رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صينيون فى «شَق الثعبان»: «بناكل زى المصريين»

صينيون في شق الثعبان
صينيون في شق الثعبان

أصبحت رؤية أى صينى فى شوارع المحروسة تذكر المصريين بتفشى فيروس «كورونا»، ربما لا يعلم الكثير من المصريين أن أعدادًا كبيرة من الصينيين تعيش فى مصر، وليس جميعهم يعملون «باعة شنطة متجولين»، كما يعتقد البعض، فالنسبة الكبرى منهم تعمل فى مجال تقطيع الرخام والجرانيت بمنطقة «شق الثعبان»، والتى تقع شرق طريق الأوتوستراد، بعمق ٥ كم حتى حدود محمية وادى دجلة شرقًا بمنطقة طرة المعادى، بمساحة تقديرية ٦.٥ مليون متر مربع، وتضم ١٨٥٨ مصنعًا وورشة لتصنيع وتصدير الرخام، ويعمل بها ما يقرب من ٤٥ ألف عامل.

وبمجرد وصولك منطقة «شق الثعبان» ستلحظ العديد من الوجوه الصينية، حتى إن البعض يطلق على المنطقة «دولة الصين»، ومن هنا قضت «الدستور» يومًا كاملًا فى المنطقة، ورصدت مشاعر الصينيين بعد انتشار فيروس «كورونا» اللعين فى بلادهم، واللحظات التى يعيشونها هنا بعيدًا عن ذويهم هناك، وقد استقرت أعداد كبيرة منهم فى مصر، بعدما استأجروا عددًا من مصانع الرخام والجرانيت من أصحابها المصريين، وبدأوا بالفعل فى تنشيط استثماراتهم بهذا المجال بمساعدة العمالة المصرية.

تشينو:زوجتى عادت لبكين منذ أسابيع.. وأخشى ألا أراها مجددًا

«تشينو» شاب يعمل فى قياسات الرخام، قال إنه يعيش فى مصر منذ قرابة خمس سنوات، وزوجته أيضًا تعيش معه هنا، لكنها تتردد بين الحين والآخر على الصين لرؤية ذويها وأصدقائها، لكنه يشعر بالحزن الشديد لأنها سافرت منذ أسابيع، قبل أن يُعلن عن «فيروس» كورونا، وأثناء وجودها هناك حدثت تلك الكارثة، وهى حاليًا غير مسموح لها بأن تأتى إلى مصر حتى تستقر الأوضاع.
«تشينو» برر حزنه الشديد على زوجته بتلك الأجواء الملتبسة ومنعها من السفر، ويخشى ألا يحالفه الحظ ويراها مرة أخرى، لكنه على أى حال يتواصل معها يوميًا من خلال الإنترنت، ويتحدثان طوال اليوم عبر مواقع التواصل الاجتماعى، وموقع «سكايب»، الذى خلاله يستطيع أن يراها ويحدثها بالصوت والصورة.
جميع المصريين هنا يعتبرهم «تشينو» أصدقاءه ومثل إخوته، ولا يفكر إطلاقًا فى العودة إلى الصين إذا استقرت حياته هنا وشعر بالأمان، وهو بالفعل يشعر به دائمًا، ويعيش حياته وسط ألفة كبيرة ممن حوله، حتى إن أصدقاءه من المصريين فى المصنع أطلقوا عليه اسم «مصطفى» وهو يحبه كثيرًا، واستطاع تعلم بعض الكلمات العربية منهم، ولا يزال يتعلم.

