رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشعب الفلسطينى سيد قراره



للشعب الفلسطينى القول الفصل، فى الخطة أو الرؤية الأمريكية للسلام، أو فى تلك المقترحات أو التصورات التى طرحها الرئيس الأمريكى. وينبغى أن يكون القرار الفلسطينى وحده، هو أساس أى موقف عربى، فردى أو جماعى. لكن قبل ذلك، أو حتى يتحقق ذلك، نرى ضرورة إنهاء الانقسام الفلسطينى الفلسطينى، وتجديد شرعية السلطة الوطنية.
على وقع مظاهرات الشارع الفلسطينى، مساء الثلاثاء، وبالتزامن مع إعلان الرئيس الأمريكى عن خطته، رؤيته أو مقترحاته، عقد الرئيس الفلسطينى محمود عباس اجتماعًا طارئًا للقيادة الفلسطينية. ونتصور أن أهم ما طرحه عباس، أمام أعضاء منظمة التحرير وممثلى حركتى حماس والجهاد وكل الفصائل، هو إعلانه عن بدء «اتخاذ الإجراءات التى تتطلب تغيير الدور الوظيفى للسلطة الوطنية»، وتأكيده ضرورة الوحدة الفلسطينية وإنهاء الانقسام.
إلى الآن، لا يوجد فى الخطة أو الرؤية الأمريكية، إلا طرف واحد. وبالتالى، لا يجوز وصفها بـ«صفقة القرن»، أو بأنها «صفقة» أساسًا، لأن الصفقة، أى صفقة، لا بد أن تكون بين طرفين على الأقل. واشترط المعنى اللغوى للكلمة، لإتمامها أن يصفق أحد الطرفين، أى يضرب بيده، على يد الطرف الآخر. وبالتالى، ما لم يصفق الفلسطينيون على يد الإدارة الأمريكية، نكون أمام مجرد مقترحات أو تصورات غير ملزمة إلا للطرف الذى طرحها، والذى لو حاول فرضها على الطرف الآخر، بالقوة، يكون قد خالف قواعد التسويات السياسية المتعارف عليها دوليًا، ووجه «صفعة» للمجتمع الدولى. ويكون، أيضًا، قد ارتكب جريمة لو كانت بعض تلك التصورات أو المقترحات، كما هو حادث فعلًا، يخالف الشرعية الدولية وتنتهك كثيرًا من القرارات الأممية.
الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، سيظل قائمًا، ولن يتحقق السلام الشامل والعادل، ما لم يتم «التوصُل لتسوية» تعيد للشعب الفلسطينى «كامل حقوقه المشروعة من خلال إقامة دولته المستقلة ذات السيادة على الأراضى الفلسطينية المحتلة، وفقًا للشرعية الدولية ومقرراتها». وما بين التنصيص ننقله عن بيان الخارجية المصرية، الذى كان محددًا ودقيقًا حين أوضح أن مصر ترى أهمية النظر لمبادرة الإدارة الأمريكية من منطلق «فقط من منطلق» أهمية التوصل لتلك التسوية، التى نسف مطلب إعادتها «كامل حقوقه المشروعة»، وشرط توافقها مع «الشرعية الدولية ومقرراتها»، كثيرًا مما حمله عرض الرئيس الأمريكى الموجز لتصوراته أو مقترحاته.
المقترحات أو التصورات، التى تقع فى ٨٠ صفحة، دعت مصر، بحسب البيان، الطرفين المعنيين إلى دراستها، والوقوف على جميع أبعادها، و«فتح قنوات الحوار لاستئناف المفاوضات برعاية أمريكية، لطرح رؤية الطرفين الفلسطينى والإسرائيلى إزاءها، من أجل التوصل إلى اتفاق يلبى تطلعات وآمال الشعبين فى تحقيق السلام الشامل والعادل، ويؤدى إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة».
قد لا يعجبك شكل البيان أو نبرته الهادئة، التى لامست حد البرود. لكنك بقليل من التركيز ستجد أن المضمون، كاد يلامس السقف، ولم يترك شيئًا مما حملته البيانات الزاعقة الساخنة، التى صدرت عن أطراف تضع كلتا يديها فى الماء البارد، واعتادت المتاجرة، فقط المتاجرة، بالقضية. ولن نختلف، لو تحفظت على تقدير بيان الخارجية المصرية لما وصفه بـ«الجهود المتواصِلة التى تبذلها الإدارة الأمريكية من أجل التوصُل إلى سلام شامل وعادل للقضية الفلسطينية». وسنتفق معك، تمامًا، لو رأيت أن تلك الجهود تسير فى الاتجاه المضاد.
الاعتراض منطقى، أيضًا، على الرعاية الأمريكية، وحدها، للمفاوضات، ليس فقط لأن علاقة السلطة الوطنية الفلسطينية بالإدارة الأمريكية، مقطوعة، منذ أن اعترفت الأخيرة بالقدس عاصمة للإسرائيليين وقامت بنقل سفارتها إليها، أو لكونها وسيطًا غير نزيه، ولكن أيضًا لوجود شركاء للولايات المتحدة، فى «اللجنة الرباعية الدولية» أو «رباعية مدريد»: الأمم المتحدة، الاتحاد الأوربى وروسيا.
خلال أسبوع، سيتوجه وفد من القيادة الفلسطينية إلى قطاع غزة، لبدء حوار وطنى شامل يستهدف إنهاء الانقسام الداخلى، الذى فشلت كل الجهود المصرية فى إنهائه. وحال حدوث ذلك، فإن كائنًا من كان لن يتمكن من تمرير أى تصورات أو صفقات لا يوافق عليها الفلسطينيون، أو تنتهك قرارات ومرجعيات الشرعية الدولية وما تضمنته المبادرة العربية، أو لا ترد إليهم حقوقهم الأصيلة والمشروعة، وفى مقدمتها حقهم فى إقامة دولة فلسطينية مستقلة، عاصمتها القدس.
ولا يبقى غير الإشارة إلى أن موقف مصر من الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، أو العربى الإسرائيلى، إجمالًا، ثابت وواضح ولا يختلف ظاهره عن باطنه، ولا توجد أى احتمالات لتغييره. ومن رابع المستحيلات أن تدعم مصر أى جهود أو تسويات يرفضها الفلسطينيون أو لا تتضمن حلًا عادلًا وشاملًا للقضية الفلسطينية. لكن قدرنا أن نكون الدولة الأكبر والأقوى فى المنطقة، وأن يزايد علينا صغار، تجّار وموتورون، نعرف ويعرف الجميع أنهم يخلعون كل ملابسهم للإسرائيليين فى الخفاء دائمًا، وبشكل علنى أحيانًا.