رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصاعد الموت.. «الدستور» تحقق فى «كوارث الأسانسيرات»

صورة من الحدث
صورة من الحدث


هانى سميح - كمال عبدالرحمن -محمد النادى - نادية عبدالبارى

«مصاعد الموت» ليس مجرد اسم مجازى، هو معنى حقيقى ينطبق على مئات الآلاف من «الأسانسيرات» فى عقارات مصر، التى تخلِّف الكثير من الضحايا سنويًا- حسب الإحصائيات، كان آخرهم اللواء حسن ناجى، نائب رئيس حزب الحرية المصرى مدير مباحث القليوبية السابق، الذى لقى مصرعه إثر سقوط المصعد به من الدور السادس، أمس الأول، أثناء افتتاح مقر للحزب بمحافظة السويس.
وتكمن عدة أسباب وراء أزمة سقوط المصاعد، فهى إما لإهمال فى صيانتها، أو تصنيعها فى ورش «بير السلم»، أو استخدام معدات وخامات مغشوشة فى تركيبها، حتى أصبحت قنبلة موقوتة تهدد حياة الملايين من المصريين.
«الدستور» حاولت تتبع أزمة «سقوط المصاعد» عبر استعراض آراء المتخصصين والخبراء فى ذلك المجال، كما حاولت اختراق ورش «بير السلم» التى تصنعها بشكل غير شرعى، إلى جانب استعراض تجارب عدد من الناجين من هذه الحوادث، ومآسى من فقدوا حياتهم بسببها.

متخصصون: رغبة المقاول فى توفير نفقات البناء والتركيب الخاطئ وعدم الصيانة الدورية أبرز الأسباب

