رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تركيا «إفريقية» فى دافوس!



بعد مرور نصف قرن على تأسيس المنتدى الاقتصادى العالمى، دافوس، بتنظيم الاقتصادى الألمانى، كلاوس شواب، أول «ندوة أوروبية للإدارة»، وبينما يحاول ذلك المنتدى الحفاظ على سمعته ودوره أو ما تبقى منهما، أظهرت بعض جلسات دورته الخمسين أن منظميه يقومون بتعبئة الوقت بأى ضيوف على المنصة، أو بأى شىء فى رغيف!
تحت عنوان «الآفاق الجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا»، انعقدت إحدى تلك الجلسات العبثية، وشارك فيها عمر الرزاز، رئيس وزراء الأردن، يوسف بن علوى، وزير الشئون الخارجية بدولة عمان، الأمريكية جاين هارمن، رئيسة مركز «وودرو ويلسن الدولى»، مولود جاويش أوغلو، وزير خارجية تركيا، وكان غريبًا أن يتورط فى إدارة تلك الجلسة بورجه برنده، رئيس المنتدى شخصيًا!
النرويجى بورجه برنده، Borge Brende، كان وزيرًا لخارجية بلاده منذ أكتوبر ٢٠١٣ إلى أكتوبر ٢٠١٧، ومنتصف سبتمبر ٢٠١٧، تم الإعلان عن اختياره رئيسًا لمنتدى دافوس الاقتصادى العالمى. وبين هذا وذاك، حل ضيفًا عزيزًا على القاهرة، فى أكتوبر ٢٠١٤، ليرأس، بمشاركة وزير خارجيتنا، سامح شكرى، «مؤتمر القاهرة الدولى حول فلسطين: إعادة إعمار غزة». وبالتالى، كانت دهشتنا مضاعفة حين رأيناه يتجاهل الخريطة ويشارك فى تلك المهزلة، التى كانت فرصة مثالية لـ«غلام أردوغان» للكذب بفجاجة أو ببجاحة.
تظل تركيا دولة آسيوية، مهما ادعت غير ذلك، ومهما هيأت لها أوهامها أنها تستطيع بـ٣٪ من مساحتها أن تصبح أوروبية، وأن تحقق الحلم الذى تنتظره، منذ ٢٠٠٥، حلم الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى. وها هى تحاول إقحام نفسها على إفريقيا، سعيًا لاقتناص أى فرصة تنقذ بها اقتصادها من الانهيار الوشيك. وعليه، لم نجد تفسيرًا لتمسحها فى أوروبا، ثم فى إفريقيا، أدق من ذلك الذى طرحه جمال حمدان، حين وصف تلك «الدولة المشوهة، منزوعة التاريخ» بأنها «تمثل قمة الضياع الحضارى، فى تغيير جلدها أكثر من مرة».
تأسيسًا على ذلك التفسير، أو تأكيدًا له، زعم خلوصى أكار، وزير الدفاع التركى، أن بلاده تجاور ليبيا، وتركّز حديث جاويش أوغلو، فى جلسة دافوس، حول الأزمة الليبية، فزعم أن بلاده لم ترسل قوات إلى ليبيا، بل أرسلت فقط بعض المستشارين، وأن «مهام العسكريين الأتراك هناك تنحصر فى تدريب القوات التابعة لحكومة الوفاق الوطنى». كما زعم أن «تركيا تعهدت كغيرها من المشاركين فى مؤتمر برلين بعدم إرسال قوات أو أسلحة إلى ليبيا». ولامست بجاحته السقف بادعائه أن جهود رئيسه، الأحمق، أدت إلى خفض التوترات فى ليبيا وسوريا!
اللافت أن هذا الكلام قيل فى حضور رئيس وزراء الأردن، ومر دون تعليق منه، مع أن العاهل الأردنى الملك عبدالله الثانى، انتقد قيام تركيا بإرسال قوات إلى ليبيا، فى حواره مع قناة «فرانس ٢٤»، منتصف الشهر الجارى، وحذّر من أن ذلك «سيخلق المزيد من الارتباك». وبالنص قال إن «عدة آلاف من المقاتلين الأجانب غادروا إدلب وانتهى بهم المطاف فى ليبيا»، وطالب دول المنطقة والأصدقاء فى أوروبا بمواجهة ذلك، «لأننا لا نريد أن تتحول ليبيا إلى دولة فاشلة، ولا نريد مواجهات مفتوحة أخرى للتحالف ضد الإرهاب».
فات الرزاز، أيضًا، أن يشير، كما فعل الملك، إلى استغلال تركيا لملف اللاجئين للحصول على أموال طائلة من أوروبا، مكتفيًا بعرض تجربة بلاده فى التعامل الإنسانى مع أزمة اللجوء السورى، وعن الأعباء التى تتحملها وتكاليف استضافة اللاجئين التى لا يتلقى الأردن غير ٤٢٪ منها على شكل مساعدات من الدول والجهات المانحة. وبشكل عام أو عائم، وجه رئيس الوزراء الأردنى انتقادًا غير مباشر لتركيا، بإشارته إلى تزايد المشاكل والتحديات «عندما لا يتم احترام سيادة الدول وحدودها، وعندما يتم دعم جهة على حساب أخرى».
أما مفاجأة الجلسة، ففجرها الوزير العمانى، الذى لا ناقة لبلاده ولا جمل فى كل القضايا العربية، الإقليمية، أو الدولية، إذ قام مشكورًا بـ«ضرب كرسى فى الكلوب»، وانتقد التعامل الدولى مع أزمات المنطقة، واتهم كل الأطراف بأنها «لا تريد حل النزاعات، بل إدارتها». كما وصف من اجتمعوا فى برلين، لمناقشة الأزمة الليبية، بأنهم «اجتمعوا لحماية مصالحهم وليس لإيجاد حل».
مصطلح «التشكيل» أو «إعادة الصياغة»، Shaping، تكرر ١٨ مرة فى محاور المنتدى وعناوين جلساته، التى بدأت الثلاثاء الماضى، وانتهت أمس الجمعة. غير أننا لم نكن نتصور أن يطال التشكيل أو إعادة الصياغة «خريطة العالم»، وأن يتم استدعاء أمريكية وثلاثة آسيويين لمناقشة قضية تتعلق بـ«شمال إفريقيا» فى جلسه يديرها أوروبى. وغالبًا، أو على الأرجح، غاب عن منظمى المنتدى ورئيسه، أن بين دورته الأولى ودورته الخمسين، ارتفع عدد سكان العالم من ٣.٧ إلى ٧.٧ مليار نسمة، يستخدم أكثر من نصفهم «الإنترنت» أو الشبكة الدولية للمعلومات!