رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحوينى واعترافاته الليلية


جلس الرجل العجوز على كرسيه، وظهر الوهن والضعف عليه، ثم أخذ يوجه بعض النصائح للشباب المتعجلين، فقال لهم: لا تتعجلوا فى إصدار كتب قبل أن تنضجوا، ثم روى الرجل وقد أخذه الوهن أنه اضطر فى شبابه كى ينال الشهرة، وعندما كان حظ نفسه يتحكم فيه، إلى الاستعانة فى كتبه ودروسه بأحاديث ضعيفة، وأنه قال وقتئذ إنها أحاديث صحيحة، وما فعل ذلك إلا لينال شهرة، إذ يبدو أن هذه الأحاديث الضعيفة كانت تستهوى نفوس العامة، لم يهتم الشيخ وقتها بالدين، ولم يقف عند صحيح العلم، ولكنه بحث عن نفسه فقط، فهان عنده الدين.
وحينما كان الشيخ يلقى اعترافاته أمام جمهرة من تلاميذه، كان بعضهم سعيدًا، يبدو السرور على محياهم، وكأنما الرجل يقدم لهم علمًا دينيًا يغزو مشاعرهم، وقد تعجبت من هذه الوجوه المبتسمة التى كانت تقف خلف الشيخ، إذ لو كان الشيخ يقول لهم إنه اعتمد على هذه الأحاديث الضعيفة فى دروسه ظنًا منه، أو جهلًا منه، بضعفها ووجوب عدم الأخذ بها، لكان ذلك الرجل يُعذر بجهله، ولكن كيف يكون من قالوا عنه إنه أعلم أهل الأرض أن يعترف بجهله؟ أيقول للناس كنت جاهلًا وأنا أعلم أهل الأرض وتفوقت فى علوم الحديث على الألبانى والبخارى ومسلم وجميع علماء الحديث على مدار التاريخ؟ لذلك لا محيص من أن يدلى باعترافه الليلى ويقول إنه كان يعلم أن هذه الأحاديث ضعيفة، وإنه رغم علمه هذا قال إنها صحيحة، أى أنه كذب على الناس، وفى علم الجرح والتعديل الرجل الذى يكون كذابًا لا يجب أن نأخذ عنه أبدًا، فما بالك لو برر كذبه بأن حظ نفسه ورغبته فى الشهرة هما اللذان دفعاه للكذب، لقد أسقط الرجل بذلك نفسه وأصبح بهذا الاعتراف «أجهل أهل الأرض بعلوم الحديث».
تعرفون الآن أننى أتحدث عن الشيخ حجازى محمد يوسف الذى تخرج فى كلية الألسن قسم اللغة الإسبانية، ثم ظهر فى بواكير شبابه على الناس وهو يرتدى جلبابًا أبيض، ويضع على رأسه غطرة خليجية من تلك التى يضعها على رءوسهم مشايخ الحركة الوهابية، وأطلق لحيته حتى كادت تصل إلى بطنه، ثم أطلق على نفسه اسمًا جديدًا هجر به حياته المدنية ليدخل فى رحاب منصبه الدينى الجديد، وكان الاسم الدينى الذى اختاره لنفسه هو «أبوإسحاق الحوينى» ومن بعد ذلك قال للناس: لقد أخذت علم الحديث عن الشيخ ناصرالدين الألبانى.
استطاع هذا الرجل أن يجمع حوله عددًا من الشباب الذين تأثروا به ورفعوه إلى مقامات عليا، ثم قام بحشو رءوسهم بكم من الفتاوى التى تدل على أنه صاحب نفسية مريضة، ويكفى أن أشير إلى أنه أفتى بصحة حديث رضاع الكبير، وقال إن الكبير يجب أن يلتقم ثدى المرأة ويرضع منها حتى تصبح محرمة عليه! ثم أفتى بوجوب أن نقوم بغزو البلاد وسبى النساء واستعباد الرجال وعمل سوق نخاسة لنرتزق وينتعش اقتصادنا! وغير ذلك كثير وكثير، ولكن الأسوأ هو أنه ترك الخُلق القويم وهو يبدى تلك الفتاوى، وكان مما أوقع نفسه فيه أنه فى أحد دروسه قال: «دخول كلية الحقوق حرام لأن دى بتدرس القوانين الوضعية وهذا حكم بغير ما أنزل الله وووو»، وليكن، لن أناقشك الآن يا حجازى أيها الأخ الفاضل فى هذه الغزارة العلمية التى تنوء بحملها الجبال، ولكن أليس معنى هذا أنك لا ينبغى أبدًا يا عم الشيخ أن تلجأ للمحاكم الوضعية التى تحكم بغير ما أنزل الله إلا لضرورة متعلقة بدفع ضرر محدق؟ فلو حدثت ضرورة ورفع عليك أحدهم جنحة سب وقذف، لأنك كثيرًا ما تسب الناس عدوًا بغير علم، وخلت الدنيا من حولك فلم تستطع أن توكل محاميًا فماذا أنت فاعل يومئذ؟! وقد يحدث أن يرفع أحدهم عليك دعوى قضائية بخصوص مال أخذته منه ولم ترده، فأنت مضطر إذن لتوكيل أبرع المحامين، فماذا أنت فاعل يا حجازى؟! وخذ بالك أن رعونة فتواك تتمثل فى أنك لم تحرم العمل بالمحاماة أو اعتلاء منصة القضاء أو النيابة فقط، ولكنك حرمت دخول كلية الحقوق من الأصل حتى ولو من باب الدراسة!