قال المهندس حسن السيد، الاستشارى فى تركيب المصاعد مدير قطاع الصيانة فى إحدى الشركات الإيطالية، إنّ مصر لا تمتلك مصانع خاصة بإنتاج قطع غيار المصاعد وصيانتها، لذلك تعتمد السوق المصرية على موارد إيطالية وألمانية بشكل كبير، باعتبارهما رائدتين فى هذا المجال.
وأضاف «السيد» أن الحوادث غالبًا ما يكون السبب وراءها رغبة المقاول فى توفير نفقات البناء، فيتعاقد مع إحدى الشركات غير المعتمدة، وكذلك عدم الاهتمام بإجراء صيانة دورية لتركيباته.
وأرجع الأمر أيضًا إلى تراخى شركات الصيانة عن القيام بدورها فى متابعة حالة المصعد وجودته، وكذلك السرعة التى يتحرك بها، موضحًا أنه إذا كان المبنى سكنيًا يجب على السكان المقيمين فى وحداته مراعاة مؤشرات السرعة والإبلاغ فورًا عنها، والاستعانة بمهندس أو استشارى كى يعيد فحص المصعد حتى وإن تباطأ فى الصعود والهبوط.
ولخص «السيد» أسباب سقوط المصاعد بـ«عدم تركيب منظم سرعة علوى أو سفلى يوقفه على الفور فى حال أى إخلال بشبكة الكهرباء العامة، أو تركيب براشوت يرفع الأسانسير عند حدوث (قفلة) فى شرائح الكهرباء السفلية، فلا يتسبب فى حريق عند السقوط للأسفل، وفى الغالب (البراشوت) لا يتوافر فى مصر بشكل كبير، وإن توافر غالبًا ما تتفكك مكوناته مع الوقت دون إدراك من الفنيين».
وكشف عن أن «السبب الأكثر شيوعًا فى الحوادث فى مصر هو افتقار المحركات والفرامل إلى زيت التليين الذى يسهم فى عدم انقطاعها عند التوقف المفاجئ».
وحاول رضا فتوح، خبير تركيب أسانسيرات، تقديم عدة حلول لمنع تلك الحوادث، إذ شدد على ضرورة أن يتوفر فى غرفة الماكينة منظم السرعة، وهو يعمل على مراقبة سرعة المصعد ويفصل ميكانيكيًا وكهربائيًا عند زيادتها عن الحد المقرر أو قطع حبال الجر.
وطالب بوجود قواطع زيادة التيار فى لوحة الكنترول وحساسات مراقبة درجة حرارة المحرك، ومراقب سلسلة دوائر الأمان فى لوحة الكنترول وذراع تحرير فرملة الماكينة يدويًا.
وقال «فتوح» إنَّ العديد من الأهالى لا يأبهون لخطورة تلك المصاعد، ويتركونها دون صيانة، مضيفًا: «لا بد من الصيانة الدورية للمصاعد من خلال جهة فنية متخصصة فى الصيانة، حتى يتم ذلك بشكل يضمن عدم تعطل المصعد وتعريض حياة مستخدميه للخطر».
وأشار إلى أن الأسانسير من أكثر الآلات التى تتعرض إلى أضرار بالغة من الممكن أن تودى بأرواح الكثيرين، لافتًا إلى أنَّ الصيانة الدورية والوقائية تجرى فى مواعيد منتظمة شهرية على الأقل لكل مصعد، عبر شركة متخصصة أو مؤسسة فى صيانة المصاعد، ومن الأفضل أن تتولى المسئولية الشركة التى تولت التوريد والتركيب، لأنه تتوافر لديها أطقم فنية مؤهلة لأداء هذا العمل كما تتوفر لديها قطع الغيار الأصلية اللازم تركيبها.
وقال المهندس محمد عزب، رئيس لجنة السلامة والأمان بنقابة المهندسين، إن أزمة المصاعد تتداخل فيها ٣ أطراف، موضحًا: «أولها المالك الذى يرغب فى تركيبه بمنشآته، والمقاول الذى يتكفل بتركيبه بالتعاقد، والجهة الثالثة هى المكاتب الاستشارية التى تقيم صحة التركيب وجودته وتوافقها مع معايير السلامة والأمان».
وأضاف: «تطبيقًا للدستور المصرى، فالنقابة العامة للمهندسين هى الجهة الاستشارية الأولى فى مصر، وهى من تمنح المهندسين رخصة العمل كاستشارى بناءً على عدة اختبارات وقدرات فنية، أهمها الإشراف على تنفيذ وتقييم عدة مشروعات فى التخصص».
وأشار إلى أن «النقابة ليست جهة رقابية، فلا يتم اللجوء لها إلا فى حالة الإخلال بأى معيار، خاصة فى حال وقوع حادثة أو التسبب فى ضرر من أحد التخصصات».
وقال إنّ مهندسى الكهرباء والميكانيكا تقع على عاتقهم المسئولية الكبرى عند حدوث أى أزمة، سواء كانت عطلًا أو توقفًا مفاجئًا وصولًا للسقوط، لافتًا إلى أن تدخل النقابة يتلخص فى اللجان الاستشارية والفنية متقصية الحقائق فى الحوادث الكبرى، وأبرز تلك المشكلات ما حدث فى سقوط مصعد مستشفى بنها التعليمى.
وتابع: «عندها شكلت النقابة لجنة تقصى حقائق للوقوف على أسباب الحادثة، توصلت إلى أن الإخلال بترسات الأمان القائمة على فرامل متعددة فى كل أركان المصعد هى السبب، وأوردت ذلك فى تقريرها المقدم إلى جهة التحقيق، خاصة أنه خضع لصيانة وتقييم قبيل الحادث بمدة قصيرة، وفى هذا الوضع على المهندس الذنب الأكبر».
جولة فى ورش «بير السلم» تكشف: استخدام قطع غيار رديئة.. منتجات صينى.. وفنيون دون مؤهلات


