رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بنات السيرة.. «الدستور» تحاور أول فريق نسائى لرواية وغناء «ملحمة بني هلال»

بنات السيرة
بنات السيرة

«بعد المديح فى المكمل.. أحمد أبودرب صادق.. أحكى فى سيرة وأكمل.. عرب يذكروا قبل ذلك».. كلمات لمدح المصطفى «ص» ارتبطت بواحدة من أهم الملاحم الشعبية التراثية العربية، هى «السيرة الهلالية» التى طالما تَغنّى بها شعراء ورواة ومغنون شعبيون على ألحان «الربابة».
فمن منّا لم يسمع يومًا سيد الضوى أو على جرمون، وهما يشدوان بحكاياتها وأبطالها وبطلاتها؟ ومن منا لم يعتدل فى جلسته وسكت، كى يستمع فى إنصات لـ«جابر أبوحسين» بعدما منحه عبدالرحمن الأبنودى الإذن بقوله: «قول يا عم جابر»؟ لكن ماذا لو قدمت تلك الملحمة فتيات سواء بالرواية أو الغناء؟.. هل يمكن أن يتقبل الجمهور ذلك؟.. وكيف سيقدمن «السيرة» بشكل مختلف عمن سبقوهن من الرجال؟.. أسئلة نحاول الإجابة عنها من خلال حوارات مع عضوات فريق «بنات السيرة»، الذى أصبح أول «فريق نسائى» يروى ويغنى «السيرة الهلالية».


