رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قبل التعامد.. «الدستور» تكشف تفاصيل نقل معبدى أبوسمبل

نقل معبدي أبو سمبل
نقل معبدي أبو سمبل

- مقترحات عالمية لإنقاذ معبد أبو سمبل.. والثقافة تستعين بعميد فنون جميلة الإسكندرية.
- عملية النقل أكبر وأضخم عمل تشهده البشرية بنقل معبد بالكامل دون أى خسائر.

تفصلنا ساعات معدودة عن الاحتفال بظاهرة تعامد الشمس على وجه الملك رمسيس الثانى بمعبدى أبوسمبل جنوب مدينة أسوان، وتحتفل أسوان بهذه المناسبة مرتين سنويًا، وكان هذا الاحتفال مقدسًا لدى المصرى القديم، لحلول موسم الفيضان والزراعة.

وهناك العديد من المعلومات عن الملك رمسيس الثانى، وفكرة نقل المعبد لإنقاذه من الغرق، وتستعرض "الدستور" جميع التفاصيل:

- "الملك رمسيس الثاني" صاحب تشييد معبدى "أبوسمبل"
شيد المعبد على يد الملك رمسيس الثانى، الذي ينتمى لملوك الأسرة الـ 19، ويعتبر من أعظم ملوك العالم، ونجل الملك ست الأول، إحدى الأسر القوية فى مصر القديمة، والذى أطلق عليهم هى والأسرة الـ 20 عصر الرعامسة، والتي اهتمت بتوطيد حكمهم وهيأوا كل وسائل الأمن والأمان لتحقيق الاستقرار الداخلى والخارجي، وحاولوا تقوية دعائم الإمبراطورية المصرية.

ويكاد الملك "رمسيس الثانى" أن يكون الوحيد الذي ترك له أثرًا باسمه في كل مكان، وتفوق عسكريًا ومعماريًا وكان مهتمًا بترميم آثار أجداده، واستقبلت مومياؤه في باريس استقبال الملوك، وأطلق اسمه على أهم شوارع وميادين القاهرة، وهو ميدان "رمسيس".

والتقت "الدستور"، بـ علياء عبدالمنصف، إحدى مفتشى الآثار بمنطقة أثار أسوان والنوبة، لتسرد لنا المعلومات التاريخية عن معبدى "أبوسمبل"، وعملية نقل المعبد من مكانه الأصلى عند إنقاذه، وإطلاق هذا الاسم على المدينة بأكملها.

وتقول مفتشة الآثار لـ"الدستور"، أن معبدى أبوسمبل يعدان أكبر معبد صخرى فى مصر، وتم اختيار موقعهما فى أسوان لأنها بوابة إفريقيا وتأثيرها على الدول المجاورة، وبهدف تعزيز الديانة المصرية القديمة، مشيرة إلى أن تسمية مدينة "أبوسمبل" ترجع نسبة للطفل الصغير، الذي قاد المكتشفين للمعبد بالمدينة رغم تغطيته بالرمال، والذى كان يدعى "سمبل"، لهذا السبب سميت المدينة بهذا الاسم.

وأضافت، أن الملك رمسيس الثاني اختار هذا المكان لبناء المعبدين لأنه نحتهم فى الصخر، وفى ذلك الوقت كان يعتقد المصريين القدماء أن الجبلين واحدًا منهم لروح الإله "حورس"، والآخر لـ"حتحور"، وكان يطلق على المنطقة التى أقيمت بها المعابد حينها "حورس محا"، و"حتحور أبشك"، لافتة إلى أن بناءهم استغرق حوالى 20 عامًا، وكان المعبد الكبير مكرس لعبادة 3 معبودات وهم: راح حور أختى، وبتاح، وآمون، أما الثانى فكان مكرسا للمعبودة حتحور وأهداه الملك لزوجته نفرتاري احب الزوجات إلى قلبه.

وبخصوص بناء المعبد، أوضحت علياء عبدالمنصف لـ"الدستور"، أن المعبد بني فى القرن الـ13 قبل الميلاد، على بعد 290 كيلو متر جنوب غرب أسوان ويعد من المعابد العظيمة، إلا أنه مع مرور الوقت تغطى بالرمال حتى ركبتى تمثال المعبد الرئيسى، وكان المعبد منسيًا حتى عام 1813، حتى جاء المستشرق السويسرى "جي ال بورخرتت"، وحاول الدخول إليه ولكنه فشل، وبعدها أبلغ زميل له وعادوا مرة أخرى عام 1817، ونجح زميله "بولونزى" فى دخول المعبد، ويقال إنه أخذ كل ماهو ثمين أو ما يصلح للنقل من المعبد وغادر.

وتابعت قائلة: أنه بعد بناء السد العالى ارتفع منسوب المياه، وبدأت تغمر الأراضي والآثار الموجودة بشكل كامل، ما أدى إلى غرق آثار النوبة، والتى تشمل 6 معابد لـ"رمسيس"، وأبوسمبل، وفيله، فضلًا عن المعابد الموجودة فى المنطقة، وهناك بعض الأجزاء التى استقرت فى البحيرة وتم انقاذها.