كشفت جولة داخل إحدى مناطق البناء بالطالبية عن أن أغلب الأسانسيرات تواجه مشاكل عديدة، بسبب اعتماد أصحابها على أصحاب الورش الذين يستخدمون قطع غيار رديئة.
وتبين أيضًا أن هناك العديد من العقارات التى يتم بناؤها بشكل غير مرخص، وبالتالى يحتاج ملاكها لتركيب أسانسيرات بطرق غير رسمية، دون إبلاغ الحى أو التأكد من سلامتها.
وقال أحد قاطنى المنطقة إن الفنيين الذين يتعاملون معهم فى تركيب وتصليح مصاعد العقارات غالبًا ما «يقعون معهم فى مشاكل دورية»، بسبب المنتجات الرديئة التى يبيعونها لهم، مضيفًا: «بيقولوا لنا إن قطع الغيار دى مدة صلاحيتها ٣ أو ٥ سنوات، وهى بتبوظ بعد أسبوع واحد بس، وساعات بتبوظ فى نفس اليوم».
ووجدنا عقارًا يتم بناؤه بشكل غير مرخص، حسب بعض قاطنى الشارع الذين قالوا: «العمارة دى بتتبنى بالليل بس، مافيش حد من العمال بييجى الصبح عشان الحى مايعرفش عنهم حاجة».
وتوجهنا إلى داخل العقار المذكور وتحدثنا مع حارسه عن كيفية تركيب الأسانسير، وهناك وجهنا الدليل إلى إحدى الورش فى منطقة أخرى بالقرب منه.
محل صغير لا يحمل يافظة تعريفية، يعمل على تجميع وصيانة المصاعد الكهربائية بمنتجات محلية ومستوردة، يتواصل معه الزبائن عبر رقم هاتفه الذى يتركه على ورقة صغيرة داخل العقارات القريبة من مكان وجوده، ودخلنا ذلك المكان للحديث مع أصحابه، وسؤاله عن إمكانية تركيب مصعد بطريقة غير رسمية، بحجة أن العقار بأكمله غير مرخص.
لم يتردد صاحب الورشة فى تنفيذ طلبنا، بل طمأننا أن ذلك الأمر فى غاية السهولة، كونه معتادًا على فعله بشكل دورى، قائلًا: «المناطق الشعبية اللى زى دى ماحدش بيركز معاها، وأغلبها عقارات مش مرخصة».
وأشار إلى أن ملاك تلك العقارات يركِّبون مصاعد ليست لها أوراق رسمية أو تصاريح من قِبل الجهات الرقابية، لتواجههم أزمة واحدة وهى التعامل مع شركة الكهرباء المسئولة عن تحصيل مبلغ شهرى للمصعد.
وقال صاحب الورشة إن الأزمة الوحيدة التى ستواجهها أن «فاتورة الكهرباء هتجيلك غالية عن الطبيعى»، مضيفًا أنه «يملك أنواعًا مختلفة من المصاعد، مثل التركى والإيطالى والألماني».
ونصح باستخدام الإيطالى لسعره المتوسط وجودته المضمونة، لكن فى حالة الرغبة فى شراء مصعد سعره رخيص وأقل جودة، أرشدنا إلى استخدام كابينة من منتج آخر بجانب موتور ومراوح وبراشوت من مصدر آخر إما صينى الصنع أو محلى.
وخلال الجولة، التقينا محمود صالح، أحد فنيى الأسانسيرات، الذى اكتشفنا أنه غير حاصل على أى شهادة تؤهله للعمل فى هذا المجال، وسألناه عن إمكانية تركيبه أسانسيرًا فى عمارة غير مرخصة، فكان الرد: «ولا يهمك يا فندم.. مش مشكلة عرفت طلبك».
وقال: «الأنواع التى توجد فى السوق المصرية تنحصر فى الإسبانى وهو أقلها جودة، والتركى والإيطالى»، واصفًا إياه بـ«أفضل الوحشين، وأن الألمانى هو أفضلهما»، ثم اقترح علينا شراء الماكينة الإيطالى لرخص ثمنها، إذ يبلغ سعرها الـ«١٠ حصان» منها ٤٢ ألف جنيه، ثم اقترح علينا شراء عمود أسانسير صينى.
وتابع: «النوع الصينى يستخدم دومًا فى البيوت الصغيرة والفيلل، غير أن تركيبه فى العمارات سيكون صعبًا للغاية، لكن فى كل الأحوال إذا احتاج (الزبون) تركيبه نقوم بالتنفيذ».
ضحايا: فقدنا أجزاء من أجسادنا بسبب الإهمال.. وإحصائيات رسمية: زيادة كبيرة فى مخالفات البناء

