رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الجمعية الشرعية والعصر العثمانى «2-2»


ينتقل الكتاب بعد ذلك إلى نقطة شائكة وهى مسألة القومية المصرية فى نظر التيار السلفى واعتباره أن الإسلام وطن، حيث ينظر المؤلف- وهو مصرى- إلى السلاطين العثمانيين على أنهم أجداده العظام: «هذه هى دولة الخلافة العثمانية الزاهرة وفتوحاتها العظيمة، وهؤلاء هم أجدادنا الفاتحون العظام حماة الإسلام والمسلمين وحراس العقيدة والدين».
من هنا لم يكن غريبًا أن ينظر الكتاب إلى عصر محمد على وحروبه ضد السلطان العثمانى على أنه «حركات انفصالية وتمردات على الدولة»، بينما ينظر التيار القومى المصرى لمحمد على وعصره، وحتى حروبه ضد السلطان على أنه بداية تاريخ الدولة الحديثة فى مصر.
ويعلم المتخصص فى تاريخ الدولة العثمانية أن هناك فصلًا مهمًا فى هذا التاريخ حول أسباب ضعف وسقوط الدولة، وعصر التنظيمات والإصلاح، ومحاولة إنقاذ رجل أوروبا المريض، لكن الكتاب يُجْمِل أسباب هذه المسألة فى محور واحد:
«هى مجموعة من الأسباب تدور كلها حول محور واحد هو الابتعاد عن شرع الله والخروج عن الحكم بكتابه الكريم وسنة نبيه المطهرة».
هذا هو التفسير الدينى للتاريخ لدى التيار السلفى.
ويعود الكتاب إلى ترديد مقولة سادت فى معظم كتابات التيار الإسلامى، ربما بها بعض الحقيقة، ولكنها فى الواقع تتجاهل العديد من الأسباب والعوامل الإقليمية والعالمية وراء ضياع فلسطين، إذ يقول الكتاب:
«فما سلمت فلسطين لليهود تسليمًا إلا بعد سقوط دولة الخلافة».
نحن هنا أمام التفسير الدينى للتاريخ، وأيضًا إلهاب مشاعر المسلمين الذين يعانوا بشدة من تبعات القضية الفلسطينية، ومبشرًا أيضًا بأن عودة الخلافة هى الباب لعودة فلسطين.
ويظهر الهدف الحقيقى من الكتاب وهو الترويج لعودة الخلافة من جديد على يد تركيا، إذ يخصص المؤلف الجزء الثانى من الكتاب للحركة الإسلامية فى تركيا ووصول الإسلاميين للحكم، هذا الوصول الذى أبهر الحركات الإسلامية، حيث عقدت عليها الآمال لعودة الخلافة من جديد:
«تأتى تركيا فى صدارة الدول الإسلامية المؤهلة لقيادة قاطرة النهضة المرتقبة للعالم الإسلامى والتى تدفع به ليستعيد مكانته الجديرة به فى عالم لا بقاء فيه إلا للأقوياء... فتركيا تملك عناصر للقوة قبل أن تجتمع فى دولة إسلامية مناظرة».
ويقدم الكتاب دراسة عن حزب العدالة والتنمية وأردوجان وعبدالله جول والصعود الكبير لهما. ويرد المؤلف على بعض الانتقادات لحزب العدالة والتنمية أو من أطلق عليهم الإسلاميين الجدد حيث تأخذ عليهم بعض التيارات الإسلامية المتشددة تساهلهم فى قضايا الشريعة وإبقائهم على مظاهر العلمانية فى تركيا، ويبرر المؤلف ذلك قائلًا:
«قد تقتضى الحكمة والأخذ بفقه المتاح مصانعة الأعداء أو إخفاء الحقيقة عنهم طلبًا لمصلحة أو اتقاءً لشرهم ومكرهم».
وينتهى الكتاب بالدعاء:
«ما أحوجنا اليوم إلى استعادة ثقتنا فى نصر الله وفى أن الحق بالغ ما بلغ الليل والنهار بعز عزيز أو بذل ذليل».
بصرف النظر عن المستوى العلمى المتواضع للكتاب، فإن هذا الكتاب يثير العديد من التساؤلات لعل أولها حول ما علاقة الجمعية الشرعية بكتابة التاريخ، وهل هذا دورها؟ ثانيًا هل من الملفات الساخنة ومن قضايا وهموم الأمة الإسلامية مسألة الخلافة؟ ثالثًا ألا يعتبر مثل هذا الكتاب عملًا بالسياسة ورغبة فى إحياء نظام الخلافة من جديد؟ ألا يتعارض ذلك مع مبدأ الوطنية المصرية؟ كيف يمكن الدعاية لتركيا لكى تتزعم دعوة إحياء الخلافة من جديد؟ والأغرب أن تاريخ صدور الكتاب هو عام ٢٠٠٧، أى فى عز سطوة دولة مبارك، كيف صدر هذا الكتاب الذى يروج لفكرة الخلافة، بل ولتزعُم تركيا لمشروع إحياء الخلافة.
من هنا نفهم لماذا سقط نظام مبارك سريعًا، وكيف كانت الأرض ممهدة لوصول الإسلاميين للحكم بعد ٢٥ يناير.