جاكو المتزوج من مصرية: بلادى ستتخطى الأزمة

منذ حوالى ٩ أعوام جاء «جاكو» إلى مصر، وسكن بمنطقة «شق الثعبان» مع أصدقائه المصريين، الذين أطلقوا عليه اسم «عبدالله» عندما علموا أنه مسلم، ومع مرور الأيام وزيادة معاشرته الأهالى، تعرف على فتاة مصرية وأعجب بها كثيرًا، ولم يتردد فى الزواج بها، وأنجب منها بنتًا لم تتجاوز الـ٦ أعوام من عمرها.
يقول «عبدالله»: «أنا مسلم أبًا عن جد، وأشكر ربنا كثيرًا أن أهلى يعيشون فى مدينة (فين لان)، التى تبعد عن (ووهان) كثيرًا، وعن المدن التى أصبحت فريسة للفيروس القاتل، وكل فترة أسافر لهم كى أراهم وأقضى معهم العطلة، ثم أعود إلى بلدى الثانى كى أستكمل وأباشر عملى الذى أحبه».
«جاكو»، المسئول عن الشئون الإدارية بأحد المصانع، يذكر أن الفيروسات الجديدة تجتاح العالم كل فترة، وهذه ليست المرة الأولى التى يظهر فيها فيروس، لكنه يرى أنه الأبرز أو الأخطر بسبب صعوبة اكتشاف علاج له أو وجود مصل واقٍ من العدوى، كما أنه سريع الانتشار.
وبرغم ذلك يرى أن الصين دولة عظمى، ومن خلال متابعته الأخبار علم أنهم اكتشفوا دواء للفيروس، وفى طريقهم للقضاء عليه، وهو يثق فى قدرات بلده على التغلب على هذه الأزمة وتجاوزها بأقل خسائر ممكنة.

صالح خريج الأزهر:الإسلام صمام أمان من المرض

بكلمات عربية «بسيطة» يقول صالح أمين، ٢٤ عامًا، ذلك الشاب الصينى المسلم خريج الأزهر الشريف، الذى يعمل بقياس ألواح الجرانيت داخل أحد المصانع: «جئت إلى مصر منذ ثلاث سنوات، وأشهرت إسلامى فور اختلاطى بالشعب المصرى وإدراكى الحقيقى لعباداته، ذلك الأمر الذى جعلنى أحببت تدينه الفطرى، وكان سببًا فى قرارى الالتحاق بالأزهر الشريف لدراسة علوم الدين الحنيف».
قرر «صالح» أن يخترق سوق العمل فى «شق الثعبان» لتوفير مصروفاته الدراسية، وشجعه على ذلك أصدقاؤه الصينيون الذين يعملون فى مصانع تلك المنطقة.
ويضيف: «أعيش هنا وسط أهلى المصريين، ونتشارك جميع مناسباتنا فى الحزن قبل الفرح، كما أشاركهم بجميع أعمالهم التى سبق وتعلمتها منهم». أما عن فيروس كورونا، فيقول: «اللهم عافنا من تناول كل ما حرّمه الدين الإسلامى الحنيف، وهو ما يعد صمام أمان من كل الأمراض»، مشيرًا إلى أنه يعمل على اتباع جميع أساليب الحماية من الفيروسات داخل أماكن العمل حفاظًا على صحته وصحة زملائه، مصريين وصينيين، مختتمًا بقوله: «مصر بلد الأمن والأمان».

سونج:اتخذنا جميع الإجراءات الوقائية

«سونج»، أو كما أطلق عليه المصريون «سوسو»، أحد المشاركين بإيجار مصنع ضخم للرخام، يقول: «جئت إلى مصر منذ ٥ سنوات، عندما مات معظم أقربائى، فقررت وقتها السفر إلى مصر للاستثمار بالمجال الذى أعشقه وهو الرخام، فشاركت أصدقائى باستئجار أحد هذه المصانع»، مشيرًا إلى أنه منذ فترة كبيرة لم يسافر إلى بلده، فهو دائم الانشغال بأعماله الاستثمارية هنا.
«عادات الصينيين هنا فى مصر أفضل بكثير من عاداتنا فى الصين»، يقولها «سوسو»، لافتًا إلى أن أساليب النظافة داخل المصانع، سواء من قبل المصريين أو الصينيين على السواء، واحدة من أفضل الوسائل التى تمنع حدوث أى وباء محتمل وليس «كورونا» فقط، ويؤكد أن علاقات الصداقة بينهم لم تمنع من اتخاذ جميع هذه السبل الوقائية أمنًا وسلامًا للجميع.
وعن انتشار فيروس «كورونا» يقول إنه لم يسمع عن إصابة أى من أصدقائه أو أقربائه بالمرض إلى الآن، مضيفًا أنه يتعامل مع الجميع مستخدمًا جميع الإجراءات الوقائية لعدم انتشار أى من الأمراض الوبائية، ويعلق مازحًا: «تعلمت من الشعب المصرى التعامل مع الأزمات بروح من الدعابة والفكاهة».



