رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحسن البصرى.. مؤسس علم «إصلاح القلوب» «2-٢»


عندما قال رجل لـ«حسن البصرى» ذات يوم: إن قومًا يجالسونك ليجدوا بذلك إلى الوقيعة فيك سبيلًا (أى يتصيدون الأخطاء). فقال: هون عليك يا هذا، فإنى أطمعت نفسى فى الجنان فطمعت، وأطمعتها فى النجاة من النار، فطمعت، وأطمعتها فى السلامة من الناس فلم أجد إلى ذلك سبيلًا، فإن الناس لم يرضوا عن خالقهم ورازقهم فكيف يرضون عن مخلوق مثلهم؟
كان يقول: «يا ابن آدم إنما أنت أيام فإذا ذهب يومك ذهب بعضك، وإذا ذهب البعض يوشك أن يذهب الكل».
ويقول أيضًا: «كل يوم تشرق فيه الشمس ينادى: يا ابن آدم أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد فاغتمنى فإنى لا أعود إلى يوم القيامة».
ومن أقواله: «يا ابن آدم عملك فإنما هو لحمك ودمك، فانظر على أى حال تلقى عملك، إن لأهل التقوى علامات يعرفون بها، صدق الحديث، والوفاء بالعهد، وصلة الرحم، ورحمة الضعفاء، وقلة الفخر والخيلاء، وبذل المعروف، وقلة المباهاة للناس، وحسن الخلق وسعة الخلق مما يقرب إلى الله عز وجل، يا ابن آدم إنك ناظر إلى عملك، يوزن خيره وشره، فلا تحقرن من الخير شيئًا وإن هو صغر، فإنك إذا رأيته سرك مكانه، ولا تحقرن من الشر شيئًا فإنك إذا رأيته ساءك مكانه، فرحم الله رجلًا كسب وأنفقه قصدًا، وقدم فضلًا ليوم فقره وفاقته، هيهات هيهات ذهبت الدنيا، وبقيت الأعمال قلائد فى أعناقكم، وأنتم تسوقون الناس والساعة تسوقكم، وقد أسرع بخياركم فما تنتظرون؟ إنه لا كتاب بعد كتابكم ولا نبى بعد نبيكم، يا ابن آدم بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعًا، ولا تبيعن آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعًا».
كان يقول: هجران الأحمق قربة إلى الله، ومواصلة العاقل إقامة لدين الله، وإكرام المؤمن خدمة لله، ومصارمة الفاسق عون من الله. ويقول أيضًا: لا تكن شاة الراعى أعقل منك. تزجرها الصيحة، وتطردها الإشارة.
عصمه الله تعالى من الفتنة، فعندما اقتتل المسلمون، لم ينحز إلى فريق دون الآخر، وخرج منها نقيًا. وحين سأله رجل عن الفتنة ما هى وما يوجبها؟ أجاب: هى والله عقوبة الله عز وجل؟ يحلها بالعباد إذا عصوه، وتأخروا عن طاعته.
قيل له: يا أبا سعيد من أين أتى على الخلق؟ فقال: من قلة الرضى عن الله عز وجل قيل له: فمن أين دخل عليهم قلة الرضى عن الله عز وجل؟ فقال: من جهلهم بالله. وقلة المعرفة به.
كان يوم وفاته- الخميس فى الأول من رجب سنة ١١٠هـ عن ٨٨ سنة- يومًا لم ولن ينساه أهل البصرة، فقد مات من أحيا به الله قلوب الناس، خرج جسده زاهدًا فى الدنيا، وذهبت روحه راغبة فى لقاء الله، كانت جنازته مشهودة، وصلى عليه عقب صلاة الجمعة، رحمة الله عليه.