رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الجدة نانسى.. والحاج محمود!



فى مثل هذه الأيام سنة ٢٠٠٧، استقبلت نانسى بيلوسى، الرئيس الأمريكى جورج بوش الابن، فى مجلس النواب بترحاب شديد، واصطحبته حتى المنصة، قبل أن تجلس خلفه، إلى جوار نائبه ديك تشينى. ويومها، ألقى بوش خطابه حول حالة الاتحاد وأشار فيه إلى أنه، وللمرة الأولى فى تاريخ الولايات المتحدة، يتم إلقاء هذا الخطاب فى ظل رئاسة امرأة لمجلس النواب.
بدأ بوش خطابه بقوله: «الليلة يشرفنى أن أكون أول رئيس يبدأ خطاب حالة الاتحاد بعبارة السيدة الرئيسة»، ثم التفت إلى بيلوسى، التى وقفت وسط تصفيق الأعضاء. وأضاف: «إن والد بيلوسى عضو الكونجرس الراحل توماس داليساندرو جونيور استمع أيضًا إلى خطابات حالة الاتحاد من الرئيسين فرانكلين روزفلت وهارى ترومان». وبعد تهنئته لـ«السيدة الرئيسة»، هنأ بوش، أيضًا، أعضاء الحزب الديمقراطى على تحقيقهم الأغلبية فى مجلسى النواب والشيوخ.
حدث ذلك مع أن شعبية بوش الابن، فى ذلك الوقت، كانت فى أسوأ حالاتها، بسبب الحرب الأمريكية على العراق، التى كانت بيلوسى من أبرز معارضيها، كما عارضت، أيضًا، هى وكثير من زملائها، نواب الحزب الديمقراطى، إدارة بوش فى ملفات عديدة. لكنها، وقفت مساء الثلاثاء الماضى، فور انتهاء الرئيس ترامب من إلقاء خطابه حول حالة الاتحاد، وقامت بتمزيق نسخة من الخطاب أمام الجميع.
بين خطاب بوش الابن وخطاب ترامب، وكلاهما ينتمى إلى الحزب الجمهورى، مرت ١٣ سنة، قد لا تعنى شيئًا فى عمر الدول أو الشعوب، لكنها تعنى الكثير بالنسبة لحالة الفرد الصحية، النفسية، أو العقلية، خاصة لو كان هذا الفرد سيحتفل فى ٢٦ مارس المقبل بعيد ميلاده الثمانين، ولو كان هو الشخصية الرئيسية فى قضية عزل الرئيس، الذى جاء الخطاب قبل ساعات من قيام مجلس الشيوخ بحسمها، كما كان متوقعًا، لصالح الأخير.
عندما وُلدت نانسى بيلوسى (نانسى داليساندرو قبل الزواج)، سنة ١٩٤٠، كان والدها توماس داليساندرو جونيور، الديمقراطى أيضًا، عضوًا فى الكونجرس عن ولاية ميريلاند، ثم أصبح عمدة لمدينة بالتيمور. وفى السنة التى رحل فيها، سنة ١٩٨٧، فازت نانسى بمقعدها فى مجلس النواب. ثم بدأت منذ سنة ٢٠٠٣ تقود الديمقراطيين فى المجلس، الذى ترأسته خلال فترات الأغلبية الديمقراطية: منذ ٢٠٠٧ إلى ٢٠١١ ومنذ ٣ يناير ٢٠١٩ إلى الآن.
بعد خروجها من قاعة مجلس النواب، مساء الثلاثاء، علقت بيلوسى على تمزيقها خطاب ترامب بقولها: «كان هذا الشىء المهذب الذى يجب القيام به مقارنة مع أشياء أخرى». ووصفت الخطاب بأنه «كان قذرًا». ولاحقًا، قالت لزملائها النواب الديمقراطيين إن امتناع ترامب عن مصافحة يدها الممتدة ليس هو سبب تمزيقها لنسخة الخطاب، قائلة: «من يهتم؟». ثم زعمت أنها فعلت ذلك لأنها لم تجد فى الخطاب صفحة واحدة خالية من الكذب. وأضافت: «لقد رأينا رئيس الولايات المتحدة يمزق الحقيقة أمامنا. أتعلمون.. إنه مثل بائع زيت الثعبان».
للصحفيين، قال كيفن مكارثى، زعيم الجمهوريين بمجلس النواب «إنه لأمر مؤسف أن يقوم شخص فى هذا المنصب، بتمزيق الخطاب»، وأشار إلى أنه لم يحدث على الإطلاق أن تصرف رئيس آخر لمجلس النواب بهذا الشكل. ورد البيت الأبيض بتغريدة فى حسابه الرسمى على تويتر، قال فيها لبيلوسى «هذا ما قمتِ بتمزيقه»، ثم استعرض بعض ما جاء فى الخطاب. أما ترامب فلم يعلق بشكل مباشر، مكتفيًا بإعادة نشر تغريدة البيت الأبيض، وتغريدة أخرى كتبها جوناثان تورلبى، أستاذ القانون الدستورى بجامعة جورج واشنطن، أكد فيها أن بيلوسى هدمت «عقودًا من التقاليد فى هذه اللحظة غير المدروسة»، ورأى أن عليها أن تعتذر أو تستقيل.
ما لفت نظرنا فى الموضوع كله، كان تشبيه الجدة نانسى (٨٠ سنة) للرئيس ترامب (٧٤ سنة) بـ«بائع زيت الثعبان». ربما فى محاولة لإبعاد هذه الصفة عن نفسها أو عن السيناتور ميت رومنى، الذى اعتاد الرئيس السابق، باراك أوباما، استخدامها فى هجومه عليه، حين نافسه فى انتخابات ٢٠١٢ الرئاسية. ومعروف أن رومنى، هو الجمهورى الوحيد الذى قام بالتصويت لصالح إدانة ترامب، فى المحاكمة التى أجراها مجلس الشيوخ وانتهت، الأربعاء، بتبرئة الأخير من اتهام مجلس النواب له، بسوء استخدام السلطة وعرقلة عمل الكونجرس.
بائع زيت الثعبان هو النسخة الأمريكية، أو الأمريكانى، من بائع «شربة الدود»، وكلاهما كان يزعم أن بضاعته تعالج كل الأمراض. هنا، كان عطارًا اسمه «الحاج محمود»، أما هناك فظهر التشبيه، وبدأ استخدامه فى وصف النصابين، منذ أن قضت المحكمة الجزئية لولاية رود آيلاند الأمريكية، سنة ١٩١٧، بتغريم كلارك ستانلى ٢٠ دولارًا عدًا ونقدًا، بعد أن ثبت، بالدليل والتحليل، أن الزيت الذى يبيعه لا أثر فيه لزيت الثعبان!.