رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القمة الإفريقية.. تحديات وبنادق


تحت شعار «إسكات البنادق لتهيئة الظروف المواتية لتنمية إفريقيا»، انطلقت أمس الأحد، فى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، أعمال القمة الإفريقية الثالثة والثلاثين، التى افتتحها الرئيس عبدالفتاح السيسى باستعراض حصاد رئاسته للاتحاد الإفريقى، وتناول أبرز التحديات التى تواجه دول القارة، قبل أن يقوم بتسليم رئاسة القمة إلى سيريل رامفوسا، رئيس جنوب إفريقيا.
منذ سبع سنوات، وبمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيس منظمة الوحدة الإفريقية، التى تغير اسمها، لاحقًا، الاتحاد الإفريقى، تعهد قادة وزعماء دول القارة بـ«إنهاء جميع الحروب فى إفريقيا بحلول سنة ٢٠٢٠»، وأطلقوا مبادرة «إسكات البنادق»، غير أن ذلك لم يحدث، ولم تتمكن دول القارة من الالتزام بالإطار الزمنى المحدد للمبادرة، أو بخارطة الطريق التى وضعها الاتحاد. وطبيعى ألا تسكت البنادق، وألا تسفر كل الجهود عن أى شىء، مع استمرار الصراعات وتصاعد التوترات وتعقّد النزاعات، وتمدّد الجماعات والتنظيمات الإرهابية، التى تنطق غالبيتها، كما غالبية بنادقها، بلسان تركى، قطرى وإسرائيلى، زاعق وناعق.
كانت «لجنة التعاون والعلاقات الدولية وفض النزاعات» بالبرلمان الإفريقى، قد اجتمعت، فى ٧ أغسطس الماضى، بمقر مجلس النواب بالقاهرة. وفى هذا الاجتماع، قال إدمور كامبودزى، المسئول عن إعداد تقرير الأمن والسلم فى إفريقيا، إن دول القارة لن تتمكن من «إسكات البنادق»، لأنها لا تستطيع اتخاذ قرارات بمفردها ولا تحاول إيجاد حلول لصراعاتها. وطالب البرلمان الإفريقى بإعلان أسماء الدول التى تقوم بتهريب السلاح وتقف وراء استمرار النزاعات، متهمًا بعض الحكومات الإفريقية بالتستر على تلك الدول. ووقتها، استوقفنا أن الرجل فعل الشىء نفسه، حين لم يذكر اسم تركيا وهو يشير إلى تورط «دولة بمنطقة الشرق الأوسط».
قبيل انطلاق القمة الإفريقية، انعقد «منتدى الآلية الإفريقية لمراجعة النظراء»، يوم السبت، الذى احتفل فى أبريل الماضى، بمدينة شرم الشيخ بمرور ستة عشر عامًا على تأسيسه. والمؤسف أن مصر ظلت غائبة، طوال سنوات طويلة، عن تلك التجربة المهمة، التى جاءت بعد أن أدرك الزعماء الأفارقة ضرورة القيام بالإصلاح من الداخل، دون تدخل أى طرف خارجى.
مساء السبت، أيضًا، عقد «مجلس السلم والأمن الإفريقى» اجتماعًا بشأن ليبيا. وفى هذا الاجتماع رهن الرئيس السيسى تحقيق الاستقرار الأمنى فى الدولة الشقيقة بـ«إيجاد وسيلة لتسوية سلمية للأزمة تقضى على حالة تهميش بعض المناطق الليبية، وتتيح التوزيع العادل للسلطة وعوائد الثروة، وتسمح بإعادة بناء مؤسسات دولة، تكون قادرة على الاضطلاع بمسئولياتها تجاه مواطنيها، إضافة إلى دورها ومسئوليتها فى ضبط حدودها لحفظ أمن ليبيا، والحيلولة دون تهديد أمن دول جوارها». ودون أن يذكر اسم تركيا أو غيرها، أبدى الرئيس أسفه من أن «التوافق الدولى الذى رأيناه فى برلين تم انتهاكه من الأطراف الإقليمية المعروفة، والتى لم تتوقف عن خرق حظر توريد السلاح، وعن جلب آلاف المرتزقة من آلات القتل البشرية».
جهود كبيرة بذلتها أطراف دولية وإقليمية لإبعاد دول القارة عن الملف الليبى، منذ أطيح بالرئيس الليبى السابق معمر القذافى، قبل تسع سنوات. وبالفعل، ظلت دول القارة لنحو ثمانى سنوات، تكتفى بالفرجة، ولم يتغير هذا الوضع إلا خلال السنة الأخيرة، وتشكلت لجنة إفريقية رفيعة المستوى معنية بالملف الليبى، برئاسة دينيس ساسو نجيسو، رئيس الكونغو، الذى عرض تقريرًا عن أعمال اللجنة فى اجتماع السبت.
فى كلمته، بالجلسة الافتتاحية، عرض الرئيس السيسى استعداد مصر لاستضافة قمة تهدف إلى إنشاء قوة إفريقية مشتركة لمكافحة الإرهاب. وعقب تسلمه رئاسة الاتحاد، دعا رئيس جنوب إفريقيا إلى عقد قمة استثنائية، فى مايو المقبل، بشأن «مبادرة إسكات البنادق»، كما دعا إلى اجتماع استثنائى حول منطقة التجارة الإفريقية الحرة، بعد أن وجه الشكر للرئيس السيسى على «العمل الشاق الذى قام به خلال ترؤسه الاتحاد»، وبعد تأكيده أن إفريقيا قادرة على بناء الطموحات والتطلعات التى رسمتها لها دول الاتحاد فى إطار أجندة ٢٠٦٣.
صحيح، لا شكر على واجب، لكن الثابت أن الرئيس قام بعمل شاق، وأن مصر قامت، خلال رئاستها للاتحاد الإفريقى، بتسخير كل إمكانياتها وخبراتها لدفع عجلة العمل الإفريقى المشترك وتحقيق مردود إيجابى ملموس من واقع الاحتياجات الفعلية للدول والشعوب الإفريقية، وطرحت رؤيتها لمواجهة التحديات المتعلقة بانتشار بؤر الإرهاب والجريمة المنظمة، التى كانت، مع استمرار النزاعات داخل عدد من الدول، أبرز التحديات التى واجهته القارة خلال العام الماضى.
من مصر إلى جنوب إفريقيا، انتقلت رئاسة القمة الإفريقية، وتسلم رئاسة الاتحاد الإفريقى الرئيس سيريل رامفوسا، الذى أشار تقرير نشرته «مجموعة الأزمات الدولية»، الجمعة الماضى، إلى أنه سيكون عليه التعامل مع حساسيات القادة والزعماء الأفارقة، الذين «يَبدون، إلى الآن، متردّدين بشأن وعود السلام». وطبعًا، نتمنى له التوفيق.