رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«ساحر الضوء».. رمسيس مرزوق: ندمت على جميع أعمالى السينمائية

رمسيس مرزوق
رمسيس مرزوق

رمسيس مرزوق.. رقم صعب فى عالم الكاميرا، شارك فى أروع وأضخم التجارب التى شهدتها السينما المصرية على مدار تاريخها، وكانت له مسيرة طويلة مع أشهر المخرجين والفنانين، مثل يوسف شاهين وأحمد زكى وفاتن حمامة وغيرهم.

غير أنه يغيب منذ فترة، بإرادته الكاملة، فهو ليس مجبرًا على أن يقدم شيئًا غير مقنع بالنسبة له، فعلها فى شبابه كثيرًا، ولن يتخلى عن قناعاته الآن، لكن «رمسيس» ليس منعزلًا عن الواقع، بل يشتبك معه دائمًا، وقت حكم الجماعة الإرهابية وبعد أن سقطت كان فى قلب المواجهة بأفلام، مدتها لا تزيد على دقيقة، لكنها تكشف حقيقة «الإخوان»، خصوصًا لدى الغرب، دولًا وشعوبًا.
ولأنه ليس منعزلًا أو مجبرًا على الانعزال، وافق على أن يفتح قلبه لـ«الدستور»، متحدثًا عن مراحل علاقته بالفن، وتفاصيل دراسته، وكواليس أشهر الأعمال التى شارك فيها، ورؤيته للواقع الفنى المعاصر.

■ متى بدأ عشقك للكاميرا؟
- الفضل فى ذلك يعود إلى الدكتور عثمان أمين، أستاذ الفلسفة فى كلية الآداب، فهو مَن نصحنى قائلًا: «ليس من المهم الكلية التى سوف تدرس بها.. لكن الأهم هو ما تحبه»، حينها كنت أفكر فى الدراسة بكلية العلوم، كنت أحلم بأن أصبح عالم «ذرة»، لكنى كنت ضعيفًا فى اللغتين الإنجليزية والفرنسية، فقررت أن أتجه إلى التصوير، ومن هنا بدأت علاقتى بالكاميرا منذ السنة الأولى من دراستى الفنون التطبيقية، وأنصح كل إنسان أن يحب مهنته.
■ أنت شهير بابتكار الأشياء التى تساعدك على التصوير.. هل تتذكر أيًا منها؟
- نعم.. أنا اخترعت الأمبريلا.. فى استديوهات التصوير يستخدمون الأمبريلا أو الشمسية التى يرتد عنها الضوء، وهى التى تمنح للمصور الضوء الناعم، وكنت أول من استخدم الشمسية، حين كنت أصور مع المخرج حسن الإمام واحتجت وقتها لإضاءة ناعمة، وجربت الألواح وغيرها، لكنها كانت تشتت النور فلم أحصل على الضوء الناعم، لذلك أحضرت بعض الشمسيات واستخدمتها لكى أحصل على الضوء الناعم وأفلحت الخطة، وحصلت على الإضاءة التى احتجتها، وبعدها انتشرت الفكرة فى كل ربوع العالم، واستخدمها المصورون فى أنحاء الدنيا، وأخطأت كثيرًا حين لم أقم بتسجيل فكرتى كبراءة اختراع، وبالتالى أصبحت من حق الكل وليس لها صاحب.
وأذكر أن حسن الإمام حين دخل موقع التصوير ووجد الكثير من الشمسيات التى استخدمتها كأمبريلا استغرب وقال: هل الدنيا تمطر؟، ثم شرحت له الفكرة بعد ذلك واستوعبها.
■ على مدار مسيرتك.. مَن أفضل ممثل عملت معه؟
- جميع من عملت معهم رائعون.. لكنى كنت أفضل أحمد زكى ومحمود عبدالعزيز، وجميع من عملت معهم كانوا مطيعين، والممثل طالما يعبر بطريقة صحيحة عن الموضوع الذى يؤديه، يجعل الصورة تصل إلى قلبك ويخرج العمل بطريقة جميلة.
