رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الدستور» فى جولة مع أصحاب المخابز بعد تطبيق المنظومة الرقمية

المخابز
المخابز

"عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية".. 3 مطالب هتف بها الشعب المصري مرارًا وتكرارًا، فكانت على رأس أولويات الرئيس عبد الفتاح السيسي، منذ توليه سدة الحكم، فالبداية بترتيب المطالب هي توفير "العيش" للمواطنين بشكل مدعم، ويكون متاح للفئات محدودة الدخل بما هو في إمكانيات دخلها، فكانت النطفة الأخيرة في مشروع دعم منظومة الخبر منذ أيام.

في اجتماع الرئيس السيسي مع الجهات المعنية، حرص على متابعة جهود الدولة لتطوير منظومة المخابز على مستوى الجمهورية، والتنسيق مع الجهات المعنية لاتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لتحديث كافة جوانب منظومة المخابز وتداول الخبز على مستوى الجمهورية، بما فيها تشديد الرقابة، وتكثيف المتابعة والجولات الميدانية، بما يضمن ضبط الأداء والتسهيل على المواطنين، مع التركيز في هذا الإطار على الأماكن والفئات الأكثر احتياجًا.

ومع بداية سريان تلك المنظومة المميكنة، وكيف يتعامل معها أصحاب المخابز؟ وكيف تفاعل معها الجمهور؟ وما العوائد الإيجابية على المواطن محدود الدخل من تلك المنظومة الجديدة؟ وهل ستزيد من الرقابة على المخابز وأصحابها؟ كل تلك الأسئلة حاولنا الإجابة عليها من خلال جولة بين أصحاب المخابز والمواطنين لنقل مدى فاعلية تلك المنظومة.


- أصحاب المخابز

الجيزة: المواطن هو المستفيد الأول

البداية كانت في منطقة الجيزة، والتي فيها تحدثنا مع الحاج مصطفى عبد النبي، صاحب أحد المخابز، حيث قال: "المواطن هو المستفيد الأول بعد إجراء التعديلات في منظومة الخبز ومحدش هيعرف ياخد حقه منه بعد كدة"، مشيرًا إلى أن الإجراءات الجديدة التي ستقوم بها وزارة التموين بقرار من الرئيس عبد الفتاح السيسي، ستغلق الأبواب أمام سرقات الدقيق المدعم التي يقوم بها بعض أصحاب المخابز المخالفين.

ويوضح "عبدالنبي"، أن المواطن سيدفع 5 قروش فقط، وله أن يأخذ الكمية التي يريدها وصاحب المخبز سيأخذ حق الدقيق، "اللي طلع من عندي بالضبط وعليه مكسبي"، واصفًا هذه المنظومة بالعادلة، خاصة إذا صاحبها بعض الاهتمام بشبكات الإنترنت لعدم إضاعة فرص صرف حصص المواطن من الخبز، وكذلك عدم حرمان صاحب المخبز أثناء عطل الشبكة.

وتابع: أن الدولة بدأت بالاهتمام بمنظومة الخبز منذ فترة من خلال إحكام رقابتها على أصحاب المخابز بشكل كبير وعقوبتها للمخالفين منهم، موضحًا: "الحملات شغالة علينا على طول"، وهذه الحملات كان لها بالغ الأثر في تطور المنظومة بشكل كبير، لاحظه المواطن نفسه، وذلك من خلال زيادة وزن الرغيف وتحسن جودته".
الدقى: ضربة قوية للمتلاعبين
ومن الجيزة إلى حي الدقي، التقينا بركة شعبان، صاحب مخبز، يوضح أن هذه الإجراءات الجديدة بالمنظومة ستمثل ضربة قوية لأصحاب المخابز المتلاعبين، وبذلك لا يستطيعون التصرف بأي كمية من الدقيق المدعومة، أو بيعها في السوق السوداء، كما من شأن هذه الإجراءات رفع مستوى الجودة التي ستقدم بكل مخبز.

