الاسم، كان يُغنى، بعد الصهيل، ذلك الصمت البعيد البعيد الذى يأخذ كل واحد منّا إلى منفاه، الذى لا يتجاور مع منفى الآخر. كان يُغنى بلغة لا أفهم منها غير اغترابنا وتلاشى الظل فى الظلام. ولكننا ندَّعى ملكية الزنبقة ذاتها.
لم يكن فى وسع هذه الرغبة أن تنطفئ تدريجيًّـا، كان عليها أن تحترق وأن تحرقنا، وكان على كنّاسى الشوارع أن يكنسوا الحادثة ونفيها فى الصباح. ))

- والحقيقة أننى حتى الآن نأيت بنفسى عن الانشغال بهذا الموضوع بسبب «تفاهته»، وانطوائه على «عُقد»، و«تغريض».. فأية مكانة وأية قيمة لما يقوله غيره من كتبة، بناءً على جهل مطبق أو لهدف مبطّن تحريضى مشبوه تمامًا، أو امرأة معينة أو تلك، تتحدث وتنتحل بعد وفاة الشاعر، في مقابل ما يقوله الشاعر، موثقًـا بخط يده لا ريب فيه؟!.
■ ما ردك إذن على الفيلم الذى ظهرت فيه فتاة إسرائيلية تدعى أنها «ريتا»؟
- فى شبابه- فترة كتابة «ريتا» التى حلا للبعض الانسياق وراء المدّعية المنتحلة الإسرائيلية- كانت له علاقات عديدة متوازية فى الفترة نفسها، ومع يهوديات إسرائيليات أيضًا. وبالمناسبة المخرجة التى أعدّت الفيلم عن هذه المرأة الإسرائيلية المزعومة تأكدت من ذلك، لكن طاب لمن طاب التركيز فى صاحبة الادعاء.
وبالمناسبة «البطلة» هى التى بحثت عن المخرجة لكى تصنع عنها فيلمًا، بعكس الادعاء أن المخرجة عثرت عليها- كما طاب للمخرجة أن تصرّح- وهذا أعرفه من «البطلة» نفسها. يعنى «فيلم» موصى عليه. ولكم أن تتخيّلوا الدوافع.
ولا يستطيع أحد إنكار علاقتها به، وهى فى السادسة عشرة والنصف من العمر، يعنى «قاصر»، كما لا يمكن نسيان تصرف تلك «المراهقة» التى ادّعت العشق وما زالت، وادعت أنها تركت حبيبها الفلسطينى المطارد، وذهبت إلى «الخدمة العسكرية فى الجيش الإسرائيلى»، رغم معرفتها بأن هذا يعنى تخليها عن علاقتهما، وعما ادّعت أنه «حب»، كما أنها رفضت زيارته كما رجاها- فى الفترة ذاتها تمامًا- حيث تزامن هذا مع إحدى المرات، التى كان فيها سجينًا.
■ هل هناك قصص تعرفينها لبنات أحبهن محمود درويش؟
- أستطيع أن أنقل عنه- وربما كتب هذا الشاعر عن نفسه- أنه لم يكن محظوظًا فى علاقاته العاطفية. وقال لى ذلك العديد من المرات بصيغ مختلفة. ما أعرفه بالأساس هو «علاقات» من الجانب الآخر. هو كان «ملولًا» بشكل استثنائى، وعصبيًا إلى أبعد حد، وعصبيّته هذه انعكست على علاقاته العاطفية إن جاز القول.
كان كتومًا أمام البعيدين عنه، حتى إن كانوا يعتقدون هم أنهم قريبون. وصريحًا إلى أبعد حد عن نفسه مع الذين وثق من مشاعره تجاههم وعلاقتهم به. كان عصبيًا ولكنه كان يحاول التصرف بأدب قد لا يفهمه من قبالته.
وبين الأعوام ١٩٦١ و١٩٦٩ كانت له عدة علاقات عاطفية مع نساء عربيات فلسطينيات تشهد عليها مضامين رسائل منهن، وربما كانت منه لهن، لكنهن لم ينشرنها مثلما انتهزت هذه السيدة سالفة الذكر الفرصة لتشهر نفسها.
وأعرف تمام المعرفة عن نساء، بينهن مغنيات وممثلات وشاعرات، بعضهن طاردنه فعلًا.
وفى كل بلد من البلدان العربية، تقريبًا، كانت هناك من أُسميها «مجنونة محمود درويش»، أعرف الحكايات عنها منه، وبعد كل سفرة لبلد معيّن كنت أنتظر «جديدها»، يرويها لى لغرابتها وعن «سوء حظه»، كما كان يصفها. والكثير منها غريب، وبعضه مضحك إلى حد بعيد.
وهذا يشمل بلادنا، التى كان يخصنى بأن أطلب منهن، من المطاردات، أن يكففن عن مطاردته. فى حالة البعض لبيت طلبه، والبعض لم أفعل لمّا كانت الحالة تتطابق مع الهوس أو الهستيريا، مخافة أن يلحق بى الأذى أو سوء الفهم. ناهيك عمّن توهمن واختلقن علاقة معه لمجرد أنه كان مهذبًا على طاولة طعام فى عشاء عام مع جمهور.
وأعرف عدة نساء، متزوجات من أصدقاء مقرّبين له، لم يتورّعن عن «خطب وده». وأحيانًا كنت أُشفق عليه من الانزعاج والضيق، الذى كان يشعر به تبعًا لذلك.