رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الضحايا أكراد من أصول تركية!


الشرطة الألمانية قامت، يوم الجمعة الماضى، بإلقاء القبض على ١٢ شخصًا. وأعلنت، الإثنين، أن هؤلاء ينتمون إلى مجموعة يمينية متطرفة كانت تخطط لشن هجمات «مرعبة» ضد مساجد فى البلاد، وتعهدت بحماية أماكن العبادة. ومساء الأربعاء، لقى ٩ أشخاص، على الأقل، مصرعهم فى هجومين استهدفا مقهيين، غالبية زبائنهما أكراد من أصول تركية!.
السلطات الألمانية زعمت أنها عززت مراقبة أنشطة اليمين المتطرف، بعد اغتيال السياسى المحافظ فالتر لوبكه، فى يونيو الماضى، وبعد الاعتداء على معبد يهودى فى شرق البلاد، فى أكتوبر، وبعد مقتل شخصين بشكل عشوائى، على الطريق وفى مطعم تركى. وبعد إلقاء القبض على ثمانية أشخاص، فى دريسدن، قيل إنهم من النازيين الجدد، وتجرى محاكمتهم، فى دريسدن، منذ أكثر من خمسة أشهر، فى اتهامهم بالتخطيط لهجمات ضد أجانب ومسئولين وسياسيين. وعليه، يمكنك التشكيك فى مسئولية اليمين المتطرف عن جريمتى ليل الأربعاء.
منفذو الجريمة الأولى انتقلوا فى سيارة سوداء إلى مكان الجريمة الثانية، ثم لاذوا بالفرار. وعلى الفور، حلقت طائرة هليكوبتر تابعة للشرطة فوق المدينة، وأغلقت قوات مدججة بالسلاح شارعين فيها. وتم الإعلان عن خط ساخن للمواطنين للإدلاء بأى معلومات يمكن أن تقود لإلقاء القبض على الجناة. وفى السادسة صباح الخميس، بالتوقيت المحلى، قالت الشرطة الألمانية إنها عثرت على جثة منفّذ الهجوم فى منزله، بالإضافة إلى جثة أخرى اتضح لاحقًا أنها والدته. ما يوحى بأن الهجومين أو الجريمتين ارتكبهما شخص واحد!.
لم يكشف المحققون عن خلفيات الهجومين أو الجريمتين، إلى الآن. ولا تزال التحقيقات فى بدايتها، وأعلن الادعاء العام الاتحادى أنه هو الذى سيتولى التحقيق، بسبب جسامة الحادث. ومع ذلك، زعم بيتر بويت، وزير داخلية ولاية هيسن، أن الدافع الأساسى هو «رهاب الأجانب». والشىء نفسه فعلته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
أمام صحفيين، وعدت ميركل، صباح أمس الخميس، بأن تفعل السلطات ما فى وسعها لمعرفة ملابسات الهجوم. لكنها استبقت ذلك، وقالت إن «هناك الكثير من المؤشرات فى الوقت الراهن على أن الجانى تصرف بدافع من العنصرية والتطرف اليمينى وكراهية المختلفين فى الأصل والدين والمظهر»، وأضافت: «العنصرية سم، الكراهية سم، وهذا السم موجود فى المجتمع وسبب الكثير من الجرائم».
رهاب الأجانب، فوبيا الأجانب، الخوف المرضى من الأجانب أو الاكزينوفوبيا، Xenophobia، يرتبط غالبًا بالخوف من فقدان الهوية الوطنية، الدينية أو العرقية، ويجعل المصاب يشتبه فى أنشطة أى أجنبى، ويرغب فى القضاء عليه. وإلى تفشى هذه الظاهرة أو انتشار هذا المرض، يُرجع البعض تزايد شعبية الأحزاب والمرشحين السياسيين المعادين للمهاجرين. لكن ما يجعلنا نتشكك فى تصريحات وزير داخلية ولاية هيسن، هو أنه سبق أن استبعد وجود خلفية إرهابية لحادث دار سينما مدينة فيرنهايم، جنوب الولاية نفسها، فى يونيو ٢٠١٦، ورجح أن يكون منفذ الهجوم، الذى قامت الشرطة بتصفيته، شخصًا مُختلًا عقليًا.
خطاب الكراهية ضد المهاجرين، اللاجئين وطالبى اللجوء، ارتفع بشكل حاد فى عدد كبير من وسائل الإعلام الغربية. وأسهمت المساحات التى أتاحتها منصات إعلامية رسمية لنماذج كريهة، فى تعزيز هذا الخطاب بشكل مباشر أو غير مباشر. بالإضافة إلى أن كثيرين من الإسلاميين، والأتراك تحديدًا، الذين تستضيفهم ألمانيا وغيرها، أثبتوا مرارًا وتكرارًا أنهم غير قادرين على التكيف مع العادات والحياة فى المجتمعات المضيفة، كما أن سلوكياتهم، أفكارهم ومناظرهم، جعلت وجودهم مرتبطًا بمخاوف من احتمالات قيامهم بعمليات إرهابية.
المجموعة التى تم إلقاء القبض على ١٢ من عناصرها، يوم الجمعة الماضى، كانت تخطط لشن هجمات ضد مساجد، فى عشرات المناطق، على غرار حادث مسجدى كرايستشيرش فى نيوزيلندا، الذى راح ضحيته أكثر من ٥٠ شخصًا فى مارس الماضى. فهل يمكن أن يكون منفذ «أو منفذى» جريمتى ليل الأربعاء، ضد مقهيين، على علاقة بتلك المجموعة، أم أن استهداف الأكراد، دون غيرهم، يوحى بغير ذلك؟!
يقيم فى ألمانيا حوالى مليون كردى ينحدر معظمهم من تركيا، من أصل ٢.٥ مليون تركى أو منحدر من أصل تركى. وكثيرًا ما حدثت صدامات بين المجموعتين، كان أحدثها فى أكتوبر الماضى، حين تظاهر الأكراد ضد العدوان التركى على شمال شرق سوريا، بينما كان الأتراك يؤيدون العدوان، ويستفزون الأكراد بأداء «تحية الذئب»، التحية الخاصة بتنظيم «الذئاب الرمادية»، وهو تنظيم تركى يمينى متطرف، يعادى الأكراد ويعارض أى تسوية سياسية معهم.
الشك، الذى نعتقد أنه بدأ يتسرب إلى عقلك أو قلبك، قد يجعلك تضحك حين تعرف أن إبراهيم كالن، المتحدث باسم الرئيس التركى، أدان الهجومين فى حسابه على «تويتر»، وزعم أن أنقرة تتوقع من السلطات الألمانية بذل «أقصى جهد» لكشف ملابسات الحادث!.