رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ختان البنات قتل عمد



ما زالت جريمة الاعتداء الوحشى على جسد الفتيات الصغيرات باستقطاع جزء من أجسادهن، وفق عادة الختان الذميمة- تمارسها أغلب الأسر المصرية رغم حدوث وفيات لعدد من الفتيات نتيجة للنزيف الحاد، أو نتيجة لجرعة بنج زائدة، أو نتيجة للجوء للعيادات غير المرخصة، أو غير المتوفر بها شروط الجودة الطبية والصحية، أو لأى سبب تكون نتيجته الوفاة.
ما زالت القوانين المجرِّمة لختان الإناث رغم تعديلها تحتاج إلى المزيد من تغليظ العقوبة وإلغاء الثغرات التى ينفذ منها مرتكبو الجريمة، وها هو نص القانون المعيب من وجهة نظرى، وهو القانون رقم ٧٨ الصادر عام ٢٠١٦ «السجن مدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تتجاوز سبع سنوات لكل من قام بختان أنثى، وأزال أيًا من الأعضاء التناسلية بشكل جزئى أو تام، وألحق إصابات بتلك الأعضاء دون مبرر طبى»، وطبعًا يا سادة يا كرام لا يخفى عليكم أن الجملة الأخيرة وهى «دون مبرر طبى» تسمح للأهل والأطباء بإجراء عملية الختان على أنها عملية تجميل أو تصحيح عيب خلقى، لذا لا بد من حذف هذه الجملة، ولا بد من تغليظ العقوبة، لأننى أعتبر أن كل من شارك فى هذه الجريمة من الأهل الذين يصطحبون الطفلة، ومن الأطباء الذين يجرون عملية الختان، كلهم يقترفون جريمة قد تكون نتيجتها الموت. هل تتذكرون جريمة قتل ميار، وهى صبية فى السابعة عشرة من عمرها فى مدينة السويس قبل ثلاثة أعوام إثر إجراء عملية الختان لها ولأختها؟ وهل تتذكرون الطفلة بدور ذات الاثنى عشر ربيعًا من محافظة المنيا، التى قُتِلت بجرعة زائدة من البنج إثر إجراء عملية الختان فى عام ٢٠٠٧، وغيرهن كثيرات وكثيرات لم نعلم عنهن شيئًا.
كم طالبنا ونادينا كل المؤسسات المعنية بإقامة حملة توعية مستمرة، حملة قومية تشترك فيها الحكومة «وزارات التربية والتعليم والأوقاف والشباب والتضامن الاجتماعى والإعلام والثقافة والهيئة العامة لقصور الثقافة والمجلس القومى للمرأة والمجلس القومى للأمومة والطفولة» ومنظمات المجتمع المدنى من جمعيات أهلية وأحزاب ونقابات ومنظمات حقوق المرأة للتوعية فى جميع أنحاء مصر بخطة زمنية تمتد لعام أو اثنين أو أكثر حتى يتم القضاء نهائيًا على جريمة ختان الإناث. يا سادة يا كرام لا يجدى العمل الموسمى بخصوص هذه القضية فى بلد تصل فيه الأمية إلى ٢٥٪ وتتحكم العادات الضارة والمتخلفة فى عقول معظم الأهالى، بل ويدعو فيه بعض شيوخ السلفية إلى الختان، زعمًا بأن الدين يحثنا على ذلك بالمخالفة للدين ولأحكامه.
لقد كتبت أكثر من مرة فى هذا الموضوع وعن الحوارات والمناقشات، التى دارت بينى وبين العديد من السيدات والفتيات حول العديد من الموضوعات، وعلى رأسها التحذير من تزويج الفتيات فى سن صغيرة «زواج القاصرات» وموضوع ختان الإناث وما يسببه من مشكلات صحية خطيرة ونفسية وبدنية، ومنها احتباس البول والتهابات المسالك البولية، وزيادة خطر العقم مع مضاعفات الولادة.
ووفقًا لصندوق الأمم المتحدة للسكان فإن «ختان الإناث ينتهك حقوق الإنسان بما فى ذلك مبدآ المساواة وعدم التمييز على أساس الجنس والحق فى عدم التعرض للتعذيب والحق فى التمتع بأعلى مستوى صحى يمكن بلوغه وحقوق الطفل والحق فى السلامة البدنية والعقلية والحق فى الحياة».
إن ما جعلنى أكتب هو وفاة الطفلة ندى وسنها ١٢ عامًا إثر إجراء عملية ختان لها على يد أحد الأطباء فى عيادته الخاصة بقرية الحواتكة بمحافظة أسيوط، وذلك منذ أكثر من أسبوع. ألا يكفينا كل هذا الكم من الضحايا وإهدار الثروة البشرية بدلًا من تعليمها وتدريبها وتنميتها وتأهيلها للمشاركة فى بناء وتقدم البلاد، كم نحتاج من الضحايا حتى ننتبه لهذه القضية الخطيرة، وحتى نضع لها خطة قومية للقضاء عليها.
سأعيد عليكم ما جاء فى الدستور المصرى، لعل فى الإعادة إفادة، ولعل الضمير الإنسانى يتحرك لإنقاذ الفتيات الصغار من مشارط حادة تنقض على أجسادهن لتميتهن وتدفنهن جثثًا هامدة بدلًا من توفير حياة كريمة لهن، جاء فى المادة «٦٠» من الدستور فى الباب الثالث الحقوق والحريات والواجبات العامة «لجسد الإنسان حرمة، والاعتداء عليه أو تشويهه، أو التمثيل به، جريمة يعاقب عليها القانون. ويحظر الاتجار بأعضائه، ولا يجوز إجراء أى تجربة طبية أو علمية عليه بغير رضاه الحر الموثق، ووفقًا للأسس المستقرة فى مجال العلوم الطبية، على النحو الذى ينظمه القانون».