رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصالحة قطر.. فأر جديد!



سحابة دخان انطلقت أواخر نوفمبر الماضى، بشأن مصالحة مزعومة بين دويلة قطر والدول العربية الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب «مصر، الإمارات، السعودية، والبحرين»، لإنهاء ما يصفونها بـ«الأزمة الخليجية»، ونرى أن الوصف الأنسب لها هو إجراءات تأديب «العائلة الضالة» التى تحكم تلك الدويلة بالوكالة. وكالعادة، لحقت تلك السحابة بسابقاتها. بعد أن أثبتت، كسابقاتها أيضًا، أن إجراءات التأديب لن تنتهى إلا بامتثال تلك العائلة للمطالب أو الشروط الـ١٣، التى لا نعتقد أن الدول الأربع قد تتنازل عنها.
وكالة «رويترز» قامت، الثلاثاء، بإعادة تدوير سحابة نوفمبر. وبعد أن أجهد محررها الكسندر كورنويل نفسه، لم يخرج من ستة مصادر إلا بفأر صغير، وانتهى إلى أن المحادثات «انهارت عقب بدئها». وكانت نكتة أن ينقل عن مصدر قطرى «مطلع على تفكير الحكومة» أن المحادثات انتهت، لعدم واقعية المطالب السعودية، ولأنه «لم يكن من الممكن أن نصبح دولة تابعة»!.
نكتة طبعًا، لأن الأستاذ «كورنويل» لو كان لديه تليفزيون فى البيت، لشاهد «الفتى تميم»، حاكم دويلة قطر، وهو يجلس، منذ أسابيع، تحت قدمى المرشد الإيرانى، فى طهران. ولكان شاهده أيضًا، قبل ذلك بأسابيع، وهو يقوم بتسليم مفاتيح آخر عشر حجرات فى الدويلة للرئيس التركى. كما أنه لا يحتاج إلى مشاهدة التليفزيون أو الاستماع إلى الراديو، ليدرك أنه سيكون مجاملًا لتلك الدويلة لو وصفها بأنها تابعة للولايات المتحدة.
المباحثات التى بدأت فى أكتوبر الماضى، وصفتها «رويترز» بأنها كانت «أول بارقة تحسن فى الخلاف الذى قطعت فيه السعودية والإمارات والبحرين ومصر العلاقات السياسية والتجارية وروابط المواصلات مع قطر فى منتصف ٢٠١٧. وفى إشارة ذات مغزى، وتؤكد أيضًا أن الأستاذ «كورنويل» ليس لديه تليفزيون فى البيت، ذكر التقرير أن واشنطن تربطها علاقات قوية بكل الدول المعنية بما فيها قطر، التى تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية فى المنطقة، وأن واشنطن ترى أن الخلاف يمثل تهديدًا لمساعيها لاحتواء إيران.
وزير الخارجية القطرى زار الرياض، ومن تقرير نشرته «وول ستريت جورنال»، فى ٢٨ نوفمبر الماضى، عرفنا أنه أبدى «استعداد الدوحة لقطع علاقاتها مع جماعة الإخوان». ونقلت الجريدة عن مسئول عربى أن السعودية تدرس هذا الاقتراح. بينما قال ثلاثة دبلوماسيين فى تقرير رويترز إن «الرياض أرادت أن تبدى قطر أولًا تغييرًا جوهريًا فى مسلكها خاصة فى سياستها الخارجية التى أيدت فيها أطرافًا مناوئة فى عدة صراعات إقليمية». ولأسباب يمكن استنتاجها، نقل التقرير عن ثلاثة دبلوماسيين غربيين، مجهولين كباقى المصادر، أن الرياض كانت تريد تحقيق نصر فى السياسة الخارجية قبل استضافة قمة مجموعة العشرين فى ٢٠٢٠، بعد ما لحق بسمعتها من ضرر بسبب مقتل جمال خاشقجى.
لم يرد مكتب الاتصال الحكومى فى قطر أو وزارة الإعلام السعودية على طلب من «رويترز» للتعليق على محتوى هذا التقرير. لكن الوكالة نقلت عن دبلوماسى أن السعودية أرادت ترتيبًا جديدًا مع قطر يتضمن التزامها بتعهدات جديدة. كما نقلت عن مصدرين خليجيين آخرين مطلعين على تطورات المحادثات أن السعودية «أنهت المحادثات عقب القمة الخليجية السنوية التى انعقدت فى الرياض فى ديسمبر ولم يشارك فيها أمير قطر». وعلى الخط، دخلت جريدة «الشرق الأوسط» السعودية، ونقلت عن دبلوماسى خليجى، أن «المفاوضين القطريين كانوا متخبطين ولم يبدوا جدية فى التوصل إلى حلول توافقية تعالج جذور الأزمة، بل حاولوا بدلًا من ذلك المراوغة لإطالة المفاوضات»، ما دفع الرياض إلى وقفها. وشدد على أن السعودية متمسكة برؤيتها لنقاط الحل، وترى أن إنهاء الأزمة لن يتم سوى بالاتفاق على «رؤية تشمل دول المقاطعة كلها».
لا جديد فى ذلك كله. ولو لديك ذاكرة قوية نسبيًا، ستكتشف بسهولة أن موقف السعودية هو ذاته الذى سبق أن أعلنه محمد بن سلمان، ولى العهد السعودى، من القاهرة، فى مارس ٢٠١٨، حين أوضح أن الدول الأربع تتعامل مع الأزمة بالطريقة نفسها التى تعاملت بها الولايات المتحدة مع كوبا، أى بترك قطر على الحال الذى هى عليه، ولو لسنوات، حتى تتراجع عن سياساتها المدمرة للمنطقة. ووقتها، قلل بن سلمان من حجم اهتمامه بالموضوع، مؤكدًا أن «أقل من رتبة وزير هو مَن يتولى الملف القطرى».
الخلاصة، أننا سنظل نتابع أحداثًا مملة، وسيظل السيناريست يعجن و«يعك» ويكتب أحداثًا لا لزوم لها، أو ثبت عدم جدواها، وسيظل جبل «الهرى» أو «الهبد» يلد فأرًا تلو الآخر، لو لم تتغير سياسات تلك الدويلة وما لم تلتزم بالمطالب أو الشروط الـ١٣. وقبل ذلك أو بعده، لا مناص، لا مندوحة، أو لا مفر من محاسبة العائلة الضالة عن جرائمها التى لن تسقط بالتقادم.