رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مناورة الشيخ




يعتقد البعض أن هنالك ملاسنة ما أو تراشق لفظي تم بين طرفين في مؤتمر ويعتقد البعض الاخر أن حوار صحيًا جدليًا أو حالة حوار عقدت بين طرفين في حين ان ما حدث ما هو إلا مناورة شكلانية أفشلت الحوار بل ووأدته في المهد وبالتالي أماتت حالة الحوار ذاتها وأظهرت إعجابًا وتيهًا وتشبثًا من الشيخ بتراثه الذي أكل عليه الدهر وشرب وأودى بنا لطرق وعرة أوصلتنا للتكفير والقتل والارهاب والتحرش وزنا المحارم!
تشبث الشيخ بتراث الاولين حتى الرمق الاخير يعكس حالة من الجمود تتنافى تماما مع طرح فكرة التجديد وفتح باب الاجتهاد والتأويل.. وتقتل في الصميم اي محاولات جادة للتصويب او تنقية الثراث من الشوائب التي يساء فهمها وتأويلها لمآرب كما تحدث وطالب الرئيس مرارًا ولا حياة لمن تنادي!! ونتج عن ذلك التوجه والطرح أحادي الجانب الذي كان أقرب وأشبه بالدرس الذي أُلقي على الحاضرين وكأننا في مسجد او في حضرة الخليفة أو أمير المؤمنين الذي يحدث رعيته بل وكأنها كانت حلقة من حلقات الشعراوي التليفزيونية التي تلقفها من بعده شيوخ الفضائيات والدعاة الجدد الأقرب في خطابهم للنازيين الجدد والجماعة البروستانتية التي ينتمي إليها الرئيس الأمريكي الاسبق بوش الابن! ولكنه الشيخ بذاته هذه المرة.. الشيخ الذي عبر لسان حاله عن فكرة تقول (لا للتجديد ونعم للتراث)!
وبات ذلك واضحًا وجليًا فيما طرحه من فكر وخطاب ديني وجهه لمستمعيه لان منهاجه في التفكير لم يتطور وتشبثه بالتراث الى هذا الحد مسألة مخيفة توئد اي محاولة للاصلاح او التجديد ولن تخلق حوارًا بل ستؤدي حتمًا للمزيد من التشرذم والتشظي وكما تشبث الشيخ بالتراث وشوائبة وكل ما فيه بدى حزينًا على أننا فقدناه في طقوس حياتنا اليومية وانعكس ذلك على مأكلنا ومشربنا حتى صرنا نأكل كالغرب باستخدام ادوات المائدة!! ونركب السيارات لا البغال والجمال والحمير!
وكما بدى حزنه على فقده لبعض من التراث القديم البالي بدى حزنه أيضًا على انحسار الفتوحات الاسلامية وتوقف الغزو والغارات التي تشن على بلاد الغير وأراضيه، فبدى نادمًا متحسرًا على أمجاد المسلمين في الاندلس والصين منددًا بالحملات الصليبية التي تتمسح بالكتاب المقدس وترفع الصليب!
فكيف تكون الفتوحات نصرًا للمسلمين وتكون غزوًا واعتداءً من غيرهم كيف ندين الحملات الصليبية ونرحب بالفتوحات الاسلامية؟!
كيف نجرم التبشير ونبيح الفتوحات وأسلمة البلدان على طريقة (أسلم تسلم او تدفع الجزية) فكلاهما جور واعتداء على أراضي وثقافة الغير لنشر فكر ومعتقد وثقافة مغايرة نرى انها هي الاعلى والاحق وان اصحابها هم الفرقة الناجية التي هي على صواب وحق بعد أن هداها الله وستدخل الجنة وغيرها باطل وعدم بل وتجب محاربته!
أما اعتراف الشيخ بأن احاديث الآحاد لا يشرع بها وهذه حقيقة فلم إذن يشرع الشيخ ومشيخته ويتحدثون عن فرضية الحجاب؟ وأنه فرض عين على كل مسلمة بالغة رشيدة في حين أن تشريع الحجاب وفرضه جاء وتم بناء وإتكاء على حديث آحاد لم يرويه سوي أبو هريرة! وتطبيقًا لكلام الشيخ يكون الحجاب ليس فرضًا على النساء وهذا باعتراف وبإقرار من الشيخ.
لقد عقد الشيخ مؤتمرًا للتجديد ليتحدث هو فيه!
