رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حروب يوم القيامة «1»


لم يكف «دونالد ترامب»، منذ أن احتل، قبل ثلاث سنوات ونيف، موقع رئاسة الولايات المتحدة، الدولة الأقوى اقتصاديًا وعسكريًا فى العالم، ولو إلى حين، أن يفاجئ العالم ويفاجئنا، بصورة شبه يومية، بـ«صدمة كهربائية» مؤلمة، إن لم نقل صاعقة، تترك الجميع فى حيرة من أمرهم وأمره، يدورون حول أنفسهم من هول الصدمة، ولا يدرون كيف يتصرفون إزاء سلوك منفلت غاية الانفلات، لهذا الشخص الأهوج، الذى يمسك بأزرار تدمير العالم، فيتصور أنه بهذه الوضعية يملك أحقية تغيير بنيته الراسخة عبر القرون، دون أن يعبأ بقانون دولى أو قواعد للسلوك أو معايير أخلاقية أو إنسانية.
ذلك أن هدفه الأساسى، وما يبتغى اقتناصه أولًا وأخيرًا، هو الربح ثم الربح ثم الربح، بغض النظر عن أى طريق يتحقق، أو بأى وسيلة يجرى اكتنازه.
لقد بدأ ترامب يدق طبول الحرب فى منطقتنا بتحويل انحيازاته الكاملة المُعلنة، للصهيونية التوراتية العنصرية المتطرفة، إلى واقع عملى، بنقل السفارة الأمريكية وتحريض الدول الأخرى على نقل سفاراتها، إلى القدس المحتلة، والحصار الاقتصادى لمؤسسات دعم الشعب الفلسطينى كمؤسسة إغاثة اللاجئين «أونروا» وغيرها، والاعتراف بيهودية الدولة الصهيونية وعنصريتها، وبضمّها مرتفعات الجولان السورية المُحتلة، وأهداها مؤخرًا، وبدون أى مقابل أغوار الضفة الغربية، فضلًا عن مشروع القضاء المبرم على الحق الفلسطينى التاريخى فى أرضه، الذى يحاول تمريره تحت مسمى «صفقة» أو «خطة القرن»! كما مارس شيئًا من هذا القبيل فى مواجهة «فنزويلا» و«إيران»، ثم فى مواجهة «روسيا» و«الصين»، لإنزال عقوبات قاسية بها، محاولًا عرقلة منافستها له على احتلال القمة، وكذلك فى مواجهة دول الجوار اللاتينى لمنع مواطنيها من اجتياز الحدود وصولًا لأمريكا.. إلخ.
لكن الموجة الجديدة من «صدمات ترامب الكهربائية الصاعقة»، لم تكن على هذا المسار رغم خطورته، لأنه يُهدد منظومة الاقتصاد العالمى والاستقرار السياسى الدولى الهشّة بالانهيار، إنما كانت على صعيد آخر أشد خطورة ونتائجه أكثر هولًا، وإن كان غير منفصل، هو تصعيد سباق التسلح الجهنمى الجديد، الذى يدفع بالعالم المرتبك، والذى لم يفق بعد من هول ما واجهه من مفاجآت «ترامب» غير المتوقعة، لكى يصطدم بأكبر وأخطر هذه «الصدمات الكهربائية» القاتلة!
فبدون مقدمات أعلن «ترامب»، فى منتصف أول شهور هذا العام، عبر تبنيه «استراتيجية جديدة للدفاع الصاروخى»، تشمل نشر جيل جديد من أقمار ومعدات الاستشعار عن بُعد، قادرة على رصد وتعقب وإسقاط الصواريخ المعادية- عن إحياء استراتيجية «حرب النجوم» التى تبناها الرئيس الأمريكى الأسبق «رونالد ريجان» فى ثمانينيات القرن الماضى، فدفعت بالعالم إلى «حافة الهاوية»، وكانت أحد أسباب استنزاف، ومن ثمّ انهيار «الاتحاد السوفيتى» السابق، وكل ما نجم عن ذلك من توابع وتأثيرات، معلنًا عن أن هذه الاستراتيجية اعتمدت لحماية الولايات المتحدة، خصوصًا من صواريخ جديدة أسرع من الصوت طورتها «روسيا» و«الصين»، ولا يمكن عمليًا اعتراضها بعد إطلاقها، وكذلك لمواجهة الصواريخ البالستية التى تطورها دول تُعدها الولايات المتحدة أعداء، مثل «إيران» و«كوريا الشمالية».
غير أن الأمر لم يقف عند هذا الحد، على ما يحويه من تبعات اندلاع سباق مجنون جديد للتسلح النووى، يدفع بالعالم إلى أتون جديد من الاحتقان والمخاوف، ويستنزف مقدراته فيما يهز استقراره، ويشغله عن مواجهة مشكلاته الأكثر إلحاحًا، وفى مقدمتها قضية الاحتباس الحرارى، والتغيرات الحادة فى المناخ، التى تهدد، خلال بضعة عقود بإغراق دلتا عدد من الأنهار الكبرى فى بلدان عديدة منها مصر، فضلًا عن مشكلات العالم المزمنة، كالفقر والجوع والأمية، ناهيك عن انتشار الأوبئة القاتلة، كفيروس «كورونا الجديد» الذى اجتاح الصين، ويحوم حول أجزاء أخرى من عالمنا التعيس.