نهال الهلالى: تعلقت بها عبر «شرائط الكاسيت».. وأتمنى روايتها كاملة

قالت نهال الهلالى، مؤسسة فريق «بنات السيرة»، إنها تعلقت بـ«السيرة الهلالية» منذ كانت تستمع إليها فى منزلها وهى طفلة، عبر «شرائط الكاسيت» التى كان يحرص والدها على تشغيلها والاستماع إليها بصفة مستمرة، وعندما كبرت قررت أن تكون أول فتاة تروى السيرة. وكشفت «نهال»، البالغة ٢٨ عامًا، عن أن الشيخ زين محمود كان أكبر داعم لتحويل الفكرة إلى واقع، مشيرة إلى أنه صاحب فكرة غناء أكثر من فتاة السيرة، كما أنه هو من أطلق على الفريق اسم «بنات السيرة».
■ بداية.. كيف جاءت فكرة تكوين فريق من الفتيات لإنشاد «السيرة الهلالية»؟
- كنت أقدم برنامجًا على «يوتيوب» منذ عام ٢٠١٦ باسم «نافذة على الجنوب»، أحكى فيه عن الصعيد سواء الشخصيات التى أثرت على أهل المنطقة بالسلب أو الإيجاب، أو العادات والتقاليد والفنون التى يشتهر بها الجنوب، مثل «التلى» و«النول» و«الفخار». وحرصت على تسجيل حقوق الملكية الفكرية للبرنامج فى وزارة الثقافة، وإلى جانبه قدمت العديد من الندوات فى الشأن ذاته، ضمن فعاليات «سينما الحضارة» بدار الأوبرا، وساقية الصاوى. ومنذ الصغر لدىّ شغف وحب وتعلق كبير بـ«السيرة الهلالية»، خاصة أننى كنت أستمع إليها فى منزلنا منذ الطفولة، وكانت تقدم فى أجزاء مختلفة ما لفت انتباهى، لكنى لم أفهمها وقتئذٍ، حتى كبرت وقدمت برنامج أو مشروع «نافذة على الجنوب»، وسألت نفسى: «طيب أنا مبتكلمش عن السيرة الهلالية ليه؟». حاولت الإجابة عن ذلك السؤال، وبدأت التفكير فى تقديم «السيرة الهلالية» بشكل مختلف، وفى النهاية قررت إعادة روايتها كلها بطريقة غير مسبوقة، وذلك بأن يكون الراوى فتاة، ومن يتغنى بها فتيات أيضًا.
■ ما سر لقب «الهلالى» فى اسمك؟ وهل له علاقة بتكوين الفريق؟
- «الهلالى» نسبة إلى قبيلة «بنى هلال» المروى عنها «السيرة الهلالية»، وهى قبيلة عربية تغلب عليها الفاطميون فنفوا المنتمين إليها إلى صعيد مصر، ويقال إنى أنتمى إليها، والصعيد ثلاث قبائل: «أشراف، عرب، هوارة»، و«بنو هلال» عرب، وبنسبة كبيرة هى قبيلتى، وحتى لو لم أكن منها فأنا مستمرة فى الرواية عنها، ويكفينى فخرًا أن أكون أول فتاة تروى السيرة الهلالية فى مصر، ولم أتوقع ذلك أبدًا، رغم أنى كما قلت كنت أسمع «السيرة الهلالية» فى بيتنا على «شرائط كاسيت»، كان والدى «بيشغلها ويسمعها فتعلقت بيها من وقتها».
■ ماذا عن المصادر التى اعتمدتِ عليها لتنفيذ المشروع؟
- بدأت أبحث عن كل ما يتعلق بـ«السيرة الهلالية»، ثم قررت الذهاب للشيخ زين محمود باعتباره آخر راوٍ للسيرة، وسألته: «فيه سيدات روت السيرة الهلالية قبل كده؟» فأجابنى: «لا»، فقلت له: «أنا هأكون الأولى».
ورغم استغرابه الشديد فقد لفتت الفكرة انتباهه بشكل كبير، فقلت له: «وإيه رأيك كمان إن اللى يغنى تكون بنت؟»، فقال: «لا يكونوا أكثر من بنت.. هتكونوا حلوين جدًا»، وهو من اقترح علينا تسمية المشروع «بنات السيرة». ومنذ سبتمبر الماضى بدأنا تدريبات و«بروفات»، سواء على حكى «السيرة الهلالية» أو غنائها، وهى تدريبات مكثفة ومجهدة جدًا، وذلك لرغبتنا فى الخروج أمام الجمهور بصورة مشرفة.
■ هل واجهتِ أى صعوبات؟
- أبرز صعوبة واجهتنا كانت محاولة الفصل بين القصص الحقيقية لـ«السيرة الهلالية» والخيال الذى طغى عليها، بسبب النقل شفاهة، وعند غنائها وروايتها، أى تنقيتها من الخيال المبالغ فيه، كما أصابنا قلق كبير من ردود أفعال الجمهور عند سماع فتيات يروين ويغنين ما اعتادوا سماعه من الرجال.
وعلى الرغم من خوفى وقلقى، فدائمًا ما كنت أقول لفريق «بنات السيرة» إننا سننفذ الفكرة وسنقدمها للجمهور، وستكون «حلوة وجديدة وهتكسر الدنيا»، وكنت مؤمنة تمامًا بأهمية وقيمة ما نفعله.
كما أن العامل الرئيسى فى خروج الفريق للنور هو الشيخ زين محمود، الذى ساعدنا على تجاوز كل هذه الصعوبات، ومواجهة فكرة رفض رواية «السيرة الهلالية» من قبل فتيات، ورغم أنه اضطر للسفر إلى فرنسا لفترة ليست قصيرة، واستكملنا التدريبات بمفردنا، استطعنا استكمال المهمة والوقوف أمام الجمهور بكل ثقة.
■ أخيرًا.. ماذا عن خططك المستقبلية؟
- رواية «السيرة الهلالية» كاملة كما رواها أساطيرها، مثل سيد الضوى وعلى جرمون وجابر أبوحسين، وغيرهم ممن برعوا فى روايتها، لكنهم لم يرووها كاملة تمامًا، فـ«السيرة» متشعبة وتصلح لأن تقال بأكثر من طريقة، ويدخل عليها كل راوٍ طريقته الخاصة، كما أتمنى أن يصل مشروع «بنات السيرة» للعالمية، وليس فقط مصر أو الدول العربية، وأن نجوب العالم أجمع ونجعل الكل يشاهد ويسمع تراثنا العظيم

شيماء النوبى: مصممون على تقديم كل الأجزاء

بدأت شيماء النوبى مشوارها مع الغناء بتقديم ابتهالات دينية فى الحفلات المدرسية التى تقام احتفاءً ببعض المناسبات، وكذلك فى الإذاعة المدرسية، ثم اتجهت لغناء الفلكلور المصرى بشتى أنواعه، وتتلمذت على يد الشيخ زين، وحفظت من خلاله «السيرة الهلالية» بأجزائها المختلفة، بل غنتها مع الراحل سيد الضوى الذى يعد من بين أشهر مغنيى السيرة. وعن فريق «بنات السيرة»، قالت «شيماء»: «تتم فيها- للمرة الأولى- رواية السيرة وغناؤها بفريق نسائى بالكامل، حيث ترويها نهال الهلالى، وأغنّيها أنا وباقى الفريق، وذلك بتدريب وإشراف الشيخ زين منذ البداية، الذى تبنانا ولم يتخلَ عنا أبدًا». وأضافت: «الاختلاف هنا هو تقديم ملحمة السيرة الهلالية بفريق نسائى، فخارج المشروع أغنى أجزاء مختلفة من السيرة الهلالية، لكن هنا نحاول غناء كل أجزاء الملحمة التى دامت عدة قرون، وإن شاء الله سنغنيها إلى نهايتها بدعم من الله والجمهور والشيخ زين أطال الله فى عمره».


