رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خارطة طريق للثقافة


هذا العنوان، قد يكون مطروحًا على سبيل المزاح، إن لم يكن يعنى شيئًا آخر غير المقصود من المصطلح، هو سيناريوهات الوضع فى المستقبل، ونقول هناك خارطة طريق للمستقبل الثقافى، وبالفعل تم تنفيذ خارطة طريق لمصر، بإحكام تام فى المجال السياسى فقط.
أما فى الثقافة فأعتقد أنه صعب تنفيذها لعدة اعتبارات:
الأول: إن السياسة الثقافية عندنا غير واضحة المعالم، لأننا لا نعلم فى أى اتجاه نسير، هل نريد أن نكون دولة منتجة للثقافة: كتب، أفلام، مسرحيات، دراما، أم أننا نريد أن نكون مستهلكين لهذا المنتج؟ فإذا فكرنا فى مجال واحد من تلك المجالات فسنجد أننا بالفعل عاجزون عن الوصول إلى هدف، لسبب بسيط جدًا هو أننا لا نملك القدرة على تطويع كل أجهزة الدولة لتتعاون مع الوزير المختص بالثقافة، من أجل هدف واحد نحققه فى مجال واحد، وليكن الكتاب الذى لو تمكنا من إنتاجه بطريقة جيدة فسيصبح أكثر فاعلية وقدرة على تحقيق الريادة لنا.
الثانى: إن الوزير هو الذى يرسم السياسة الثقافية، وما دمنا ننتقى الوزير من بين النخبة الثقافية التى أفسدتها التجارب الماضية، فإن الوزير سيأتى بنفس الأفكار القديمة والبالية والمكررة، فقد تناوب على مصر خمسة وزراء للثقافة فى أربع سنوات، وفى فترة من الفترات كان رئيس الوزراء لا يجد وزيرًا للثقافة، فاختار أحد رجال الأحزاب. ولما اعترض عليه المثقفون استبدلوه بوزير سابق كان فى الوزارة، نكاية فى المثقفين. وبالتالى لا فكر، ولا هدف، ولا تفكير فى خطة يتم تنفيذها.
الثالث: إنه أصبح لدينا إسهال فى الإنتاج الثقافى، يمارس فيه القطاع الخاص دورًا محوريًا، فأصبحت لدينا وفرة فى الروايات، والشعر، والكتب، والأفلام، والمسلسلات، ومعظمه إنتاج تافه لا يرقى للمنافسة، ولا يمكنه الاقتراب من المجال المكسيكى أو التركى أو السورى، أو الأردنى مؤخرًا.
مع الأخذ فى الاعتبار أن لدينا قطاعًا حكوميًا لإنتاج الكتب، يتمثل فى الهيئة العامة للكتاب، وهيئة قصور الثقافة، والمركز القومى للترجمة، والمجلس الأعلى للثقافة، وكلها أجهزة ترهلت، وطغى عليها الفساد، وهيمنت عليها ائتلافات العمال والموظفين، وأصبح كل همهم زيادة الأجور دون الإنتاج. وربما لا يعلم الوزير أن مجال الترجمة فى لبنان أو سوريا أو العراق أفضل بكثير من الترجمة فى مصر، ربما نتيجة إهمال صناعة الكتاب عندنا، ما ترتب عليه هجر المترجمين المحترمين مهنة الترجمة، إلى ترجمة الشهادات والمستندات والرسائل العلمية فى المكاتب الخاصة، بعيدًا عن ترجمة الأدب والثقافة والفنون الأخرى.
مع الأخذ فى الاعتبار تدليل المؤسسة كبار الكتاب عندنا وإغداقها عليهم، وكأن الإبداع توقف عند هؤلاء، حتى عندما يلتقى رئيس الجمهورية الكتّاب والمثقفين، لا يقدم له سوى هؤلاء، الوجوه المعروفة سلفًا، من الذين قابلوا كل رؤساء الجمهورية من عصر عبدالناصر حتى السيسى.
إن المؤسسات الثقافية عندنا أصبحت عاجزة عن مجاراة الفكر الإرهابى، الذى تغلغل حتى النخاع فى تلك المؤسسات نفسها، وقد أصيبت تلك المؤسسات بالشلل، ولم تعد قادرة على درء التطرف والتعصب والتكفير عن جسد الأمة.
ونتساءل: أين هى خارطة الطريق؟