مآسٍ عديدة حدثت بسبب أزمة سقوط المصاعد، كان أشهرها على الإطلاق سقوط مصعد مستشفى بنها الجامعى بمستقليه من الدور السابع فى يناير ٢٠١٨، ليستقر بهم أسفل القاع وتنتُج عنه وفاة ٧ أشخاص.
ومن بين تلك المآسى أيضًا واقعة شهيرة فى حى الطالبية، إذ سقط المصعد بطفل لم يتجاوز عمره الـ١٠ سنوات، استقل المصعد بعدما عاد من مدرسته، ثم فوجئ السكان بصوت ارتطام كبير، حتى سمعت والدته صوت أحد الأهالى يصرخ: «الأسانسير وقع، وفيه صوت حد جوه بيتوجع»، لتكتشف أنه نجلها.
الأهالى حاولوا إنقاذ الموقف واصطحاب الطفل إلى أقرب مستشفى، لكننه لقى حتفه قبل الوصول إليه.
وقالت والدة الطفل، ضحية الأسانسير، إن المصعد كان متهالكًا بالفعل قبل وقوع الحادث بأسابيع، وأتى الفنى المسئول عن تركيبه عدة مرات لإصلاحه، لكن فى كل مرة كان يتعطل بين الحين والآخر، معلقة: «روحت لمكان ورشة الصيانة بعد الحادثة عشان آخد حق ابنى ومللقتش صاحبها والمحل اتقفل».
واقعة أخرى حدثت مع سهر مصطفى، ٣٢ عامًا، من منطقة روض الفرج، إذ استقلت المصعد هى وشقيقتها، من الدور الـ١٥، ولم يهبطا سوى طابق واحد، حتى هوى بهما الأسانسير وتعلق بين طابقين، إذ كان متهالكًا منذ سنوات.
وبدأت أصواتهما تعلو وهما معلقتان بالداخل، وتتذكر «سهر» الرعب الذى عاشته قائلة: «قضينا ٤ ساعات داخل المصعد، وكان صغيرًا جدَّا ومتهالكًا ولا توجد به مفاتيح ظاهرة ومليئًا بالأسلاك العارية».
وتابعت: «تجمّع قاطنو العمارة فى محاولة لإنقاذنا، وأحضروا سُلمًا خشبيًا وبدأوا يسحبوننا من بين الأسانسير والحائط».
وتعرضت الطفلة «فرح»، لم تتجاوز الـ١٠ سنوات، لمأساة أخرى فقدت بسببها أجزاء من جسمها، إذ تعطل بها المصعد وظلت ساعة كاملة معلقة بين الأسانسير والحائط الخرسانى الجانبى.
وقال عصام على، والد «فرح»، إنَّ الإهمال تسبب فى ضياع مستقبل ابنته، حيث كان المصعد فى عمارتهم بمنطقة الخصوص متهالكًا تمامًا، مضيفًا: «الحائط الذى يطل عليه المصعد بعيد عن جسم الأسانسير، ما يشكل خطورة على أرواح قاطنى العمارة».
وتابع: «ابنتى كانت تلعب مع شقيقتها أمام الأسانسير، ثم دخلته، فهبط بها، فوقعت بينه والحائط، وظل رأسها محشورًا بينهما ساعة كاملة، حتى فقدت وعيها بالكامل».
كما تعرضت زينب أسعد، ٥٠ عامًا، تقطن بحدائق القبة، لبتر فى قدمها، بسبب الإهمال فى صيانة المصعد، إذ فتحت بابه ولم يكن موجودًا فى الدور فسقطت على سطحه وهو يقف فى الدور الأول.
وقالت «زينت» إن المصعد كان متهالكًا ولم يكُن صالحًا للاستخدام الآدمى، رغم صيانته بشكل دورى، مضيفة: «الصيانة كانت تتم بشكل روتينى».
وأعدت الهيئة العامة لتعاونيات البناء والإسكان إحصائيات، فى عام ٢٠١٧، أظهرت أن نسبة مخالفات المبانى فى مصر بلغت نحو ٩٠٪ من إجمالى العقارات الموجودة، التى قدرتها إحصائيات وزارة الإسكان بـ٤٫٩ مليون مبنى. ووصل إجمالى العقارات المقامة دون تراخيص ٣١٧ ألفًا و٩٤٨ عقارًا، وهو ما يعنى وجود نحو نصف مليون مصعد غير مرخص بتلك العقارات، وصدرت لها ٣٥٦ ألفًا و٥٠٧ قرارات إزالة من المحافظين، ولم يتم تنفيذ أى منها.
وأظهر تقرير النيابة الإدارية السنوى، لعام ٢٠١٧، بشأن قضايا الفساد ارتفاع عدد القضايا المتعلقة بمخالفات البناء إلى ٤٦٩٥ قضية، وعدد الشقق التى تم بناؤها فى آخر ٥ سنوات دون رخصة نحو ٦ ملايين شقة، وقد تكون عرضة لوجود مصعد غير مرخص.