ويشرح في حديثه: "الزبون بيروح للمخبز اللي بيبيع عيش وزنه كبير وشكله حلو وبعد القرارات الجديدة هيكون حر أكتر"، مؤكدًا أن كل ما يهم صاحب المخبز الملتزم بتعليمات وزارة التموين هو أن يبيع كمية كبيرة من الخبز لتحقيق ربح مناسب، وهو لا يستطيع القيام بذلك إلا عندما يحّسن من جودة الخبز الذي ينتجه، لذا فالقرارات الجديدة لا تؤثر إلا سلبًا على المخالفين فقط.


في وسط البلد: المنظومة الجديدة منعت الفوضى
محطتنا التالية كانت في منطقة أبو العلا بوسط البلد، حيث التقينا حمدي عبد الباقي، صاحب مخبز، أكد أن منظومة الخبز الجديدة منعت الفوضى والسرقات التي كانت تحدث فيما قبل، فكثيرا ما كان يستغل أصحاب المخابز حصص الدقيق الزائدة ويقومون ببيعها لصالحهم، ولكن النظام الجديد حدد لكل مخبز حصة معينة من الدقيق، طبقًا لعدد سكان المنطقة والمخابز الأخرى الموجودة في المنطقة مع مراعاة إمكانيات المخبز.

ولفت "عبد الباقي"، خلال حديثه معنا، إلى أنه فيما سبق كان يحدث زحام شديد على المخابز، ولكن الآن الأمور أصبحت أهدأ لأن كل شخص يأخذ الدقيق ببطاقته، دون حدوث تدافع بين المواطنين أو خشية من نفاد الخبز، مختتمًا حديثه بأنه لا مجال لهؤلاء من ضعاف النفوس من أصحاب المخابز لبيع الدقيق لصالحهم.

خالد أحمد، صاحب مخبز آخر بمنطقة وسط البلد، أشار إلى أنه قبل العديد من الأعوام كان كثيرًا من الناس الذين يعملون في محيطه يلجأون لشراء الخبز من مخبزه، والآن بعد نظام البطاقات، خف الزحام كثيرًا ولم يعد هؤلاء الناس يشترونه من مخبزه، فالنظام الجديد أتاح لهم الشراء من أقرب مخبز لهم دون الخشية من عدم الحصول على نصيبهم.

وناشد "أحمد"، خلال حديثه معنا، الدولة بالاهتمام بأصحاب المصانع وزيادة أجور العاملين فيها، فكثير من العاملين بالمصانع الحكومية يتركونها ويلجأون للمصانع الخاصة بسبب حصولهم على يومية مرتفعة أكثر، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الغاز وهو ما يتمنى بسببه ارتفاع ثمن مصنعية.
في أسيوط: المواطن أصبح غير مضطر للاستماتة على "الرغيف"

ومن القاهرة إلى الصعيد، التقت "الدستور" مع منصور أحمد، أربعيني صاحب أحد المخابز بإحدى قرى محافظة أسيوط، يروي أنه قبل عام 2014 كان هناك مخبزان فقط في قريته؛ مخبزه أحدهما، وكانت حصة كل من هذين المخبزين لا تتجاوز العشرة أجولة من الدقيق، وبلا مبالغة كان ما يقارب من 70% من سكان القرية لا يحصلون على خبز ويكون الشراء لمن أتى باكرًا، وكان هؤلاء الناس يلجأون للخبز البيتي.

وأوضح "أحمد"، خلال حديثه، أن مصدر هذا الدقيق كان إما أن يكون مزروعًا بالأساس لهؤلاء الفلاحين أو يقومون بشرائه، لكن الآن الوضع أصبح مختلفًا كليًا، فقد أصبحت في القرية 6 مخابز بدلًا من مخبزين، وحصة كل مخبز تصل لخمسة وعشرين جوالا، وكل أبناء القرية يحصلون على خبز غير مضطرين للحضور فجر كل صباح للاستماتة على رغيف الخبز، وحتى عشاق الخبز البيتي أصبحوا يأخدون حصصهم من الدقيق بدلًا من الخبز.

