رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دعموا الإرهابيين.. وعاقبوا الدولة!


أنت صاحب شركة، مصنع، ورشة، قهوة أو افترض أى كيان آخر يضم عددًا من الموظفين والعمال، حدث أن طالبتك جهة ما بأن توقف أحدهم عن العمل، لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد، وأن تدفع له نصف راتبه طوال تلك الفترة. فهل تكون تلك الجهة قد عاقبت ذلك العامل أو الموظف فقط، أم عاقبتك أنت أيضًا؟! وهل يتساوى الضرر الذى وقع عليه، لارتكابه فعلًا ما أو جريمة ما، عن ذلك الذى وقع عليك بلا أى سبب أو مبرر؟!
بهذا التبسيط المخل، يمكننا تناول التعديلات التى أدخلها مجلس النواب خلال جلسته العامة، يوم الإثنين، على مشروع قانون قدمته الحكومة بتعديل بعض أحكام القانون رقم ٨ لسنة ٢٠١٥ فى شأن تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين. وكان بين التعديلات التى تقدمت بها الحكومة إنهاء الخدمة بالوظائف العامة، أو إنهاء التعاقد بشركات القطاع العام وشركات قطاع الأعمال العام، بحسب الأحوال، وعدم التعيين أو التعاقد بأى منهما. لكن المجلس قرر تعديل ذلك التعديل، مكتفيًا بالوقف عن العمل، مع حصول الموظف على نصف المرتب لحين صدور حكم قضائى نهائى بات، بزعم أن هذا الإجراء «مؤقت وتحفظى ولا يمكن أن تترتب عليه نتيجة نهائية»!.
المعضلة، هى أن قرار الإدراج، طبقًا للقانون المراد تعديله وللتعديلات التى وافق عليها المجلس، يترتب عليه «فقدان شرط حسن السمعة والسيرة، اللازم لتولى الوظائف والمناصب العامة أو النيابية». الأمر الذى يتناقض بشكل واضح مع تعديل مجلس النواب لهذا البند، ومع تعديله أيضًا البند الخاص بعضوية «النقابات المهنية ومجالس إدارات الشركات والجمعيات والمؤسسات وأى كيان تسهم فيه الدولة أو المواطنون بنصيب ما، ومجالس إدارات الأندية والاتحادات الرياضية، وأى كيان مخصص للمنفعة العامة».الذى قرر، أيضًا، الاكتفاء بتجميد العضوية، وليس إسقاطها. فهل يكون منطقيًا، معقولًا أو مقبولًا، أن يظل الشخص فاقد شرط «حسن السمعة» محتفظًا بمكانه ومكانته حتى ترتد إليه سمعته لو ارتدت. مع الوضع فى الاعتبار أن الإدراج «المؤقت» على أى من القائمتين تصل مدته إلى ثلاث سنوات «فإذا انقضت مدة الإدراج دون صدور حكم نهائى»، تعين على النيابة العامة «إعادة العرض» للنظر فى «مد الإدراج لمدة أخرى».
ما يثير الدهشة، وربما السخرية، هو زعم بعض أعضاء مجلس النواب، وعلى رأسهم رئيس المجلس، أستاذ القانون الدستورى، بأن حرمان المدرجة أسماؤهم على قوائم الإرهاب من «الدعم التموينى» أو من الاستفادة بأى دعم تقدمه الدولة، سيكون «إخلالًا بمبدأ المساواة». ولا تفسير لذلك، غير اعتقاد هؤلاء بأن الدعم حق لكل المواطنين، مَن استحق منهم ومَن لم يستحق. بينما الثابت، هو أن الدعم يكون سفهًا لو ذهب إلى غير مستحقيه، وإلا لكانت وزارة التموين قد أخلت بذلك المبدأ، مبدأ عدم المساواة، حين قامت بتنقية بطاقات التموين استنادًا إلى محددات لجنة العدالة الاجتماعية.
تعديلات المجلس على تعديلات الحكومة، قد تكون حلًا وسطًا، أو منطقيًا، لو كانت قرارات الإدراج على قائمتى الكيانات الإرهابية والإرهابيين، تصدر حسب الهوى، «على المصطبة» أو بناء على تحريات الشرطة. لكن لو عدت للمادة الثالثة فى القانون، المراد تعديله، ستجد أنها نصت بوضوح على أن الإدراج من اختصاص «دائرة أو أكثر من دوائر الجنايات بمحكمة استئناف القاهرة تحددها الجمعية العمومية للمحكمة سنويًا تكون منعقدة فى غرفة المشورة». كما ستجد أن طلب الإدراج «يقدمه النائب العام إلى الدائرة المختصة مشفوعًا بالتحقيقات والمستندات المؤيدة لهذا الطلب». ثم «تفصل الدائرة المختصة فى طلب الإدراج بقرار مسبب خلال سبعة أيام من تاريخ تقديم الطلب لها مستوفيًا المستندات اللازمة».
أضف إلى ذلك أن ذوى الشأن بإمكانهم الطعن فى قرار الإدراج على أى من القائمتين، خلال ستين يومًا، أمام الدائرة الجنائية بمحكمة النقض التى تحددها الجمعية العمومية للمحكمة سنويًا، طبقًا للمادة السادسة من القانون المراد تعديله، التى أضافت لها التعديلات فقرة ثانية، منحت ذوى الشأن حق «تضمين الطعن طلب السماح باستثناء بعض المبالغ من الأموال أو الأصول الأخرى المجمدة للوفاء بمتطلباتهم»، كشراء المواد الغذائية، الإيجار، الأدوية، العلاج الطبى أو غيرها من النفقات.
أخيرًا، وبعيدًا عن أى «كلام تخين»، تخريجات أو مبررات، فإن تعديلات مجلس النواب عاقبت الدولة، وشركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام، حين ألزمتها بصرف نصف رواتب موقوفين عن العمل، بحكم القانون. كما عاقبتها أيضًا حين ألزمتها بأن تظل أماكن هؤلاء شاغرة، انتظارًا لعودتهم، التى قد تطول. وبالتالى، لن تتمكن من أن تستبدل بهم آخرين، ما يعنى تعطيل المراكب السايرة، إلا لو افترضنا أو سلّمنا بأن وجود هؤلاء «زى قلته»، أى بلا جدوى!.