■ عملت مع الراحل يوسف شاهين.. ما كواليس هذه الفترة؟
- يوسف شاهين مدرسة كبيرة وعميقة، ومهما تحدثت لن أوفيه حقه، لأن له اتجاهًا وفنًا قائمًا به وحده، وأكبر مكسب لى أننى استمررت معه حتى آخر أعماله، والحقيقة أننى استفدت منه كثيرًا على المستوى الشخصى، فقد كنت أتعلم منه حتى فى التصوير والمشاهد، فقد كان يحب أن يظهر عمله على أكمل وجه.
■ «هى فوضى» كان آخر مشاركاتك معه.. ما الذى تتذكره عن هذه التجربة؟
- «هى فوضى» من الأعمال التى نفذها يوسف شاهين وهو قعيد على الكرسى، لكن لم تكن هناك لقطة تخرج من أمامه إلا وتكون متقنة بشكل كبير، وهناك بعض اللقطات تمت إعادتها ٢٠ مرة وهو جالس إلى أن يصل إلى ما يريده منها، وكان محبًا للفن بشكل كبير ويتقن فى كل أعماله السينمائية، ولم يكن هناك عمل يتم دون أن يكون مقتنعًا به.
■ كانت لك تجارب أيضًا فى العمل مع النجمات.. أيهن أثرت فيك؟
- فاتن حمامة تمتلك إنسانية لا يتصورها أحد، وكانت من أفضل الناس الذين يمكن أن يتعامل معهم الفرد داخل الوسط الفنى، هى متواضعة للغاية، وكنت أطلق عليها «القديسة فاتن».
والمطربة «وردة» إنسانة لطيفة وسهل التعامل معها، وكانت عندما أطلب منها الوقوف فى أى مكان تستجيب، فهى شخصية تفهم ماذا تفعل، وهذا جيد لأى ممثل، لهذا يجب أن يكون الفنان على وعى بما يفعله وما يفعله الآخرون أيضًا، حتى يخرج العمل بشكل ناجح.
■ قيل إنك رفضت العمل مع سعاد حسنى.. ما حقيقة ذلك؟
- أنا عملت معها ٤ أيام وتركتها، لأنها كانت تتدخل كثيرًا فى التصوير، فمثلًا تريد أن تتصور من الجانب الأيسر أكثر مما تحب أن تتصور من الجانب الأيمن، وكانت تحب أن تظهر صورتها بشكل معين، لذا أرادت إخفاء تفاصيل بوجهها، وأنا لا أحب أن يتدخل أحد فى عملى، لذلك قررت تركها.
■ هل ندمت على ذلك؟
- وقتها ظللت بلا عمل نحو ٥ سنوات، لأنى أحب أن أخوض التجارب القريبة من قلبى، لذلك كنت لا أحب أن يتدخل أى فنان فى سير العمل والتصوير، وأنا لا أعترض على سعاد حسنى كفنانة كبيرة، لكن كنت أعيب عليها أنها كانت تتدخل فى أعمال فنية أخرى ليست لديها خبرة فيها.
■ ماذا فعلت فى تلك السنوات؟
- كنت أجلس فى المنزل، حينها ظهرت شائعة أننى لا أحب أن أعمل مع الفنانات، وأنهن لا يعجبننى.
■ «زائر الفجر».. فيلم منعته الرقابة رغم تكريمك من الرئيس السادات.. لماذا حدث ذلك؟
- هذا الفيلم عُرض ثم تم منعه فترة، بسبب أقاويل البعض إنه يهاجم الدولة، لكن الحقيقة أن الفيلم تعبير عن أخطاء داخل المجتمع، وعبرت عنها بكل وضوح وصراحة، فقامت الرقابة بمنعه ثم بعدما تبينت الحقيقة عرض مرة أخرى فى السينمات.