وشكر، في ختام حديثه معنا، جهود الدولة للعناية بمنطومة الخبز، لافتًا إلى أن المشكلة كانت مضاعفة في الصعيد، مناشدًا الجهات المعنية بزيادة مصنعية الخبز فقط، هذا كل ما تحتاجه مخابزهم الآن.

- المواطنون: "مابقاش في طوابير وبناخد اللي عايزينه"

خلال جولتنا، كان لنا حديث مع المستفيدين من المواطنين، تقول شاهيناز أحمد، ذات العشرين عامًا، إنها استفادت كثيرًا من المنظومة الجديدة، فلا يوجد زحام، حيث تعطي صاحب المخبز الكارت ويعطيها كمية الخبز المطلوبة، معلقة: "والدتي لا تقلق عليّ فهي تردد أن المخابز لا يوجد بها زحام الآن"، مشيرة إلى أنها لا تأتي يوميًا للمخبز، فما يصرفونه بالبطاقة من خبز يكفي ليومين.

والتقطت منها أطراف الحديث منى عيون، السيدة الخمسينية، التي تتكون أسرتها من 7 أفراد، تقول إنها فيما سبق كان العامل لا يصرف لها أكثر من جنيه خبزًا، وكانت تلجأ للمخابز الخاصة وتشتري منها رغيف الخبز بنصف جنيه، ولكن بفضل المنظومة الجديدة أصبحت تأخذ لأسرتها 35 رغيفًا من المخبز الحكومي، شاكرة مجهودات المسئولين التي وضعت على عاتقها مساندة المهمشين ومحدودي الدخل، وكيف أنها شخصيًا أصبحت لا تأتي كل يوم في الصباح الباكر مثلما كانت تفعل من قبل.

وبعد خطوات، التقينا حسني عبد الحي، رجل خمسيني، قال إن عائلته تتكون من 5 أفراد وكذلك عائلة أخيه، ولكن أبناءهم مغتربون ولا يتواجدون معظم الوقت في المنزل فلا يوجد سوى هو وزوجته، ولكونهم من محدودي الدخل فقد اتفق هو وأسرة أخيه المجاورة له على أن يصرف أحدهم الخبز يوميًا ببطاقتهم الخاصة ويتقاسموه، وتأخذ العائلة للأسرة الأخرى دقيقًا بدل الخبز.

- شعبة المخابز: المواطن أصبح يتحكم في الكمية التي يريدها والباقي يتحول لنقود

بعد جولتنا على أصحاب المخابز كانت لنا أحاديث مع المتخصصين حول آلية تلك المنظومة، وكيف يمكن أن يترك أثرًا كبيرًا على الشارع المصري، فكانت بداية الحديث مع عطية حماد، رئيس شعبة أصحاب المخابز بالغرفة التجارية، الذي أكد دعمه للرئيس عبد الفتاح السيسي، بشدة في دعوته للاهتمام بمنظومة الخبز الذي هو الغذاء الرئيسي الذي يعتمد عليه المواطن سواء الفقير أو الغني، على حد سواء، وتقدم بالشكر باسم جميع أصحاب المخابز للقيادة السياسية لسعيها الدائم وراء تطوير هذه المنظومة.

وأشار "حماد"، في تصريحاته لـ"الدستور"، إلى أن هذا الاهتمام من شأنه أن يعود بالنفع على المواطن وأصحاب المخابز على السواء، فالإجراءات الجديدة التي ستتخذها الحكومة بشأن تحويل منظومة الخبز إلى منظومة رقمية مشروطة من شأنها إحكام عدم تسريب الدعم، وإضاعتها لكل فرص التلاعب في جميع عناصر المنظومة سواء أصحاب مخابز أو مواطنين.

ويشرح أن المنظومة الجديدة تعمل على منح الحرية للموطن في التحكم ببطاقته، وكأنها "كارت ائتماني"، بقيمة نقدية محددة يشتري بها احتياجاته اللازمة من الخبز، والباقي يحول قيمته إلى سلع تموينية، دون تدخل من صاحب المخبز، مما يعمل على إيصال الدعم الذي يحتاجه كل مواطن على حدة بشكل حقيقي بكل من الخبز والسلع التموينية، دون أي إهدار أو تلاعب.

