رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رسالة إلى الجيش المصرى


هل تعرفون أيها الناس أين تقع مصر الآن؟ السؤال لا علاقة له بالجغرافيا، ولكن له علاقة بواقع يسطره التاريخ، مصر تقع تحت حماية الجيش المصرى، حيث يقوم بواجبه المقدس وهو حمايتها من أعتى حرب تتعرض لها مصر عبر التاريخ كله، ورغم ضراوة الحرب إلا أننا فى أعلى درجات الاطمئنان، وأقصى مراحل الحماية، لأننا نقع فى قلب جيشنا الوطنى الذى فشلت المؤامرات فى إسقاطه رغم سقوط جيوش عربية مجاورة، لذلك ليس لنا إلا أن نهتف: الله، الوطن، الجيش.
إذا كانت مصر هى هبة النيل فإن الجيش المصرى هو هبة الله الحقيقية لمصر، ولا يزال التاريخ يحدثنا عن كيف دافع الجيش المصرى عن مصر منذ فجر التاريخ، ولا تزال المعاهد العسكرية فى العالم تقوم بتدريس المعارك التى خاضها الجيش المصرى منذ عهد تحتمس الثالث التى كانت معركة «مجيدو» فى عهده هى أكبر معركة عسكرية تشهد مناورات وخططًا حربية لم يعرف البشر مثلها من قبل، وكذلك معركة «قادش» ضد الحيثيين فى عهد رمسيس الثانى، وأظننا سنعجز عن إحصاء الأمجاد التى حققها جيشنا التى لم يستطع أى جيش فى العالم أن يصل إلى قامتها وقيمتها، وصولًا إلى حرب أكتوبر المجيدة التى كانت كالأساطير التى تحققت على أرض الواقع.
وفى واقعنا الحديث وضع الجيش المصرى توقيعه على أعظم إنجاز، الذى تحقق عندما انحاز الجيش المصرى بقيادة وزير الدفاع وقتهاـ عبدالفتاح السيسى لثورة الشعب المصرى، لم يكن الوزير السيسى وقتها يفكر فى منصب رئيس الجمهورية، ولكن حدثت «هِبة إلهية» لا يدرى أحد كيف بدأت، ولكنها كانت الهبة الإلهية التى جعلت السيسى هو محط أنظار الشعب المصرى كله، وللحق نستطيع أن نقول إن الشعب كان يبحث عن قائد وزعيم، فإذا بجموع الجماهير وبشكل عفوى وتلقائى فريد تخرج عن بكرة أبيها وهى تحمل صورة السيسى وبجواره صورة عبدالناصر، واقترنت الصورتان، وامتزجت الشخصيتان فى عيون الشعب، وأصبح السيسى هو الزعيم، وشاءت الأقدار أن يستثمر السيسى تلك اللحظات بتوفيق غريب، فوصلت شعبيته إلى حد غير مسبوق، ولا يزال الجيش المصرى يواجه أئمة الشر فى العالم، برًا وبحرًا وجوًا، ولا أريد أن يظن أحد الناس أننى أبالغ، فالحقيقة أننا لن نستطيع مهما أوتينا من بلاغة أن نعطى لجيشنا حقه، وهو الآن يخوض غمار «الحرب العالمية الثالثة» دفاعًا عن مصرنا وأمنها القومى، نعم فالحرب العالمية الثالثة مشتعلة منذ سنوات، وأرض هذه المعركة هى بلادنا وبحارنا وأجواؤنا، والمدهش أن الحرب دائرة على قدم وساق ونحن فى ذات الوقت نعيش فى هدوء وأمن، وتقدم حكومتنا إنجازات غير مسبوقة، وعندما تسقط الأمم التى تحارب حتى ولو كانت منتصرة، من هول الأزمات الاقتصادية التى تطالها، إلا أن مصرنا تتعافى سريعًا ويتعافى اقتصادها وترتفع قيمة الجنيه المصرى أمام الدولار، فهل نحن من الشاكرين؟ وهل نحن من الداعمين لجيشنا؟ وهل نحن نقف صفًا واحدًا فى مواجهة أعداء الداخل الذين يريدون تقديمنا كوجبة سريعة لقوى الشر العالمية؟، وهل نعرف حقيقة عداء الإخوان لجيشنا؟
فالعقيدة التى يتم تدريسها للإخوان فى كتائبهم السرية وأسرهم التنظيمية هى أن الجيش المصرى ذو عقيدة مزيفة! كيف ذلك؟ ولماذا؟ لأنهم يقولون للشباب الغض الغرير الذى لم يستو على عوده بعد إن عقيدة الجيش المصرى ينبغى أن تكون «الدفاع عن الدين» ومحاربة من يعتدى على الإسلام والمسلمين فى أى بقعة من بقاع الأرض، فى حين أن عقيدة الجيش المصرى هى الدفاع عن الوطن بحدوده وأرضه ولا علاقة له بما هو كائن خارج مصر، وليس لديه معتقد غزو بلاد الدنيا وفتحها! وعلى هذا الفكر ينشأ ناشئ الفتيان الإخوانى، وتظل تلك الفكرة مرتكزة فى ضميره، لذلك لم يكن من المستغرب أن تكون الحرب القائمة على أرض مصر الآن تستهدف الجيش، وتسعى إلى إسقاطه، ومن أجل ذلك زرعت جماعة الإخوان حينما وصلت للحكم جيشًا تابعًا لها فى سيناء، قام على الإرهاب وتغذى على الدماء، ومدت له مددًا من غزة هو جيش حماس الذى أنشأته الجماعة الإرهابية أصلًا لكى يكون تحت إمرتها فى حربها ضد مصر وجيشها. ولكى نوثق هذا الأمر فلنذهب معًا إلى مذكرات شيخ الإخوان ومعلمهم يوسف القرضاوى الذى ما فتئ يدعو على مصر وجيشها فى السنوات الماضية، وبنفس تلك الروح العدائية لمصر ورجالها وجيشها يذكر القرضاوى أنه كان يعمل فى وزارة الأوقاف عام ١٩٥٦ وقت العدوان الثلاثى على مصر، وكان قبلها قد تم إيقافه عن الخطابة بسبب انتمائه لتنظيم الإخوان، إلا أن مصر، وقت العدوان، كانت تريد كل شعبها، تدعو الجميع، تستنهض همم أبناء الوطن، ولكن ماذا فعل القرضاوى وقت أن استدعته مصر، يقول الشيخ فى مذكراته: «وما هى إلا أيام حتى جاءتنى برقية من وزارة الأوقاف تطلب إلىّ أن أحضر بسرعة إلى القاهرة لأتسلم منبر الأزهر، لرفع الروح المعنوية فى الشعب فى هذه المرحلة الخطيرة فى تاريخ مصر، بيد أنى لم أتجاوب مع هذه البرقية، وقلت فى نفسى: إنهم يستنجدون بنا الآن، حتى إذا انكشفت الغمة طرحونا وراءهم ظهريًا». هذا رجل بلده يتعرض لعدوان ويأبى أن يقف معه فى محنته، لأنه يرى أنه لن يحصل هو أو جماعته على أى مغنم! لم يقف الأمر عند حد عدم المشاركة فى مواجهة العدوان ولكن وصل إلى حد التعاون مع المعتدين، فمن داخل سجن الواحات سرب الإخوان منشورًا يؤيد هذا العدوان ويطالب الشعب المصرى بسرعة التخلص من جمال عبدالناصر حتى يكف العدوان الثلاثى يده، وقامت أعداد من نساء الإخوان وشبابهم بطبع هذا المنشور ثم توزيعه فى الشوارع. وفى غضون عام ١٩٩٥ بعد القضية العسكرية الأولى للإخوان فى العصر الحديث حدث أن اجتمعت القيادية الإخوانية الكبيرة «زينب الغزالى» مع بعض القيادات الشابة من الإخوان، وكانت تستنفر فيهم روح الغضب ضد نظام مبارك، فقالت لهم: نحن ضد من يقف ضد دعوتنا، وقد أباح لنا الشرع أن نفرح لهزيمة أعدائنا، ألم يقل الله تعالى «غُلبت الروم* فى أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيَغلبون* فى بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون» واستمرت قائلة: «وكانت الروم وهم أهل كتاب قد نالت هزيمة من الفرس، ففرح الكفار لفوز الفرس وحزن المسلمون لهزيمة الروم أهل الكتاب، فأخبرهم الله أنهم سيفرحون فى بضع سنين عندما تتبدل الأوضاع وينتصر الروم»، ثم أنزلت زينب الغزالى هذا المفهوم على الواقع المصرى فقالت: «نحن نفرح عندما تنال مصر أى هزيمة طالما أن الذين يحكمونها هم أعداء الإخوان، وقد فرحنا عندما شن الإنجليز والفرنسيون واليهود هجومًا ثلاثيًا على مصر، وساندناهم بالإذاعات التى أنشأها الإخوان الذين هربوا من مصر إلى إنجلترا، وكانت هذه الإذاعات تحرض أهل مصر على الثورة على نظام عبدالناصر ليتوقف العدوان الثلاثى».
كانت هذه هى أكبر اعترافات لأكبر قيادية إخوانية عبر تاريخهم، الإخوان أنشأوا إذاعات فى إنجلترا موجهة إلى مصر لتأييد العدوان وتحريض الشعب ضد نظامه وحكومته، هل رأيت خيانة أكبر من ذلك؟ وهل رأيت تباهيًا بالخيانة أسوأ من ذلك؟!
والآن ليس لى إلا أن أوجه رسالة للجيش المصرى، ذلك الجيش الذى يعمل لمصر إلى حد التضحية بالروح دون أن ينتظر شكورًا من أحد، ذلك الجيش الذى يحارب الأعداء ليس نيابة عن مصر فقط ولكن نيابة عن الأمة العربية كلها، والحقيقة رسالتى لن تكون فيها أى كلمة شكر، ولكن كلمة حب، أو قل دفقة متدفقة من المشاعر، لخصتها فى بيتين من الشعر هما:
إن الـذى قـدْ قــدَّ مـنـك بطـولـةً * ورجولـةً لا تستكيـن إلـى الـنِّـوَبْ سـواك جيشا بالجهاد يقول إنَّ * السيف أصدقُ فى الحديثِ من الكُتبْ