■ قدمت أكثر من ١٠٠ عمل سينمائى.. أيها الأقرب إلى قلبك؟
- فيلم «الاختيار» يعتبر «أحسن الوحشين»، فبالنسبة لى لا أحب أن أقيّم أعمالى، لأنى مقتنع بأن الجمهور هو من يجب أن يقيّم، لذلك أنا أعتبر بأن الفن تقدير من الناقد والمتلقى.

■ معنى ذلك أنك ندمت على أعمال معينة؟
- ندمت على كل أعمالى، لأنى لم أفعل شيئًا ذا قيمة عالية بالنسبة لى، لأنى شعرت بأن بعضها به نقص، ولا أستطيع أن أقول هذا أحسن وذلك أفضل، ولا أستطيع أن أقول هذه الصورة أفضل صورة وهذه لا، فكل صورة بها عيبها، وليس هناك إنسان يقوم بعمل كامل، وإلا لم تكن هناك حاجة إلى الجديد.
وفى كل تجاربى كنت أحاول أن أظهر شيئًا أفضل من ذى قبل، والفنان الذى يقول: «أنا قدمت العمل الكامل» يجب أن يتقاعد، وهذا ما يجعلنى أكافح وأستمر فى تنفيذ المعارض، وأعرف ما العيوب الموجودة فى الأعمال وأحاول أن أحسن من نفسى.
■ لكن إذا أردنا التقييم أو التصنيف.. هل يمكن أن نعتبر أعمالك أقرب إلى «الشعبية»؟
- نعم، هذه مصر وتلك البيئة هى كل حياتى، والشعبية هى التى منحتنى الحياة، وهذه الحياة التى نحياها هى التى نشعر بها ونعبر عنها، لأنى لا أحب أن أعبر عن الأشياء التى أعيشها أنا وأصدقائى وأسرتى، وليس عكس ذلك.
■ عملت فى إيطاليا وحصلت على الدكتوراه من فرنسا.. فلماذا لم تستمر هناك؟
- رغم نجاحى الكبير فى فرنسا، لكن هذه بلدى وحياتى، لذلك عندما جاءت لى فرصة العمل فى أول فيلم مصرى ليوسف فرنسيس تركت كل هذا النجاح، لأن إحساسى بهذا البلد دفعنى لأن أقدم شيئًا له، وهنا أنا أعبر عن نفسى ووطنى وحياتى، لكن فى فرنسا لم تكن تربطنى بمن حولى ذكريات، ولا توجد أى علاقة نفسية معهم، وبالتالى عملت هناك كمحترف وليس فنانًا، لأن هذه المهنة تنقصها دائمًا الروح، والروح موجودة هنا فى بلدى وفيمن حولى.
■ بمناسبة الحديث عن الوطن.. قدمت فيلمًا ترجم إلى عدد من لغات العالم لفضح تنظيم الإخوان.. ما كواليس هذا العمل؟
- هى ٣ أفلام، «مصر تنقذ العالم من الإرهاب»، و«للإخوان تاريخ فى حرق مصر»، و«الإرهاب فى أرض الفيروز»، وقدمتها عندما بدأ الإخوان يقدمون صورة مزيفة عما يحدث فى مصر، من هنا بدأت أفكر فى كيفية الرد عليهم بنفس طريقتهم، أنا عشت فى فرنسا وأوروبا، وأعرف كيف يفكرون وأفهم عقليتهم، لذلك نفذت هذا الفيلم الذى يحتوى على معلومة سريعة مع صورة دون تعليق، فكانت الصورة هى المعبرة عن جرائم الإخوان فى مصر. وكان أول الأفلام لفضح كذب هذه الجماعة، هذه الدقائق الصغيرة التى كشفت هذا التنظيم وكشفت كذبه، لأنهم كانوا يصدرون صورة كاذبة أن الدولة تقتلهم، وهذا مخالف للحقيقة، وكانت الأفلام عبارة عن صورة من وسائل الإعلام تتم تنقيتها وتركيبها. وعلاقة الإخوان بالتخريب قديمة منذ إنشائها، واليوم ظهرت حقيقتهم للجميع، وأنا تعمدت أن أكشف كذبهم على الشعوب، فكنت آخذ أهم الجمل التى لا تحتاج إلى تعليق وأربطها بالصورة، فمثلًا صورة حريق القاهرة كانت تشرح كل شىء، وعرضت الأفلام فى إيطاليا وباريس وبريطانيا.
