رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من المسئول عن استخراج تحاليل البصمة الوراثية في مصر؟

كشف الهوية
كشف الهوية

كانت عقارب الساعة تقترب من الخامسة فجرًا، في ليلة باردة تليق بشتاء ديسمبر العام 2019، حين تلقى قسم شرطة محرم بك الإسكندرية، إخطارًا بضرورة التحرك السريع نحو شارع طيبة بمنطقة كليوباترا، بعدما عُثر على رفات آدمية في أحد المنازل القديمة.

غموض أحاط تلك الرفات التي وُجدت على طريق محور المحمودية بالإسكندرية، ونُسبت وفقًا للتحريات إلى منزل بمنطقة كليوباترا توفيّ أصحابه منذ 7 سنوات - كما روى الجيران-، ولم يتخيل أحد أن تكون تلك رفاتهم.




سوى أن لصوص تعقبوا المنزل ظنًا منهم أنه خالي فوجدوا هيكلين عظميين لشخصين مجهولين وألقوا بهم بعيدًا، لكن نسب تلك الرفات لزوجين كانا يعيشان في ذلك المنزل منذ 7 سنوات، كان على يد تحاليل البصمة الوراثية التي أجرته النيابة في مصحلة الطب الشرعي.


كيف استطاعت تحاليل البصمة الوراثية نسب تلك الرفات للزوجين رغم وفاتهم منذ 7 سنوات؟ ومن المسؤول في مصر عن استخراج تحاليل بتلك الدقة؟ وكيف استطاعت تلك التحاليل أن تعيد أبناء إلى آبائهم وأمهاتهم والتعرف على جثث مجهولة تحللت ومر عليها زمن طويل؟.




رحلة بحث خاضتها «الدستور» تتبعت فيها تفاصيل خروج تحاليل البصمة الوراثية في مصر، توصلت إلى أن هناك 4 جهات حكومية منوط بها استخراج تحليل البصمة الوراثية هم (مصلحة الطب الشرعي المركز القومي للبحوث المصل واللقاح المعامل المركزية لوزارة الصحة والتأمين الصحي كلية الطب جامعة عين شمس)، إلى جانب المعامل الخاصة التي توجه للأشخاص العاديين.


- نسبة خطأ البصمة الوراثية لا تتخطى 1%
يُبسط الدكتور أيمن فوده، كبيرة الأطباء الشرعيين الأسبق، تحليل البصمة الوراثية بإنه يعتمد على الكروموسومات في جسد الإنسان والتي تحمل 50% من صفات الأم و50% من صفات الأب وتسمى علميًا بالجينات، ومكونها الأساس الحمض النووي.



يعتمد التحليل على الذرات الموجودة بطول شريط الحمض النووي، والتي لا يمكن أن تكون متشابه بين شخض وآخر، يقولها فوده في شرحه لماهية تحليل البصمة الوراثية، مؤكدًا أنها لا تتشابه سوى في التوأم.

فوده، يوضح أن نسبة الخطأ في تحاليل البصمة الوراثية عالميًا 1 من عشر آلاف أما في مصر لا تتخطى 1%، مفسرًا ذلك بأن التحليل يعتمد على ترتيب الذرات على الحمض النووي والذي يستخدم في معرفة المنشأ الرئيسي للشخص.

يضيف: «الأجهزة في معامل الكيمياء بمصلحة الطب الشرعي تقوم بتكسير الحمض النووي من عوامله الأساسية، والاستعانة بكرات دم من الأقارب، ومعرفة مدى تطابقها ولا يقبل التشابه فقط في تحاليل البصمة الوراثية».

- بعد اختطافها 7 سنوات.. تحليل البصمة الوراثية يُعيد «سلمى» لأمها
تحتضن «منى خالد» 35 عامًا، صورة ابنتها «سلمى» 12 عامًا، ولم تجف دموعها بعد، حتى سمعت صوت طرقات خافتة على باب المنزل، أحد ضباط قسم شرطة حلوان، يخبرها بالعثور على ابنتها: «تحليل الدي أن أية أثبت إنها بنتكوا».

