رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مَن يُوقف مخططات الاستعمار التركى لليبيا؟!



قال وزير الخارجية الروسى «سيرجى لافروف» أمس الأول، إن عددًا كبيرًا من المسلحين فى «إدلب» السورية توجهوا إلى ليبيا، مؤكدًا أن هذه الخطوات خرق للقرارات الدولية. كان هذا الحديث العلنى فى مؤتمر صحفى لوزير الخارجية الروسى مع وزير خارجية جنوب السودان، كما تضمن حديثه فقرة مهمة حيث قال: «وعلى هذا الأساس، تواصلنا مع وزير الخارجية التركى فى هذا الشأن».
تصريحات لافروف تأتى بعد أسبوع من اجتماع برلين بمشاركة القوى الكبرى، وممثلى الدول العربية وبحضور تركيا التى ذهبت باعتبارها الداعمة لحكومة الوفاق. وفى ذات التوقيت تقريبًا ذكر المرصد السورى لحقوق الإنسان، أن أكثر من «٣٦٠٠ مرتزق» أرسلتهم تركيا إلى ليبيا فى الآونة الأخيرة، علق على ذلك المتحدث باسم الجيش الوطنى الليبى اللواء أحمد المسمارى فى المؤتمر الصحفى الذى جرى الأحد الماضى، بأن تركيا ما زالت مستمرة فى نقل الإرهابيين من سوريا للقتال فى ليبيا، وبصورة متسارعة!
لا توجد علنية ولا انتشار لخبر مثل الذى يجرى حول تلك القضية، فى ذات الوقت لا يذكر ولا يلتفت إليه، ناهيك عن عدم وجود آلية دولية تصدت له على النحو الواجب حتى اللحظة. فبالرغم من الدعوات الإقليمية والدولية لإنهاء التدخلات الخارجية فى ليبيا، الرئيس التركى أردوغان مازال مصرًا على نكث تعهداته، بمواصلة محاولات تأجيج الصراع فى هذا البلد، عبر إغراقه بالمرتزقة والإرهابيين المدارين والموالين لأنقرة، وهى أوضاع لم تعد خافية على أحد. فلم تمضِ أيام على صدور البيان الختامى لمؤتمر برلين الذى جاء بمشاركة القوى الكبرى والأمم المتحدة والاتحاد الإفريقى، والذى جرى خلاله الاتفاق على الدفع باتجاه وقف دائم لإطلاق النار فى ليبيا، والالتزام بحظر الأسلحة، ووقف التدخلات فى الشأن الليبى، حتى عادت مجددًا صور استمرار العبث التركى بأمن ليبيا، من خلال الدفع بالمزيد من المرتزقة والإرهابيين لقتال الجيش الوطنى الليبى حول العاصمة طرابلس.
أصبح معلومًا اليوم فى سوريا أن الإرهابيين الذين هجروا إلى إدلب، راغبون بالتوجه إلى ليبيا، طمعًا بالمغريات التى تقدمها تركيا، فليس لديهم ما يخسرونه، حيث يعيشون فى الخيام ويتقاضون رواتب لا تتجاوز «٣٠٠ ليرة تركية»، لذلك جاء الانتقال إلى ليبيا وتقاضى «٢٠٠٠ دولار أمريكى» على الأقل، أفضل لهم كثيرًا من القتال فى مناطق شرق الفرات.