وأوضحت أن عملية نقل المعبدين كانت بمثابة معجزة بشرية بكل المقاييس، حيث إنهما منحوتان بالصخر، ولإنقاذهما استغاثت مصر بـ"اليونيسكو"، وأطلقوا حملة حينها للتبرعات، شاركت فيها 51 دولة، واستطاعوا تجميع مبلغ وصل إلى 40 مليون دولار، وذلك فى عام 1964، وكان المبلغ عظيم جدًا ويغطى إمكانية إنقاذ المعابد الموجودة.

وبدخولنا للتفاصيل، نجد أن صاحب فكرة نقل "معبدى أبوسمبل" وتقطيع الصخور الأثرية على شكل أجزاء، هو الدكتور"أحمد عثمان"، أول عميد لكلية الفنون الجميلة بمحافظة الإسكندرية.

وتواصلت "الدستور" مع اللواء شريف عثمان، نجل صاحب فكرة نقل المعبد، ومؤسس كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، للحصول على تفاصيل ومعلومات نقل المعبد، والتي عاصر بعضها وتعرف من خلال مذكرات والده علي البعض الآخر.

ـ فكرة مشروع إنقاذ المعبد

وتضمنت المعلومات التي سردها الدكتور أحمد عثمان خلال محاضرة تم توثيقها في كتاب "50 عاما على كلية الفنون الجميلة"، إن فكرة نقل معبد أبو سمبل جاءت لإنقاذه عندما رأت بعض الدول عدم إقامة مشروع السد العالي لوجود الآثار العظيمة بالنوبة، وخاصة منطقة أبو سمبل، وأصرت الجمهورية العربية المتحدة وقتها على إقامة السد العالي، فلم تجد منظمة اليونسكو سوى بحث مقترح الإنقاذ على مستوى عالمي.

ـ مشاريع عالمية كبرى لإنقاذ معبدي أبو سمبل

وأضاف "عثمان" أنه تم دراسة مشروع الإنقاذ من قبل الكثير من الفنانين والعلماء والمهندسين على مستوى العالم، وتم تقديم 3 مشاريع وهم بناء حاجز ترابي، وآخر خرساني بسيط، وآخر خرساني كبير بارتفاع 200 متر حول الأثر، وتم رفضهم من جهة منظمة اليونسكو، وذلك لارتفاع التكلفة التي تتعدى تكلفة السد العالي نفسه، فضلًا عن تسرب المياه إلى المعبد فيغمر بها.

وتابع بجانب ذلك تم التقدم لإنقاذ المعبد الكثير من المشاريع، ومنها مشروع لتحويل مجرى النيل بالقرب من منطقة أبو سمبل، ومشروع الغلاف الزجاجي الذي يغلف به المعبدين، موضحًا أن الرأي العالمي كان مقررا ترك الأثر للغرق دون وعي أو تقدير لهذا العمل الفني العظيم، وهي مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الجيل المعاصر من الفنانين والمهندسين أمام الأجيال القادمة.

- " الثقافة" تستعين بعميد فنون جميلة الإسكندرية لإنقاذ المعبد

شرع " عثمان" في البحث في ذلك الحدث الهام من كافة نواحيه، حيث تبني فكرة تقطيع المعبد إلى أجزاء بطريقة النشر، وذلك بناءً على دراسته السابقة لطريقة نشر قدماء المصريين للجرانيت، وعرض ذلك على المعنيين بالأمر الذين اعتبروا أن ذلك شيئا خياليا لا يمكن تنفيذه، وفي عام 1958 لم يكن هناك حلول سوى إنشاء السد الخرساني الكبير المرفوض من اليونسكو.

واستدعى وزير الثقافة آنذاك، الدكتور أحمد عثمان، لطلب تقرير مفصل للفكرة، ليسافر إلى منطقة أبو سمبل بأسوان لدراسة الأثر والمكان الذي يمكن نقل المعبد إليه، ليقدم تقريرا مفصلا للوزارة في يناير 1959 عن المنطقة الأثرية وكل ما يطرأ عليها.

ـ "التقرير" المقدم من عميد الفنون الجميلة

أفاد التقرير الذي قدمه عميد كلية الفنون الجميلة، بأن معبدي أبو سمبل هما أهم المعابد الأثرية التي ستغمر بالمياه إلى عمق 60 مترا وتصل إلى 182 مترا بعد تنفيذ مشروع السد العالي، وبعد تقديم عدة اقتراحات من علماء ومهندسين تم التوجه إلى فكرة تقطيع المعبد، بطريقة النشر ونقله وتركيبه إلى مكان ملائم باعتبارها من أحسن الطرق للحفاظ على الأثر، إن لم يكن أفضلها، وقد تم التأكد من ذلك خلال زيارته لألمانيا وإيطاليا في نوفمبر 1958، وأن المنشار السلكي الخاص بالمحاجر هو المناسب لهذه العملية.