لقد عقد الشيخ مؤتمرًا ليعلن فيه تشبثه بالقديم.. وان التجديد هو التشبث بالقديم!.
لقد عقد الشيخ مؤتمرًا ليتحسر فيه على ضياع الأندلس وكأنه يريد غزو بلاد الغير وشن غارات عليها ليسلم أهلها او يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون!
لقد عقد الشيخ مؤتمرًا ليعيد لنا أزمنة الفتوحات ووسائل المواصلات التراثية لا سيارات الغرب التي نركبها ولكي ناكل الثريد بأيادينا لا ان نستخدم ادوات المائدة ونأكل طعامنا كما يأكله الغرب بالشوكة والسكين!
لقد عقد الشيخ مؤتمرا لمناضهة الشوكة والسكين وغيرها من البدع الغربية والسيارات المصنعة في الغرب!
لقد عقد الشيخ مؤتمرًا ليقول فيه لا للسكين الغربي ونعم للسيف العربي
فالسيف -بالنسبة إليه- أصدق أنباء من الكتب وفي حد السيف الحد بين الجد واللعب
لقد عقد الشيخ مؤتمرًا ليقول فيه لا للعب واللهو ومتاع الدنيا (متاع الغرور) ونعم للغزو العربي والشرقي لبلاد الغرب.
لقد عقد الشيخ مؤتمرًا ليمسك بكتاب بين يديه ويسأل صاحبه هل انت على يقين مما كتبت في كتابك؟!
فالكتابة والاجتهاد ووجهات النظر بالنسبة اليه لا شيء وبالتالي لا يجوز لأي إنسان أن يكتب كتابًا وبالتالي أيضًا لا يجوز لنا قراءته والاقتناع بما فيه لانه ليس يقينيًا!
الشيخ لا يؤمن الا بالمطلقات واليقين والمسلمات ولا يعرف الشك الديكارتي بل ولا يعترف باي كتاب يهدى اليه ليقرأه لانه لا يقرأ سوي الكتاب الأوحد المطلق اليقيني المقدس وكل ما عداه من كتب بالنسبة لديه عدم ولا شيء!
أو بعبارة ادق ما عداه يعدم او ربما يحرق كما حرقت كتب ابن رشد والاب متى المسكين ولكن يظل البخاري هو أصح كتاب بعد كتاب الله.. فكتب التراث بالنسبة للشيخ يقينية ومطلقة!
اليست هذه هي الاصولية بعينها وغلوها؟!
وهل يمكن ان يحدث اي تجديد في ظل أجواء من الاصولية مثل تلك وسيطرة للفكر الاصولي الاحادي الذي لا يؤمن ولا يرضى الا باليقين المطلق الراسخ وبالتالي لا يقبل الراي الاخر او الاختلاف في الراي لانه لا يريد ولا يرى سوي اليقيني المطلق؟!
انه لم يكن حوارًا بل كان تهافتًا في مناورة فشلت او ربما كان ذلك هو تهافت التهافت.
لقد عقد الشيخ مؤتمرًا لمناهضة حركة الكتابة وحركة النشر والقراءة.. في حين تسعى الدولة لمحو الأمية وتشجع على القراءة والابداع وتعقد معرضًا سنويًا دوليًا للكتاب الابداعي - غير اليقيني- وتستهدف القراءة وتريدها للجميع.
واخيرًا ولكي يكسب الشيخ أرضيةً تحقق له شعبوية أوسع.. شعبويةً دومًا ما تنقذ الغريق لأنها حيلة مجربة وتفلح دائمًا وأبدًا ولم تخفق يومًا تشدق الشيخ بفلسطين ضد ترامب ونتنياهو، ففلسطين هي الملاذ والمهرب الآمن كانت وما زالت لكل من يريد الظهور في لباس المناضل أو المجاهد.
لقد اعتلى التيار الاصولي المفرغ حقيقيةً من أية قضايا قضية فلسطين لتصبح تلك القضية الانسانية العادلة والمفترى عليها هي قضيتهم الوجودية لكن لن تكون فلسطين لهؤلاء أبدًا ولن تصبح كقميص عثمان ولن تنطلي تلك المناورات وذلك التهافت على أحد فأسلمة القضية الفلسطينية بل وتعريبها أضر بها ضررًا بالغًا وأنسنتها وعلمنتها اليوم هي الحل