جدير بالذكر أن المعلومات الواردة من سوريا تشير إلى أن معظم الذين تطوعوا أو يرغبون فى قبول العرض التركى، هم فى الغالب من المهجرين من وسط سوريا وريف دمشق إلى عفرين وإدلب، بالإضافة للمئات من الريف الحلبى. فالواقع المعيشى وترديه هو العامل الرئيسى والضاغط لقبول هؤلاء بالذهاب إلى ليبيا، فى ظل المغريات التركية خاصة المادية. وقد ذهب الروس الموجودون بسوريا للبحث وراء التساؤلات، حول الجهة التى تقوم بدفع الأموال للمرتزقة من أجل القتال فى ليبيا، خاصة مع تردى حالة الإنفاق التركى بعد سنوات الانخراط الطويلة فى دعم الميليشيات وسرايا المرتزقة فى الشمال السورى. ما توصل إليه الجانب الروسى أن أصابع الاتهام تتجه إلى «حكومة الوفاق»، حيث جرى الاتفاق ما بينها وبين الأتراك أن يظل تقاسم المهام على هذا النحو، فالحكومة بطرابلس تتحول إلى بوابة لدخول المرتزقة والإرهابيين، تحت التجهيز والاختيار من الغطاء التركى. فالحكومة المدعومة بقوة من التنظيم الدولى للإخوان، ميزتها النوعية اليوم أنها هى التى تسيطر على مقاليد السلطة فى طرابلس ومصراتة، وهى التى تمثل الذراع الرئيسية لنظام أردوغان فى ليبيا.
الأمر فى صورته الفاضحة الأخيرة، خاصة بعد برلين وصل للحد الذى جعل البعثة الأممية التى لطالما غضت الطرف عن عديد من انتهاكات «حكومة الوفاق»، حيث اضطرت لأن تعبر، السبت الماضى، عن: «أسفها الشديد وإدانتها للانتهاكات الصارخة المستمرة لحظر التسليح فى ليبيا، حتى بعد الالتزامات التى تعهدت بها البلدان المعنية فى هذا الصدد» خلال مؤتمر برلين، لتؤكد البعثة أن: «هذه الهدنة الهشة مهددة الآن، بسبب استمرار نقل المقاتلين الأجانب، والأسلحة والذخيرة، والمنظومات المتقدمة إلى الأطراف، من قبل بعض الدول بينها دول شاركت فى مؤتمر برلين». وهى هنا تشير بوضوح لما تقوم به تركيا، ودعتها إلى الوفاء بالتزاماتها واحترام حظر التسليح فى ليبيا، الذى يفرضه قرار مجلس الأمن رقم ١٩٧٠ لسنة ٢٠١١ والقرارات اللاحقة، احترامًا تامًا وتنفيذه بشكل لا لبس فيه. هذا دفع مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا «غسان سلامة»، ليؤكد فى تصريحات صحفية عقب مؤتمر برلين، أن الرئيس التركى رجب أردوغان تعهد فى «البند الخامس» من بيان مؤتمر برلين مثل غيره، بعدم إرسال قوات أو مرتزقة إلى ليبيا. وكان يجيب حينها عن تساؤل فى هذا السياق: «أنا لدىّ الآن ورقة، ولدىّ ما أحاسبه عليه، وقبل ذلك هذا الأمر لم يكن متوافرًا.. ولدىّ الآن تعهد منه».
الحقيقة لا يبدو أن ثمة أحدًا فى أطراف العملية التى جرت ببرلين، من يعارض خطابًا داعيًا للحل السياسى فى ليبيا، سوى تركيا. فحديث أردوغان لا يعدو أن يكون مجرد خطاب دبلوماسى يستهلكه بالمؤتمرات الصحفية والتصريحات، فى الوقت الذى تناقضه ممارسات زادت من تعقيد الأزمة الليبية، وباتت فعلًا تهدد بتحويل الوضع فى ليبيا إلى وضع مشابه لسوريا. لذلك يبدو التناقض فاضحًا، بين دعوات أردوغان لوقف إطلاق النار وحديثه عن الحلول السياسية، مع تحركاته المتواصلة لإرسال المرتزقة والإرهابيين إلى ليبيا. عبر الشعب الليبى بصوت عالٍ، ونواب برلمانه الشرعى وقبائله الوطنية الشريفة مرارًا وتكرارًا، عن رفضهم هذا التدخل واعتباره بمثابة غزو تركى صريح مع استعدادهم لمواجهته، حيث يأمل الليبيون ونأمل معهم فى إنهاء سطوة الميليشيات المسلحة، وهزيمة المشروع الاستعمارى التركى بما يضمن التوجه نحو إرساء سلطة موحدة فى البلاد، قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية ومالكة لمقدرات وثروات الشعب الليبى.