- خطة إنقاذ معبدي أبو سمبل

و قال الدكتور أحمد عثمان في مذكراته " بعد أن شرفتني وزارة الثقافة الحريصة على مصر وحضارتها، بدعوتي لإتمام البحث ومعاينة الأثر معاينة دقيقة وإتمامها أعرض التالي:

أولًا: التأكد من أن عملية النشر والنقل وإعادة البناء ممكنة، إذ أن هناك دليلًا قاطعا على نجاح العملية من الناحية الفنية.

ثانيا: الأجزاء السليمة من الحوائط الداخلية للأثر والتي يمكن نقلها وتركيبها هي بنسبة 25٪ من مسطح جدرانه، أما الباقي فغير منقوش أو التالف من المنقوش.

ثالثًا: تم عمل ثلاثة مشروعات عملية للتماثيل الضخمة الخارجية والتماثيل المهشمة، وعمل مقايسة ابتدائية لها، وتم اختيار أصلح الأماكن لنقل المعبد هو نفس المكان بأعلى الجبل وعلى ارتفاع 200 متر فوق سطح البحر، أي أعلى من منسوب التخزين بعد إقامته بمقدار 20 متر تقريبًا.
ـ "اليونسكو" تقر "المشروع العربي" لنقل المعبد

بعد أن تناقلت الصحف العالمية التقرير المقدم من الدكتور أحمد عثمان وتم إذاعته في الإذاعة الإيطالية ظهر مشروع جديد وهو لأستاذ العمارة بكلية الهندسة بجامعة ميلانو " جازولا"، والذي اقتصر على نشر المعبد ولكن كتلة واحدة، تضم المعبد بأكمله، ورفعه إلي مستوي أعلى من منسوب المياه بالروافع الإلكترونية، والتي تبين بعد الدراسة استحالة تنفيذها.

وعرضت مشروعات إنقاذ المعبد على منظمة اليونسكو الدولية دون تقديم المشروع المصري، ليقع اختيارها على مشروع " جازولا"، وبرغم تكاليفه الباهظة التي بلغت حوالي 60 مليون دولار، فقد ظل المشروع الإيطالي في قيد التنفيذ والبحث حتى تم التأكد من استحالة تنفيذه بعد دراسته دراسة وافية.

ويروي الدكتور أحمد عثمان أنه تم الإتجاه إلى مشروعه، بعد بحثه واعتبر مشروعًا عمليا يمكن تنفيذه وتم تسميته ب،" المشروع العربي"، أقرته منظمة اليونسكو في عام 1963، حيث يعتبر هذا المشروع نجاحًا كبيرا للفكر العربي بين مختلف الآراء العالمية.

- تفاصيل عملية النقل

وبخصوص تفاصيل عملية النقل قالت علياء عبد المنصف، المفتشة بأثار أسوان، أنه بعد وصول الدعم لمصر بدأت تتم الدراسات من قبل المتخصصين وعلماء الآثار والشركات العالمية، حتى توصلوا لقرار نقل المعبد بمنطقة مجاورة على بعد 120 متر من المكان الأصلي، وبارتفاع ما بين 65 و200 متر، أعلى سطح النهر.

وأضافت أن عملية النقل تعتبر من أصعب العمليات المعمارية ونقل الآثار فى التاريخ، وأنها تمت على عدة مراحل، أولها: مرحلة إقامة سد عازل من الرمال بين المياه والمعبد، نظرًا لارتفاعها بطريقة سريعة جدًا، والثانية تغطية واجهة المعبد بالرمال أثناء تقطيع الصخور، لتفادى التعرض للكسر أو خسائر أخرى.

وأشارت إلى أن المرحلة الثالثة، تضمنت محاولة الأثريين فك كل القطع الأثرية بالموقع، إلى كتل كبيرة كل واحدة منهم يصل وزنها لحوالي 30 طنا،ويتم ترقيمها تمهيدًا لنقلها للمكان الجديد، وأخيرًا المرحلة الرابعة وهي تركيب القطع عن طريق الأجزاء، وتم تصميم قباب خرسانية لكى تساهم فى تخفيف حمل الصخور عن الجبل، وبدأ التركيب من الداخل بدءا بقدس الأقداس إلى الخارج.

واستغرقت عملية النقل 4 سنوات، وانتهت في يوم 22 سبتمبر 1968، ليكون بمثابة أكبر وأضخم عمل تشهده البشرية بنقل معبد بالكامل دون اى خسائر، وبنسبة أخطاء تكاد تكون معدومة، حتى أن ظاهرة تعامد الشمس التى تحدث فى المعبد أستمرت، إلا أنها اختلفت لمدة يوم نظرًا لتغير خطوط الطول ودوائر العرض.