يونجى: لا نعانى من أى أمراض أو فيروسات

يونجى»، المشرف على إحدى ماكينات تقطيع الرخام، استهل حديثه قائلًا: «جميع الصينيين هنا بخير، ولا يعانون من أى أمراض أو فيروسات، ويعيشون هنا منذ سنوات طويلة، ويتعاملون ويختلطون بالعمال المصريين يوميًا حتى تعجز عن تمييزهم من بعض، ونشأت وتوطدت بينهم علاقات صداقة قوية أثناء سنوات العمل هذه، أدت إلى إزالة العديد من الفوارق بينهم».
واستكمل «يونجى» حديثه: «ساعات العمل طويلة للغاية لكننا اعتدنا عليها، وكل فترة أستطيع أن أذهب إلى زوجتى وأولادى فى الصين لقضاء بعض الأسابيع معهم، لكن هذه الفترة من الأفضل أن أبقى وأستقر هنا فى مصر، لأنها أكثر أمانًا».

لوهان: وجودى فى القاهرة «نجاة من الموت المؤكد»

لا يفصل بين مصنع الرخام الصينى والآخر سوى بعض الأمتار القليلة، فمنطقة «شق الثعبان» تمتلئ بأعداد كبيرة من تلك المصانع، داخل أحدها استقبلنا صاحب المصنع «لوهان»، وهو صينى الجنسية، لقبه المصريون بـ«حسن».
يقول فى البداية إن عمال المصنع المصريين اختاروا له هذا الاسم من أجل سهولة التواصل بينهم وبينه، مضيفًا: «إحنا بخير»، فى إشارة لما يشعر به هو وزملاؤه داخل مصر فى حين أن بلادهم تعانى تفشى وباء أصاب العالم رعبًا.
لوهان، أو «حسن»، جاء من العاصمة «بكين» ليستقر هو وأسرته، المكونة من زوجته وولد وبنت، داخل مصر منذ ٩ سنوات كاملة، وبدأ نشاطه فى العمل بمجال الملابس «تاجر شنطة حر» إلى أن ازداد نشاطه يومًا بعد آخر ليستقر به الحال ويستأجر مصنعًا كبيرًا للملابس.
فكّر «لوهان» فى أن يتوسع فى نشاطه أكثر، ما دفعه للدخول فى منطقة «شق الثعبان»، للعمل فى مصانع الرخام والجرانيت، وبالفعل طور من عمله حتى أصبح الآن يدير عددًا من مصانع الرخام فى المنطقة، ويقول: «لم أشعر بالأمان مثلما شعرت به داخل مصر».
واختتم «لوهان» حديثه مؤكدًا: «لا أفكر فى الرجوع إلى الصين فى الوقت الحالى على الإطلاق؛ لأن وجودى هنا مع أسرتى الصغيرة فرصة للنجاة من هذا الوباء اللعين، لا تقدر بثمن».


