رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حاتم حافظ يكشف دور التجار ورجال الدين في «تأسيس أمريكا»

حاتم حافظ
حاتم حافظ

يقال إن زعيما هنديا يدعى هاتوي سأل رعيته: هل تعلمون لماذا يريد الأسبان أن يقتلونا؟ فأجابه بعض البسطاء: "إنهم يفعلون ذلك من أجل ربهم٬ إنهم يريدوننا أن نؤمن به ولهذا يقتلوننا"٬ وكان بين يدي الزعيم الهندي سلة صغيرة مملوءة بالذهب فابتسم وقال لهم: هذا هو ربهم".

أدرج الكاتب حاتم حافظ تلك الحكاية في كتابه "أمريكا حكايات التأسيس" الصادر عن دار "روافد"٬ في سياق العلاقة بين الراهب والتاجر وربما للتدليل على حقيقة استخدام الشعارات الدينية البراقة التي لا تختلف فيها هنا الغزوات الإسلامية تحت شعارات نشر الدين الإسلامي والدعوة النبوية عن الشعارات التي رفعتها الحملات الصليبية لحماية بيت الرب من توحش المسلمين ورفع الاستبداد والظلم عن المؤمنين المسيحيين في بيت المقدس.

وأن تلازم خطوات رجل الدين مع التاجر الذي تحركه مطامعه كان منذ اللحظات الأولي التي تمكن فيها كريستوفر كولمبس من إقناع الملكة إيزابيلا بتمويل حملته لإكتشاف العالم الجديد٬ حيث يبوح في مذكراته برغبته في أن يكون حصاد رحلته من الذهب في العالم الجديد دفعة للعرش الإسباني"لتحرير أورشليم".

سيستمر هذا التلازم ما بين الراهب والتاجر طوال الفترات الأولى لتاريخ الإمبراطورية الأمريكية حيث لعبت العبودية والرق سواء بعمليات خطف وجلب الأفارقة أو إبادة السكان الأصليون من الهنود الحمر دورها في بناء الإقتصاد والإمبراطورية الأمريكية في نفس الوقت الذي كان الضمير المسيحي يقنع الآخر وربما نفسه في المقام الأول أن الإجراءات الوحشية ومجازر الإبادة التي يرتكبها الآباء المؤسسين من المهاجرين الأوائل إنما هي من أجل مصلحة المملكة المسيحية ضد الوثنيين ممن لا يؤمنون بالرب بل واعتبارهم كائنات غير آدمية وإنها إجراءات لازمة لإتمام عملية الخلق الأولي فهذه الأراضي في العالم الجديد إنما منحها الله للمؤمنين المنذورين لإستكمال عملية الخلق التي تركها الخالق دون أن ينجزها بشكل كامل.

تلك الفكرة التي يتكئ عليها اللاهوت السياسي الأمريكي والتي استعارها من فكرة إسرائيل التاريخية القائمة على اجتياح أرض الغير٬ واستبدال سكانها الأصليين بالغرباء وفرض ثقافتهم وتاريخهم بديلا عن الثقافة والتاريخ الأصليين لتلك الأرض. كانت بلورة الهوية الجديدة للمهاجرين القادمين من بلدان أوروبية مختلفة مرهونة بالتخلص من الآخر.

تأثرت العقيدة البروتستانتية كثيرا باليهودية، ونتج عن هذا التأثر تعايش يشبه التحالف المقدس بين البروتستانتية واليهودية بصورة عامة وخلقت علاقة أكثر خصوصية بين الصهيونية اليهودية والبروتستانتية الأصولية. وتتميز البروتستانتية في الولايات المتحدة بصفتين يمكن من خلالهما فهم محاور حركة المسيحية الصهيونية:هيمنة الاتجاه الأصولي على البروتستانتية٬سيطرة التهود على الأصوليين البروتستانتيين.

آمنت المسيحية الصهيونية بضرورة عودة الشعب اليهودي إلى أرضه الموعودة في فلسطين، وإقامة كيان يهودي فيها يمهد للعودة الثانية للمسيح وتأسيسه لمملكة الألف عام. يذهب "حافظ" إلي أن النزعة التطهرية المستوحاة من البروتستانتية واحدة من العوامل الأساسية في تشكيل التاريخ الأمريكي الذي لعب فيه التاجر والراهب الدور الأكبر٬ خاصة في إستدعاء الراهب الكتاب المقدس وأساطيره لمنح مشروعية لخلق هذا العالم الجديد من طوائف وقوميات مختلفة ومن ثم ظهور مصطلحات "القومية الأمريكية" والحلم الأمريكي.

من جهة أخرى رأى الأباء المؤسسون أن الرأسمالية بقيمها الفردية يمكن أن تكون شريعة بديلة لتعدد الشرائع٬ ورأوا في تحرير الأسواق وسيلة لتحرير الدين نفسه وخضوعه للعبة العرض والطلب٬ لذا كان لنظرية آدم سميث "دعه يعمل..دعه يمر..دعه يعتقد" الفضل في تكوين القومية الأمريكية وفيها سعت الرأسمالية إلي جعل الإنسان كائن اقتصادي من الدرجة الأولي أي تحركه دوافعه الاقتصادية٬ عززته النزعة الدينية البروتستانتية التي كانت تشجع دائما على العمل الدنيوي٬ وهو ما يفسر اعتناق طبقة المقاولون الجدد البروتستانتية٬ الذي يسمح بفهم المنطق المشترك للتصرفات التي قد تبدو متناقضة كرغبة الرأسمالي في تكديس الثروات ورفضه التمتع بها.