رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«ندى».. زهرة مصرية قتلها الجهل والتطرف


نحن فى حاجة ماسة إلى تغيير فى القوانين الحالية والوسائل المتبعة للقضاء على ختان البنات بعد واقعة مقتل الصغيرة ندى «١٢سنة»، بقرية الحواتكة مركز منفلوط، بمحافظة أسيوط.. ما زالت جريمة الختان ترتكب فى مصر بما يعنى أن كل الجهود التى بُذلت حتى الآن لم تنجح فى القضاء عليها، ولم تعد كافية للتصدى لها بشكل فعال وحازم.
ما زالت جريمة الختان تتم دون توقف ودون أدنى رحمة بالبنات الصغيرات.. ما زالت هذه الممارسة الوحشية ترتكب لاستئصال جزء من جسد البنت الصغيرة، بسبب تفسيرات خرافية بالية بزعم عفة البنت، وفتاوى متخلفة ما زال كهنة التطرف والتزمت يطلقونها للتنكيل ببنات مصر.
فها هى فتاة مصرية صغيرة بريئة يتم قتلها بسبب جريمة الختان، ويشارك فى قتلها ثلاثة مجرمين، أمها وأبوها والطبيب الذى أجرى العملية التى أودت بحياتها.. ثلاثة مجرمين يعلمون علم اليقين أنهم سيقتطعون جزءًا حساسًا من جسد الصغيرة حيث سلمتها أمها عديمة الرحمة إلى أب قاسٍ يسيطر عليه الجهل والخرافة التى يرددها أصحاب الفتاوى المتطرفة بأن ذبح جزء من جسد ابنته يضمن عفتها، فيقتاد ابنته الصغيرة ندى فى الفجر بعد أن أيقظها من نومها ليقودها إلى المذبح لدى عيادة طبيب مجرم يعلم علم اليقين أنه يرتكب جريمة يعاقب عليها القانون، وليشارك الثلاثة فى تلك الجريمة الوحشية التى أسفرت عن وفاة ندى متأثرة بجراحها.. وبدأت النيابة العامة تحقيقاتها مع الطبيب الذى تم القبض عليه والأب الذى سلمها لعملية الختان الوحشية، والذى ذكر فى التحقيقات أنه كان يفعل ذلك بدافع ضمان عفة ابنته.
إن مقتل ندى فى تقديرى يُعد جريمة مكتملة الأركان مع سبق الإصرار والترصد وفعل متعمد، حيث إن الثلاثة المشاركين فيها الأم والأب والطبيب يعلمون أنهم يمارسون جريمة يعاقب عليها القانون المصرى، وإلا لما تمت فى الفجر قبل طلوع النهار حيث جميع أهل القرية نائمون وبحيث لا يراهم أحد.. هؤلاء الثلاثة لا بد أن تتم معاقبتهم بأقصى عقوبة ممكنة طبقًا للقانون الحالى، غير أنه فى تقديرى قانون غير كاف، لأننا فى حاجة إلى تغليظ القوانين إذا ما كنا جادين فى القضاء على ممارسة جريمة الختان، وانتهاك حقوق البنات الصغيرات بلا رحمة.
أعتقد أنه قد آن الأوان لتشديد العقوبة بقانون جديد ضد الختان.. فلا يكفى أن يتم حرمان الطبيب من مزاولة المهنة، حيث أصدرت نقابة الأطباء بأسيوط قرارًا بغلق عيادة الطبيب الذى قام بإجراء الختان، إذ صدر قرار فى سنة ٢٠٠٧ من وزير الصحة بحظر هذا النوع من الأطباء.. أما التواطؤ بالنسبة للأب والأم فلا بد من تشديد عقوبتهما أيضًا، ولا بد من قانون جديد يصدر أكثر تشددًا، حتى لا تتكرر هذه الممارسة الوحشية بحيث يحقق الردع الكافى للقضاء عليها.