نيرمين العراقى: التحقت بالمشروع من خلال مدرسة الشيخ زين محمود

تحب نيرمين العراقى، الطالبة بكلية التجارة جامعة حلوان، سماع الابتهالات والإنشاد الدينى منذ طفولتها، وبتشجيع من والديها قررت الالتحاق بمدرسة إنشاد دينى لتعلم ذلك الفن العريق بطريقة صحيحة.
والتحقت «نيرمين» بمدرسة الشيخ زين محمود، ومن خلال تلك المدرسة سمعت بفكرة «بنات السيرة» والتحقت بها، مستفيدة مما تعلمته من «فلكلور» على يد «الشيخ» وشيماء النوبى.
ولأن «بنات السيرة» فريق متكامل فى تقديم «السيرة الهلالية» رواية وغناءً لأول مرة فى مصر، أحبت الفتاة العشرينية المشروع، واختلف غناؤها فيه عن كل ما قدمته من قبل، وتعتبره «مختلفًا جدًا»، لأن «من غنوا السيرة الهلالية قدموا أجزاءً محددة منها، إما بالرواية أو الغناء، أما نحن فنغنيها من بداية الملحمة حتى نهايتها».

بسمة عبدالله: نقدم حفلات بدعم «الثقافة» ونسعى للسير على خطى الأبنودى

دخلت بسمة عبدالله مجال الغناء بسبب شغفها بالفلكلور المصرى الذى توجهت إليه بكل حواسها، رغم أن دراستها كانت علم النفس، فضلًا عن حبها الكبير ابتهالات نصرالدين طوبار وسيد النقشبندى، بجانب الأغانى الدينية لياسمين الخيام.
وأعربت «بسمة» عن سعادتها بالمشاركة فى مشروع «بنات السيرة»، لتقديم «ملحمة شعبية تراثية طويلة تغطى مرحلة تاريخية كبيرة من حياة قبيلة بنى هلال»، معتبرة ذلك بمثابة نجاح كبير لكل أعضاء الفريق.
وقالت: «أعرف جيدًا أن السيرة الهلالية ملحمة شعبية تراثية طويلة، تغطى مرحلة تاريخية كبيرة من حياة قبيلة بنى هلال، ويبلغ عدد أبياتها نحو مليون بيت شعر، وكانت تروى شفاهة فى مصر والصعيد بوجه خاص، حتى مرحلة الأربعينيات من القرن الماضى، وكان لها رواة تخصصوا فيها وتوارثوا طرق روايتها جيلًا بعد جيل».
وأضافت: «دخولنا واختراقنا هذا المجال، وتقبل الناس لنا فى الحفلات التى قدمناها بمثابة نجاح كبير لنا، خاصة أننا فريق ما زال يخطو خطواته الأولى فى هذا المجال، فضلًا عن كوننا فتيات، ولسنا رجالًا كما اعتاد الجمهور، خاصة أهل الصعيد». وعن التحاقها بفريق «بنات السيرة»، كشفت «بسمة» عن أنها انضمت إلى ورشة جمع التراث الفنى لصاحبها ومؤسسها الشيخ زين محمود، ومنها تم ترشيحها من قبل «الشيخ زين» للانضمام للفريق، وبالفعل التحقت به، ليبدأ «الشيخ» فى تدريب أعضاء الفريق على غناء «السيرة الهلالية» من بدايتها، خاصة أنها ستروى للمرة الأولى كاملة من فريق نسائى. وقالت «بسمة»: «نرجو من الله أن نصبح مثل الخال عبدالرحمن الأبنودى، ونصبح من رواة وحماة السيرة الهلالية، وألا يكون تعاملنا معها بدافع الشهرة كما فعل العديد من الناس الذين رووها»، مشيرة إلى أنهن قررن إقامة حفلات خاصة بـ«السيرة الهلالية»، بمساعدة من الدولة ممثلة فى وزارة الثقافة، وبدعم من الوزيرة الدكتورة إيناس عبدالدايم، بجانب مسئولى بيت السنارى وساقية الصاوى. وأوضحت أن الحفلة تبدأ برواية نهال الهلالى تفاصيل أول أجزاء السيرة، من خلال أخبار وبطولات فرسانها وشجاعة شخصياتها، وبعد ذلك يغنى الفريق ما قيل على أعذب الألحان التراثية، مختتمة: «نحن على دراية كاملة جدًا بأهمية السيرة الهلالية ومكانتها فى التراث الشعبى المصرى، ونتمنى أن يعود التراث والفلكلور إلى مكانته ليحل محل التدنى الفنى الذى وصلنا إليه حاليًا».