■ هل يمكن أن يسهم الفن فى القضاء على التطرف؟
- بكل تأكيد.. فالفنان الحقيقى هو الذى يقود المجتمع، لذلك لا بد أن يعبر الفن عن الواقع والحياة، والسينما فى السابق هى من علمت العالم العربى اللغة واللهجة المصرية، فكنا نمتلك الفنان المثقف، لذلك يجب أن تعود الدولة بكامل قوتها للنهوض بالسينما، فأول صناعة فى مصر كانت السينما، وأول إيرادات كانت تدخل مصر كانت من السينما.
■ على مدار مشوارك حصلت على العديد من التكريمات.. ماذا عن أول جائزة نلتها؟
- أول جائزة حصلت عليها فى التصوير كانت عن صورة التقطتها فى حملة لوزارة الداخلية للقضاء على المخدرات، والصورة كانت عبارة عن جمجمة و«شيشة»، وحصلت على الجائزة الأولى وقتها، وكنت فى السنة الأولى من الكلية وكانت معبرة جدًا، وتحمل رسالة أن مدمن المخدرات سوف ينتهى به المطاف إلى الموت.
■ حصلت على جائزة أفضل ١٠٠ شخصية مؤثرة فى عالم السينما بأكاديمية الفنون فى إنجلترا.. ماذا تمثل لك هذه الجائزة؟
- أنا فوجئت بهذه الجائزة بعد الإعلان عنها بـ٥ سنوات من أحد أصدقائى، وكانت مفاجأة بالنسبة لى وأطلقوا علىّ «ساحر الضوء».
■ ننتقل إلى الفترة الحالية.. ما رأيك فى التصوير المصرى المعاصر؟
- لا يعجبنى، وهناك اتهام موجه للفنان بأنه لا يقوم بدوره فى تغيير وعى وثقافة المجتمع، ويرجع ذلك لأن قطاع الإنتاج انتهى، وقطاع السينما انتهى، وبالتالى كل شخص يفعل ما يحب دون رقابة.
■ لكن ألم يتطور فن التصوير؟
- نعم تطور، الإمكانيات أصبحت أكثر، لكن التصوير نفسه أصبح مهملًا ولا يهتم بالتعبير والإسقاطات والإضاءة وتوزيعها، وتغيرت الرمزيات، وأنا توقفت منذ ١٠ سنوات، لأن الموضوعات نفسها لا تعجبنى، ما الجديد الذى سأقدمه بعد كل ما فعلته؟، كل سيناريو لم يعجبنى رفضته، لا بد أن يعجبنى سير الموضوع وهدفه، وكل سيناريو أقرأه أكثر من ٣ مرات وأدرسه بتأنٍ، وكل ما عرض علىّ فى الفترة الأخيرة رفضته تمامًا.

ما سر تسمية جميع أشقائك بأسماء فرعونية؟
- أبى كان أثريًا، فأطلق علينا جميعًا أسماء فرعونية، فأخى الأكبر هو خوفو، والأصغر زوسر، وأنا رمسيس، وأختاى هما نتوكريس ونفرتيتى، ونتوكريس هى أيضًا ملكة من ملكات الفراعنة.
وكانت محبة والدى للآثار كبيرة، حتى إنه تخيل أنه يعيش فى عصر فرعونى، وهذا الأمر جعله يطلق علينا هذه الأسماء، وبطاقاتنا الشخصية مكتوبة فيها أسماؤنا الحقيقية، بطاقتى مكتوب فيها رعمسيس، وكذلك رخصة القيادة، ثم تخليت عن حرف العين، فتم تسجيلها فيما بعد «رمسيس»، أما إخوتى فعاشوا بأسمائهم الحقيقية والمدونة فى بطاقاتهم.