ليلى تطبخ للعمال: لا نأكل سوى لحوم الخرفان والبقر

فى حجرة صغيرة ومتواضعة بأحد المصانع، لا تضم سوى أدوات بسيطة للطهى، تقف السيدة الصينية «ليلى»، بجسدها البدين وقامتها القصيرة وبابتسامة واسعة لا تفارق وجهها المستدير، تطهو أشهى الأكلات الصينية لعمال المنطقة.
تقول بعربية «مكسرة»: «إحنا هنا تمام»، فى إشارة منها إلى شعورها بالأمان داخل ما وصفته ببلدها الثانى مصر، التى لم ترَ من أهلها سوى معاملة حسنة، فدائمًا ما يقف الجيران بجوارها فى أى أزمة تتعرض لها.
تروى «ليلى» أنها جاءت إلى مصر بصحبة زوجها، وعملا معًا داخل أحد مطابخ مصنع للجرانيت بمنطقة «شق الثعبان»، إلى أن سافر زوجها منذ عام للاطمئنان على ابنهما الوحيد ذى الـ٢٢ عامًا «ليو»، ومن المنتظر زيارتهما لها بعد انتهاء أزمة «كورونا»، وهنا تقول: «نحن بالصين نسكن بمقاطعة بعيدة عن مركز تفشى الوباء بالبلاد»، لذا لا تخشى إصابة زوجها أو ولدها بالمرض، مشيرة إلى أنها تطمئن عدة مرات يوميًا عليهما باستخدام وسائل التواصل الاجتماعى.
وتابعت «ليلى» حديثها عن طرق الوقاية داخل مطبخ المصنع بمصر، قائلة: «نحن نحرص على نظافة الطعام داخل المطبخ، فأرتدى دائمًا الكمامات أثناء الطهى، وكذا أثناء التواجد مع العمالة داخل المصنع»، مؤكدة أنهم لا يتناولون سوى لحوم الخراف واللحوم البقرى، حرصًا على الوقاية من أى أمراض محتملة.


جو هيو يدير 3 مصانع: تكفينا دعوات المصريين

الصينى جو هيو يدير ثلاثة مصانع داخل منطقة «شق الثعبان»، ولديه من الأولاد أربعة، يعيشون جميعهم بالصين بمقاطعة «غوانزو»، إحدى المقاطعات الصينية التى لم يصبها الوباء، وهو يبيت داخل أحد المصانع التى يستأجرها بغرفة علوية متواضعة.
يقول: «أسمع دعوات المصريين لنا بالتخلص من وباء كورونا والشفاء منه فأسعد كثيرًا»، ويشير إلى أنه عاشر المصريين لمدة ٧ سنوات كاملة، ولمس فيهم مدى حبهم الشديد للأجانب، وحرصهم على عدم إشعارهم بأنهم ببلد غير بلادهم.
ويشير «جو هيو» إلى أنه دائم الاتصال بأسرته، وهم إلى الآن بخير، ولم يصب أحدهم بمكروه، لكنه سمع بوفاة أحد أصدقائه مصابًا بوباء «كورونا»، وهذا ما أحزنه كثيرًا، مستدركًا: «الصين قادرة على التغلب على هذا المرض».

ستيفن: أسرتى بعيدة عن «مدينة الوباء»
بأحد المصانع استقبلنا «ستيفن ليو»، وهو أحد المستأجرين لعدة مصانع للجرانيت، مرتديًا كمامتين على أنفه، واحدة من القماش والأخرى من النايلون، يقول: «تركت زوجتى وأولادى بمدينة شنغهاى بالصين، من أجل الاستثمار داخل مصر؛ لما تمثله من سوق حيوية لأى مستثمر أجنبى»، مشيرًا إلى أن مهنته التى يفضلها هى صناعة الجرانيت والرخام، ووجد فى منطقة «شق الثعبان» مستقبل الصناعة بمصر. ويضيف: «خلال سنوات وجودى داخل مصر أسافر لزوجتى وأولادى مرة كل عام لمدة ٤٠ يومًا، وأعود مرة أخرى»، لافتًا إلى أن المقاطعة التى تسكن بها أسرته بعيدة تمامًا عن مدينة «ووهان»، تلك المقاطعة التى انتشر بها وباء «كورونا».
ولكنه يستدرك قائلًا: «من الحين للآخر ينتابنى الخوف على أسرتى من انتشار المرض إلى مقاطعتهم وإصابتهم به، لذا فأنا أتابع يوميًا أحوالهم تليفونيًا وعبر وسائل التواصل الاجتماعى».