رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رغدة.. الأم التى افتقدها أحمد زكى

 أحمد زكى ورغدة
أحمد زكى ورغدة



لم تحب رغدة أحمد زكى، هو أيضًا لم يحبها.
هل كانت علاقتهما كذبة كبيرة إذن؟.. لا يمكن الجزم بذلك، لكن الوصول إلى إجابة أقرب للحقيقة يمكن أن يكون من خلال قراءة واقع حياتهما، عاش أحمد زكى وحيدًا أغلب حياته، هى أيضًا كانت وحيدة بعد انفصالها عن تاجر السجاد عبدالله الكحال، الذى أنجبت منه ٤ أبناء، كان من الطبيعى أن يقترب كل منهما من الآخر، ليسد جموح الحاجة النفسية إلى إنسان آخر يشاركه بعض اللطف والاهتمام.

فى حديث نادر إلى مجلة «المصور» عام ١٩٨٩، تحدثت رغدة عن حبها الشديد لزوجها تاجر السجاد، قالت عنه نصًا: «أنا أحب زوجى جدًا، علاقتنا خاصة، يعود من عمله الساعة الثامنة مساء، أكون فى انتظاره لأوفر له كل سبل الراحة، هو جزء منى وأنا كذلك جزء منه، وأحب ملامحه لأن جزءًا كبيرًا منها يحملها أولادنا».
لم تكتف رغدة بهذا الكلام فقط، بل أضافت: «كانت أسعد لحظات حياتى عندما يقول لى عبدالله: طرقعى لى صباعى، وكمان صباعى ده، وصباع رجلى ده».
فى لقاء قديم أيضًا مع التليفزيون اللبنانى فى أواخر التسعينيات، عبر أحمد زكى فى بؤس عن الوحدة التى يعيشها، قال إنه يبحث عن عروس، يبحث عن روح ثانية تشاركه الحياة، قال: «قلت لابنى هيثم، تعال يا بنى نعيش سوا، وأنا أتجوز أى واحدة تشوف طلباتنا وتهتم بنا، لكن الولد طلب أن يعيش مع جدته، فقررت أنا الآخر أن أكمل حياتى وحدى فى الفنادق»، فى تلك الفترة أيضًا كشفت الفنانة عفاف شعيب عن رغبة الفتى الأسمر فى الزواج، فاقترحت عليه فتاة تدرس فى الجامعة الأمريكية، فوافق، وعندما حددت له موعدًا معها، هرب ولم يأت.
ما المعنى وراء هذا الكلام؟
المعنى واضح، كان أحمد زكى فى حاجة إلى إنسانة أخرى، إلى يد حانية، كانت هذه اليد هى يد رغدة، التى بدورها هى أيضًا كانت تحمل مشاعر وشحنات إنسانية تكفى ألف رجل، لكن كان هناك ألف سبب يمنعها من قرار الزواج من أحمد زكى، لأنها كانت تعرف فى قرارة نفسها أن طلبه الزواج منها كان مجرد رغبة، قالت: «كنت أعرف أنها لحظة من لحظات انفعال قلبه، كنا نحب بعض فعلًا، لكن ليس بالمعنى الذى يجعلنا نتزوج».
فى حوار دار بوجود الكاتب الصحفى عادل حمودة وترويه رغدة: «أحمد سأل عادل حمودة: تعرف رغدة مهتمة بيا ليه؟ كانت رايحة جاية تعالج الأطفال فى العراق، لكن لما أمريكا احتلته، لم تجد شيئًا لتفعله، فتفرغت لى واهتمت فى أكثر أوقاتى محنة واحتياجًا».
لكن ما شكل الحب الذى كانا عليه؟.. كان حب أحمد زكى لرغدة هو حب الابن لأمه، هى نفسها تقول: «أحمد زكى الله يرحمه كان أخويا وصديقى وأبويا وزميلى ولم يكن ينادينى إلا بلقبه العزيز على قلبى يا أمه».
نعم، كانت رغدة هى الوجه الآخر للأم «رتيبة» التى عاش زكى محرومًا منها إجبارًا لا اختيارًا، ففى أكثر من مرة حكى عن نظرة أمه التى رأها لأول مرة عندما تجاوز السابعة من عمره، لم تجرؤ أن تعطى له شيئًا من حنانها أو عطفها سوى نظرة حزينة، لتعود مرة أخرى إلى بيتها وزوجها، كانت أمه صبية فلاحة لا يصح أن تظل عزباء بعد وفاة والده، فتزوجت ورحلت بعيدًا عن ابنها الذى تركته مع جدته «ألماظ».
لم يشعر أحمد زكى فى حياته لحظة واحدة بالأمان، كان قلقًا ومتوترًا طوال الوقت، ليس ذلك فقط، فإن رغدة نفسها أكدت ذلك فى حوارها القديم: «لدى شحنات إنسانية وعاطفية طوال الوقت، ما فعلته مع أحمد فعلته أيضًا مع فاروق الفيشاوى، لكن فاروق كانت له سمية الألفى، أما أحمد لا، أنا أحب كل من حولى»، تضيف: «رغم ذلك، لا أحد فى هذا العالم يمكنه أن يعطينى الإحساس بالأمان».
إذن كانت علاقتهما علاقة تكاملية إنسانية، أراد أحمد زكى أن يأخذها إلى منحى آخر ويكللها بالزواج، الذى يقول عنه الدكتور أحمد عكاشة: «لو كانت رغدة وافقت على الزواج من أحمد زكى، لكان هرب فى اللحظات الأخيرة».
باختصار، كان هذا الحب من نوع آخر، كانت له «المرايا وستر الخفايا»، كما قالت فى قصيدتها عنه، وكانت هى له «توأم الروح» كما وصفها.
وهناك قصة أخيرة تحكيها رغدة: «فى أحد المهرجانات رأينا مريم فخر الدين وهى تسند أحمد مظهر، فقال لى: شوفى الزملاء بتوع زمان وحلاوتهم.. تعالى نتفق إن اللى يقع فينا التانى يشيله، ثم قال: تفتكرى إنه ييجى يوم وتسندينى وأنا طالع على المسرح يكرمونى زى مريم ومظهر؟»، هذه القصة كانت أكبر دليل على أن العلاقة بينهما لم تكن علاقة حب وعشق كما تصور البعض، لكنها صداقة ووفاء، امتدت إلى أسمى المعانى الإنسانية، فهى المرأة الوحيدة التى بقيت بجانبه فى عز تخلى الجميع عنه، ويحكى الدكتور أحمد عكاشة: «أحب أحمد وفاء رغدة وعاطفتها نحوه، وقال فى آخر حياته: أنا مجاليش السرطان، أنا جالى لوع البشر.. أنا مدين لك بنفسى وكل شىء يا رغدة».