رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إبراهيم موسى الفيومى.. المتميز بالعلم والتقوى والزُهد



وُلد إبراهيم بن موسى الفيومى بمدينة الفيوم عام ١٦٥٢م، هو فقيه مالكى مصرى، وهو الإمام السادس فى سلسلة شيوخ الجامع الأزهر. انتقل الشيخ الفيومى من موطنه فى الفيوم إلى القاهرة فى مطلع شبابه للدراسة فى الأزهر، فتلقى العلم على يد عدد من كبار شيوخ عصره، منهم الشيخ محمد الخراشى، أول شيوخ الجامع الأزهر، الذى قرأ الفيومى عليه كتاب الرسالة لأبى عبدالله بن أبى زيد القيروانى وشرحها. كان الشيخ الفيومى كثير القراءة طويل البحث حتى عُرِفَ بعلمه، وذاعت شهرته وملأت الآفاق.
برز الفيومى فى علم الحديث، الذى أخذه عن عدد من علمائه البارزين فى ذلك العصر، ومن بينهم يحيى الشهاوى، وعبدالقادر الواطى، وعبدالرحمن الأجهورى، وإبراهيم البرماوى «ثانى شيوخ الأزهر الشريف» ومحمد الشرنبابلى، وغيرهم.
كما كان من شيوخ الفيومى فى بقية العلوم الشبراملسى، والزرقانى، والشهاب أحمد البشبيشى، والغرقاوى، وعلى الجزايرلى الحنفى، وغيرهم.
كان الفيومى متبحرًا فى علوم اللغة، وعلوم الحديث، وعلم الصرف.
نهل من علم الشيخ الفيومى الكثيرون من طلبة العلم، وتربوا على يديه، وحملوا مشاعل النور من بعده، منهم: الفقيه الزاهد الشيخ محمد بن عيسى يوسف الدمياطى الشافعى، حيث درس على يدى الشيخ الفيومى علوم المنطق والفلسفة، وتأثر الدمياطى بأستاذه وبمنهجه، فألف حاشية على الأخضرى فى المنطق، وحاشية ثانية على السنوسية، كما تلقى الدمياطى الفقه المالكى على يد الشيخ الفيومى.
ومن أبرز تلاميذ الشيخ الفيومى أيضًا الشيخ الصالح على الفيومى المالكى، شيخ رواق أهل بلاده، وكان ذا باع طويل فى علم الكلام، والشيخ على بن أحمد بن مكرم الله الصعيدى العدوى المالكى، علم العلماء، وإمام المحققين، وعمدة المشايخ فى عصره، وله مؤلفات عديدة قيمة، وانتهج أسلوب أستاذه وألف شرحًا للمقدمة العزية، كما ألف حاشية على الأخضرى.
كان الشيخ الفيومى عالمًا ورعًا، وقف بجوار تلاميذه وساندهم كما علمهم، وخرج من تحت يديه علماء المالكية الأفذاذ المشهود لهم بالعلم الواسع، والبحث الغزير إلى جانب التقوى والزهد، وكان أستاذهم مثلًا أعلى وقدوة فى كل ما قاموا به ووصلوا إليه.
وقد كان التدريس بالأزهر من أول اهتمامات الشيخ الفيومى، فكان يوليه عنايته، ويعطيه الجزء الأكبر من وقته وعلمه ورعايته واهتمامه فكان بحق- كما أجمع على ذلك علماء عصره، ومن جاءوا بعده- خير أستاذ لخير تلاميذ، وكانوا خير تلاميذ لخير أستاذ.
احتل الشيخ الفيومى مكانة مرموقة بين أقرانه من علماء عصره؛ لأنه كان متبحرًا فى علوم اللغة، وعلوم الحديث، وعلم الصرف.
واختص الشيخ الفيومى لنفسه طريقة فى الدرس، حيث كان يقف بعد انتهاء درس الشيخ الخراشى فيلخص ما ألقاه الشيخ على طلبته، فأعطاه ذلك خبرة واسعة ومدارك رحبة.
ألَّف الشيخ الفيومى فى علم الصرف شرحًا قيمًا لكتاب «المقدمة العُزية للجماعة الأزهرية فى فن الصرف»، وهذه المقدمات كانت من تأليف أبى الحسن على بن محمد الشاذلى المالكى، المتوفى سنة ٩٣٩هـ، وقد قام بشرحها العديد من العلماء قبل الشيخ الفيومى، ولكن شرحه لها جاء فى جزءين كبيرين، وكان شرحًا مفصلًا واضحًا دقيقًا وافيًا، لم يصل إلى مستواه من شرحها قبله، ولم يدركه من جاء بعده. تولى الشيخ الفيومى مشيخة الأزهر بإجماع الشيوخ سنة ١٧٢٠م، بعد وفاة الشيخ محمد شنن.
توفى الشيخ الفيومى عام ١٧٢٤م، عن عمر يناهز ٧٥ عامًا، وكان آخر من ولى المشيخة من المالكية بعد أن ظل المنصب فى المالكية طيلة نصف قرن.