رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مفردات الحارة.. «شغل على ميا بيضا» بين المهارة والنصب

الحارة المصرية
الحارة المصرية

"ده شغل على ميا بيضا" هذه الجملة واحدة من العبارات الشهيرة داخل الحارة المصرية، غير أنها تحمل المعنى وضده في الوقت نفسه، وهذا لم أجده في أي عبارة أخرى، فتارة تجدها تعني النظافة والطهر أو جودة الصنعة، وتارة تأتي بمعنى المكر والخديعة وسوء البضاعة.

يختلف المعنى باختلاف البيئة، ففي الوجه البحري، يقولون "ده شغل على ميا بيضا" أي أن هذا المنتج نظيف، أو أن هذا الموضوع جيد ويستحق التقدير، فعلى سبيل المثال صاب محل ملابس يطلب من مستورد أن يأتي له بصفقة "تيشرتات" من الخارج وحين تصله يجدها بجودة عالية، وبسعر مقبول فيقول "ده شغل على ميا بيضا"، ويعنى شغل نظيف.

أما في الصعيد فيقولون عبارة "شغل على ميا بيضا" بمعنى مغاير تماما، فالمقصود بها أن هذا الأمر سيئ مرتبط بالخديعة والمكر، وهنا يكون القائل ناصحا لأخيه بألا يكمل في هذا الطريق، فعلى سبيل المثال إذا طلب تاجر صعيدي مستورد أن يأتي له بصفقة "تيشرتات" ثم اكتشف أنها مستعملة فيقول "ده شغل على ميا بيضا" أو "ده شغل تلات ورقات" أي نصب واحتيال وخديعة.

العبارة نفسها توحي بكوب الشاي الذي يكون الماء فيه نقيا بينما الشاي يظل ساكنا في "قعر" الكوب إلى أن يحدث التقليب فيختلط الشاي بالماء، لذا فأهل الصعيد يستخدمون هذه العبارة بمعنى المكر والاحتيال، وكأنهم يقولون أن الماء الصافي الذي تراه في الكوب يرقد تحته السواد، ما أن تحركه يد سترى السواد هو اللون الرئيس، بعد أن يتلاشى لون الماء الصافي، أما القاهريون فهم أكثر تفاؤلا في هذه الجزئية؛ لأنهم لا يرون من الكوب إلا لون الماء النظيف لذا يعتبرونه شيئا جيدا.

أعتقد أن هذه العبارة خرجت من أروقة المقاهي فالمفردات التي تميزت بها الحارة المصرية على أي حال تنم عن مهن بعينها فمع طلعة كل فجر يدلى كلٌ بدلوه ليخرج لنا مفردة جديدة نضمها إلى تراث الحارة المصرية.