رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لقاء عنتيبى.. توابع وطرائف


جدل كبير، كان متوقعًا، أحدثه اللقاء، غير المفاجئ، الذى جمع بين عبدالفتاح برهان، رئيس مجلس السيادة السودانى مع بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، فى ظلام مدينة عنتيبى الأوغندية. وكنا قد استعرضنا، أمس، بعض محطات أو ترتيبات تطبيع العلاقات السودانية الإسرائيلية، وتجاهلنا بعضها الآخر، لاعتقادنا أن ما استعرضناه يكفى وزيادة للتأكيد على أن اللقاء لم يكن مفاجئًا ويجرى الإعداد، الترتيب أو التمهيد له، منذ نحو خمس سنوات بوساطة تركية قطرية وبضغوط ووعود أمريكية.
اللقاء الذى استمر ساعتين، تبعته سلسلة اجتماعات، استغرقت نحو عشرين ساعة عقدها المجلس المركزى لقوى الحرية والتغيير فى السودان مع مجلس الوزراء ورئيس مجلس السيادة وأعضائه، وانتهت بصدور بيان، وصفت فيه قوى الحرية والتغيير اللقاء بـ«الأمر المخل الذى يلقى بظلال سالبة على الوضع السياسى فى البلاد». وأوضحت أنها لا علم لها به، ولم يتم التشاور معها بشأنه، وأن «الوثيقة الدستورية نصت على أن العلاقات الخارجية هى اختصاص السلطة التنفيذية، وعليه فإن ما تم يشكل تجاوزًا كبيرًا نرفضه بكل حزم ووضوح».
قبل تلك الاجتماعات وهذا البيان، كانت الحكومة السودانية قد أعلنت فى بيان أصدرته، الإثنين، أنها علمت بلقاء البرهان ونتنياهو عبر وسائل الإعلام. ونقلت وكالة الأنباء السودانية «سونا» عن فيصل محمد صالح، وزير الثقافة والإعلام السودانى، المتحدث باسم الحكومة، أنه ليست لديه معلومات عن تفاصيل لقاء البرهان ونتنياهو، وأضاف: «لم يتم إخطارنا أو التشاور معنا فى مجلس الوزراء بشأن هذا اللقاء، وسننتظر التوضيحات بعد عودة السيد رئيس مجلس السيادة». والثلاثاء، عقد مجلس الوزراء السودانى اجتماعًا، بهذا الشأن. كما عقد البرهان اجتماعًا مع المجلس الحاكم لإطلاعه على ما جرى فى اللقاء.
بإيجاز شديد، قال البرهان، فى بيان، إنه قام بهذه الخطوة «من موقع مسئوليته بأهمية العمل الدءوب لحفظ وصيانة الأمن الوطنى السودانى وتحقيق المصالح العليا للشعب السودانى». وأضاف أن «موقف السودان المبدئى من القضية الفلسطينية وحق شعبه فى إنشاء دولته المستقلة ظل ومازال وسيستمر ثابتًا، وفق الإجماع العربى ومقررات الجامعة العربية». وكان أهم ما حمله البيان، هو إشارة البرهان، إلى أن «بحث وتطوير العلاقة بين السودان وإسرائيل مسئولية المؤسسات المعنية بالأمر، وفق ما نصت عليه الوثيقة الدستورية».
عبدالله حمدوك، رئيس الوزراء السودانى، رحب بهذا البيان أو «التعميم الصحفى»، مضيفًا، فى حسابه على تويتر: « ونظل ملتزمين بالمضى قدمًا من أجل إنجاز مستحقات المرحلة الانتقالية المهمة وتجاوز التحديات الماثلة أمامنا». واستدرك فى تغريدة لاحقة بأن «العلاقات الخارجية من صميم مهام مجلس الوزراء، وفقًا لما تنص عليه الوثيقة الدستورية».
عدنا إلى الوثيقة الدستورية، الموقعة فى ١٨ أغسطس الماضى، فوجدنا المادة ١٥ تنص على أن مجلس الوزراء يختص بابتدار «المعاهدات الدولية، والاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف». غير أن المادة ٧٠ نصت فى بندها الخامس على أن «يقوم مجلسا السيادة والوزراء بتمثيل الدولة خارجيًا وفق صلاحيات كل مجلس». وعليه نرى أن البرهان كان دقيقًا ومحددًا حين تحدث عن مسئولية المؤسسات المعنية عن «بحث وتطوير العلاقة بين السودان».
لاحقًا، قال البرهان، خلال لقائه مجموعة من رؤساء التحرير والصحفيين السودانيين، أمس، إن اللقاء جاء بترتيب من الولايات المتحدة الأمريكية، وتم بقناعته الشخصية لأهمية طرق جميع الأبواب من أجل مصلحة الشعب السودانى والنهوض بالدولة. متوقعًا أن يسهم اللقاء فى اندماج السودان فى المجتمع الدولى، وفى إزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب و... و... وقال إنه أخطر رئيس الوزراء، عبدالله حمدوك، باللقاء قبل يومين من موعده!.
رد فعل الحكومة، إذن، وزعمها بأنها لم تكن تعلم كان غريبًا. أما رد الفعل الأغرب، الأعجب، أو الأطرف، فكان ذلك البيان الصادر عن «حزب المؤتمر الوطنى» الذى وصف لقاء البرهان ونتنياهو بأنه يمثل «خروجًا على توافق غالبية الشعب» و«طعنة لشعب شقيق». ولعلك تعرف أن هذا الحزب تم حله فى ٢٩ نوفمبر الماضى، وكان يقوده الرئيس المعزول عمر البشير، الذى امتدت فى عهده الخيوط بين الخرطوم وتل أبيب، كما أوضحنا أمس، بترتيب تركى قطرى. أما رئيس الحزب الحالى فهو إبراهيم غندور، الذى أعلن، منتصف يناير ٢٠١٦، حين كان وزيرًا للخارجية، أن بلاده «لا تمانع فى دراسة التطبيع مع إسرائيل».
النكتة، هى أن بيان الحزب المنحل، الذى كان يقوده الرئيس المعزول، رفض أن تكون القضية الفلسطينية مجالًا للمساومات والمناورات والمزايدات، ثم وصف «الحكومة الحالية، بمكوناتها المختلفة» بأنها «ليست على قلب رجل واحد»، زاعمًا أن ذلك «أدى إلى ما نراه من مظاهر الفشل فى معاش الناس ومحاربة الغلاء وحفظ الأمن وإيقاف الفساد المستشرى»!.