رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أمينة النقاش: وجدت فى صلاح عيسى التعويض المناسب عن أبى الراحل

صلاح عيسى
صلاح عيسى


«الحب والرعب».. شكلت تلك الثنائية المتضادة متن العلاقة التى جمعت بين الكاتب الراحل صلاح عيسى والكاتبة أمينة النقاش، فالارتباط بين الثنائى كان مغامرة ومقامرة تشبه القفز فى الهواء بحثًا عن طوق نجاة.

البحث عن مرفأ آمن فى واقع صاخب وملتهب، كان الأمل الذى جمع بين الصديقين فى قصيدة حب الشتاء والصيف من عام ١٩٧٤. ففى هذا التوقيت تحمل الفتاة «أمينة» حقائبها إلى حيث يوجد مركز الأبحاث بمؤسسة «دار التحرير» فى شارع رمسيس بالقاهرة، تخطو درجات السلم وهى محملة بجبل من الأحلام الوردية فى أن تحجز لنفسها مكانة بارزة داخل بلاط صاحبة الجلالة سيرًا على خطى شقيقها الأديب والكاتب رجاء النقاش وتيمنًا بمسيرة شقيقتها الكبرى «فريدة».
لكن بحر الآمال الذى رسمته «أمينة» لنفسها سرعان ما جفت ينابيعه بعدما رتبت لها الأقدار دون قصد منها فرصة اللقاء الثانى بالصديق القديم «صلاح»، لتبدأ سُحب الحب فى الإمطار على قلب العاشقين، ويصبح التفكير فى الزواج هو الحدث الأهم الذى يشغل بال وعقل الثنائى فى منامهما ونهارهما.
تستعيد «أمينة» ذكريات تلك الأيام مبينة: كانت حياة صلاح عيسى خلال فترة حكم الزعيم عبدالناصر أشبه بخريف الغضب بعدما قضاها مُطاردًا ومسجونًا بحكم اختلافه مع الكثير من سياسات الرئيس، لدرجة أن جمال أقسم ذات مرة قائلًا «طول ما أنا عايش صلاح مش خارج من السجن»، وبقيت الأمور على حالها هذه حتى رحيله فى سبتمبر ١٩٧٠.
ومع قدوم «السادات» اعتقد صاحب «رجال ريا وسكينة» أنه أمام مرحلة جديدة من حياته سينعم خلالها بالسلام والأمان الوظيفى، لكن أحلامه تلك لم تكن إلا سرابًا تذروه الرياح، بفعل القرارات السياسية والاقتصادية التى أشعلت الصدام مبكرًا بين قلمه من جهة والرئيس من جهة أخرى.
عادت حياة مؤلف «حكايات من دفتر الوطن» لسيرتها الأولى. فقد وجد نفسه على رأس قائمة الأقلام المطلوب قصفها بدعم رئاسى، وإن لم يكن معلنًا فى حينها، وبالتالى فكرة الزواج منه وسط تلك الأجواء كانت كفيلة بإشعال الحرب داخل بيتنا.
لم نعر تلك الظروف المشتعلة التى تعرقل ارتباطنا اهتمامًا، فقد تقدم «صلاح» لخطبتى من شقيقى «رجاء»، لكنه رفض الفكرة من أساسها، بالرغم من سابق المعرفة والصداقة التى تجمعهما، ومنبع اعتراض أخى فسره بجملة «دا هيوديكى السجن»، لكننى لم أستسلم لكلماته وصممت على الزواج وهو ما حدث، وقد اقتصر الحفل على «كتب الكتاب» عند المأذون فقط.
ارتباطى بصلاح وزواجى منه شكل النقلة الأهم فى حياتى، فقد منحنى الحب ووهبنى العلم وفتح أمامى جسور المعرفة وبحور الثقافة، وكان أفضل تعويض عن فقدانى أبى، فقد احتل مكانه ومحبته فى قلبى بجدارة.
كان هذا الراحل شخصية لها العجب فى كل تفاصيلها، مبهرًا بعلمه وجاذبًا بثقافته، فأول الدروس الحياتية التى تعلمتها منه تمثلت فى كونه ألهمنى بصيرة الحكم على الأشياء بطريقة موضوعية، وزرع بداخلى أخلاقيات مهنة الصحافة المتمثلة فى الدقة والإخلاص، وفى كل أحاديثه معى دائمًا ما كان ينصحنى بالنظر إلى فضائل البشر، وإن كنت على خلاف واختلاف معهم، بالإضافة إلى حرصه الدائم على تشجيعى فى كل المهام الصحفية والعملية التى خضتها ودائمًا ما كان يردد بأن كل جهد حقيقى دائمًا ما تكون له نتيجة إيجابية، ولذلك عندما أستعيد ذكرياتى معه، أجد نفسى أردد دائمًا مقولة «سلامى عليك يا رفيق الزمان».