ووجه إلى ضرورة اهتمام المواطن ببطاقة الخبز خاصته، وعدم تركها لصاحب المخبز تحت أي ظروف لعدم إضاعة حقه، وكذا إضاعة كل هذه الجهود التي تقوم بها الدولة في الحفاظ على هذا الحق، كما طالب حماد بضرورة عقوبة المخابز المخالفة بعقوبة تتناسب مع المخالفة، وإغلاق المخابز التي تتكرر مخالفتها أكثر من مرة.



- خبير اقتصادي: يجب تفعيل الرقابة على المخابز

ومن الناحية الاقتصادية، يرى الدكتور مصطفى أبوزيد، الخبير الاقتصادي، أن اهتمام الرئيس السيسي بمشكلات محدودي الدخل يعكس إحساسه وحرصه على توفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين، ما يؤكد أن المواطن البسيط في أولوياته، وتوجيهاته تدل على تلبية احتياجات الشارع المصري وتحسين مستوى الخدمات المقدمة.

"أمن قومي"، تلك الكلمة التي وصف بها "أبوزيد"، في تصريحاته، عن منظومة الخبز، مشيرًا إلى أن تحسين الخدمات المقدمة إلى المواطن، خاصة الفئات الأولى بالرعاية هو التزام حكومي، مشددًا على ضرورة تفعيل الرقابة على مراكز إنتاج الخبز ومنافذ التوزيع وضبط المخابز المخالفة.

يذكر أن استراتيجية التطبيق أعلنتها الوزارة في نقاط هي: تحرير سعر الدقيق (بمعنى شراء الدقيق بالسعر الحر) من المطحن المتعاقد مع المخبز، يجوز لصاحب المخبز "البلدي"، شراء كمية الدقيق التي يريدها، دون أن يتقيد بحصة يومية، صاحب المخبز "الطباقي" يعامل في المنظومة وفقًا لما هو عليه حاليًا، من حيث القواعد والحصة اليومية من الدقيق، على أن يتم ربطه بالمطاحن مباشرة ومعاملته كمعاملة المخبز البلدى، الحصول على الخبز في المنظومة الجديدة، سيتم بواسطة البطاقة التموينية أو بطاقة الخبز الخاصة.

وتشمل أيضًا أن يكون نصيب الفرد في المنظومة الجديدة 5 أرغفة يوميًا، على ألا يزيد ما يحصل عليه الفرد الواحد يوميًا عن 40 رغيفًا، وعندما يقوم الفرد بتوفير جزء من حصته من الخبز، يحصل في المقابل على سلع تموينية أخرى، خلال الأسبوع الأول من الشهر التالي، ويجوز للأسرة الواحدة أن تحصل على حصتها في الخبز مقدمًا لمدة لا تتجاوز 3 أيام، على أن يُستثنى من ذلك الثلاثة أيام الأخيرة في الشهر، حيث لا يجوز خلالها صرف نصيب خبز مجمع مقدمًا، ويتم خلالها صرف الخبز يوميًا فقط.

وطبقًا للمنظومة، يصبح سعر الرغيف 5 قروش للجمهور، وتتحمل وزارة التموين والتجارة الداخلية فرق تكلفة إنتاج رغيف الخبز، ويتم تحويل فرق تكلفة الخبز لحساب صاحب المخبز بالبنك يوميًا، وذلك وفقًا للمادة الثانية من القرار الوزاري رقم 15 لسنة 2019، على: "أن تقوم الهيئة العامة للسلع التموينية بحساب وسداد تكلفة المخابز البلدية التي تنتج الخبز البلدي المدعم على النحو الموضح بالمادة الأولى بعد خصم ما يسدد المواطن من سعر الرغيف 5 قروش، وطبقًا لما يتم إثباته من مبيعات على النظام بموجب ماكينات الصرف بكل مخبز".