كما أننا نطالب نائبات ونواب مجلس الشعب بإصدار قانون مشدد وسريع فى الدورة الحالية يتناسب مع اغتيال الطفولة، ومن أجل القضاء على جريمة الختان تمامًا من مجتمعنا، لا يصح أن يكون لدينا رئيس رحيم يطالب باحترام مكانة المرأة ويطالب باحترامها ويعينها فى المناصب العليا، بينما هناك فى بلدنا من لا يزالون يعيشون بعقلية عصور الظلام والتحقير من شأن المرأة، ويفرضون عليها وصايتهم المتخلفة ويروجون أن العفة تكون بقطع جزء من جسدها، بينما نعلم جميعًا أن العفة تكون فى حسن التربية وتعليم البنت وتوعيتها بأن تكون مسئولة عن عفتها، لأن العفة فى العقل وليست فى جزء من الجسد.
إن مقتل ندى ينبغى أن يكون الشرارة التى تحرك المجتمع نحو منظومة متكاملة للقضاء على الختان تمامًا، لأن مقتلها جعل الحزن يخيم على المجتمع المصرى وعلى من يحبون لمصر التقدم والرقى.
وإذا كان فى مواجهة مقتل ندى أدان المجلس القومى للمرأة برئاسة د. مايا مرسى الجريمة، واستنكرت «د. مايا» إصرار بعض الأسر على التضحية ببناتهم فى سبيل الحفاظ على ممارسة مجتمعية ذميمة وطالبت بأقصى عقوبة، كما أدانت د. عزة عشماوى الواقعة بوصفها انتهاكًا صارخًا لقانون الطفل لسنة ٢٠٠٨- إلا أن العقوبات القانونية الحالية لا تكفى للتصدى لهذه الجريمة الوحشية.
فلا بد من تشديد العقوبات ومضاعفتها، لتحدث الردع المطلوب، لأنه حتى بصدور قانون العقوبات الصادر فى ٢٠١٦ الذى يقضى بعقوبة السجن من ٥ إلى ٧ سنوات لكل من ختن أنثى، ويكون السجن مشددًا إذا نشأ عن هذا الفعل عاهة مستديمة أو أفضى إلى الموت، والحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تجاوز ٣ سنوات لكل من طلب ختان أنثى وتم ختانها بناءً على طلبه- إلا أن هذا أيضًا ليس بالعقوبة الكافية فى مواجهة هذه الممارسة الوحشية.
وحينما أعود بالذاكرة قليلًا، فإننى أتذكر أننى كنت قد شاركت فى عدة مؤتمرات فى مصر وخارجها، حيث ثبت أن الختان ليس فى الدين الإسلامى أو المسيحى وإنما هو عادة أصلها إفريقى وليس مصريًا، لهذا فإن الشعارات لم تعد تكفى ولا الاستنكار أو الإدانة لهذه الممارسة الوحشية، وإنما لا بد من قانون أكثر ردعًا لإنقاذ بنات مصر من هذه الممارسة الوحشية القاتلة التى تهدد حياتهن وإنسانيتهن وكرامتهن، والتى تعنى أن هناك عقليات لا تزال تعود لعصر وأد البنات واحتقارهن.
ولا بد فى جريمة مقتل الطفلة ندى من تغليظ العقوبة على الطبيب والأب والأم ليكونوا عبرة وحتى لا تتكرر الجريمة الوحشية غدًا أو بعد غد لفتاة أخرى من بنات مصر.. إن المحافظة على بنات مصر وحمايتهن من هذه الجريمة الوحشية أصبحت مسألة عاجلة تتطلب وقفة جادة بعد مقتل الطفلة ندى «١٢سنة».. وأصبح الحفاظ على حياة بناتنا مسئولية مشتركة بين أجهزة الدولة المعنية ومجلس الشعب والإعلام والمجتمع المدنى ورجال القضاء المصرى والأزهر الشريف ورجال الدين الإسلامى والمسيحى المستنيرين.. إن الحفاظ على حياة بناتنا هو باختصار مسئولية كل صاحب ضمير فى وطننا.