ولو كان ذلك كذلك لهان الخطب، ولكنك يا حجازى قلت فى درس آخر قولًا غريبًا عجيبًا رهيبًا مريبًا هو أنك ذات يوم نصحت الشيخ الشعراوى، رحمه الله، عن طريق خطبة ألقيتها بأن يرفع قضية على صحفى انتقده أو شتمه وقلت بالحرف الواحد: «فأنا قلت إنه يرفع قضية على الصحفى ده ويجرجره فى المحاكم، لأن دول ما يجوش غير بكده، لأ مش كده وبس أنا قلت إن الشعراوى له أتباع كتير فكل واحد من أتباعه يرفع على الصحفى ده قضية فى كل مدينة من مدن الجمهورية وبكده الصحفى ده يتأدب»، يا للنهار الأسْوَد من قرن الخروب، هل نصحت الشعراوى بأن يرتكب حرامًا يا حجازى فيلجأ للمحاكم التى تحكم بغير ما أنزل الله لغير ضرر محدق ولكن فقط لينتقم لنفسه من صحفى انتقده؟! ثم هل نصحته بألا يجعل القضية مقصورة على الحصول على حقه ولكن يجعلها رحلة حرام فى حرام، حيث يتنقل الهوينى بين محاكم الجمهورية! والحمد لله أنه لم يستمع لنصيحتك يا أنصح إخوتك، الخلاصة يا حجازى كلية الحقوق حرام فلا ندخلها، أم أنها حلال لدرجة أن نستغلها ونسىء استخدام علومها؟!
وإذا كنت فى اعترافاتك الليلية قد كشفت عن خبيئة نفسك يا عم حجازى، وأثبت على نفسك الكذب، فهل كانت تلك أول تناقضاتك؟ والله الذى لا إله إلا هو لو قمنا بإحصاء تناقضات هذا الشيخ لوجب على مهاويسه تركه والندم على التحلق حوله وأخذ علم الحديث منه، وكانت آية ذلك أنك تلقيت العلم مشافهة من الشيخ الألبانى الذى كانت له شهرة كبيرة فى علم الحديث، وإن كانت شهرته لا تتوافق مع ما لديه من معرفة، ولهذا الموضوع وقت آخر، ولكن لخيبة الأمل أنكر الألبانى أنه أعطاك إجازة يا أخ حجازى، وقال فى تسجيل صوتى إنه لا يعرفك، وإن كثيرًا من الناس يدعون ذلك، وبالتالى بات حجازى خالى الوفاض لا شيخ له ولا مشيخة، ومن الغرائب المذهلة أن شيخه الألبانى نفسه لا شيخ له ولا مشيخة.
وفى درس آخر انتقد الشيخ حجازى الدكتور على جمعة، فقال إنه كتب على موقعه الإلكترونى عبارة: «العلامة على جمعة» لك حق يا حجازى إذ ليس من اللائق أن يصف الرجل نفسه بالعلامة أو العالم، أخطأت يا دكتور على، أنا معك «يا أبوحجازى» فيما تقول، ولا يهمك يا عم الشيخ، حقك علينا، ولكن انتظر لحظة، لقد أوقعت أنت نفسك فيما انتقدت فيه غيرك! فقد وصفت نفسك بالعالم فى كثير من دروسك حتى إن أدمغتنا كادت تتفتت من الصداع الذى أصابها من تزكيتك لنفسك، أتذكر يا حجازى يوم أن طلبت من جمهورك أن يكون مقلدًا لا مجددًا؟ فقلت يجب على كل واحد منكم أن يقلد عالمًا، ثم استطردت فقلتَ: «يعنى أنا عالم، فممكن تقلدونى»، وكم سمعناك وأنت تقول عن نفسك: «إحنا العلماء.. إحنا العلماء»، أحرامٌ على «جمعة» العلامة، حلالٌ على «حجازى» العالم فى كل وقت؟!
ولأن حجازى كشف نفسه، فحق لنا أن نكشف ما غاب عن الناس، ولا أظن أن اعترافاته الليلية ستسحب جمهوره منه، فجمهوره للأسف من ذوى العقول المغلقة، وإن كنت من باب النصيحة أكتب لهم ليوقظوا عقولهم من نومها، لذلك ستكون لنا عودة عن الشيخ وأكاذيبه فى المقال المقبل إن شاء الله.