قبل هذه الليلة بـ7 أعوام، كانت «سلمى»، تلهو أسفل المنزل مع فتيات الجيران، حتى ندّهت والدتها عليها من شرفة المنزل كي تصعد، فاستجابت الفتاه. مرت الدقيقة وراء الآخرى ولم تصعد الصغيرة، فطلّت «منى» من النافذة عليها لم تجدها، كذلك الحال في مدخل العقار.


اختفى أثر «سلمى» سريعًا إلا أنه ظل في وجدان الأم طوال 7 سنوات، خاضت فيهم رحلة بحث تصفها بالقاسية: «كنت فقدت الأمل في العثور عليها لاسيما أن ملامحها بالتأكيد تغيرت كثيرًا فقد كانت طفلة وأصبحت شابّة مراهقة».

بلاغ الخطف الذي تقدمت به السيدة في تلك الليلة، أتى ثماره بعد 7 أعوام حين تم العثور على الفتاه، لكن لم يستطع والديها التعرف عليها بسبب تغيير ملاحمها، فلجأت النيابة العامة إلى تحليل البصمة الوراثية.

«التحليل استغرق يومين كنا نموت فيها ونحيا وندعوا الله أن يثبت بنوتنا لها، فاستجاب، كررناه في أكثر من معمل فأتى بنفس الدقة والنتيجة»، تقولها الأم بعدما عادت سلمى إلى أحضانها من جديد.


- البصمة الوراثية تتعرف على أجداد من الفراعنة
تحليل البصمة الوراثية يحديد ماهية الشخصية بطريقة قاطعة، وفقًا للدكتور أحمد عبد الرؤوف، أستاذ الطب الشرعي بجامعة طنطا، الذي يؤكد أنه السبب الوحيد لاستخدامه هو إثبات البنوة أو نفيها، أو التعرف على الجثث المجهولة في الحوادث سواء المحترقة أو المتقطعة.

2017 قدرت مصلحة الطب الشرعي الجثث المجهولة سنويًا 3274 جثة مجهولة

عبدالرؤوف يوضح أن لمعرفة نسب أي شخص يتم عمله له تحليل للبصمة الوراثية، ولأقاربه من الدرجة الأولى ولا بد أن تكون البصمة الوراثية متطابقة ولا يكفي أن تكون متشابه فقط، حتى يتم تحديد الهوية والتعرف على البنوة.




يضيف: «البصمة الوراثية تؤخذ من خلال عينة من الدم أو الأنسجة، والتي يتم تحليلها وإعطاء كل جزء فيها نقطة، من خلال رسم بياني يتم ترتيب تلك النقاط، ومطابقتها مع البصمة الوراثية لأقارب المراد تحديد هويته».

قدرة تحليل البصمة الوراثية ممكن أن تتعرف على أجداد من الفراعنة لمعرفة الأجناس والصفات المكتسبة، يقولها عبدالرؤوف في شرحه لإمكانيات تحاليل البصمة الوراثية، التي تصل نسبة الخطأ فيها إلى حد الانعدام.




يضرب أستاذ الطب الشرعي بحادث مقتل قائد الحرس الثوري الإيراني «قاسم سليمان» مثال، بأن الجهات المعنية وجدته متقطع الأجزاء نتيجة تعرضه لانفجار ضخم، إلا أن البصمة الوراثية حددته هويته جيدًا، وتم تجميع جثته والتعرف الكامل عليها بسب تطابق البصمة الوراثية.

يحتفظ الطب الشرعي بعينة أرشيفية من معظم تحاليل البصمة الوراثية التي يجريها، عبدالرؤوف يؤكد أن ذلك من أجل وضعها في ملف الجرائم والتي يتم الاستعانة بها في القضايا الجنائية.

- الجهة رقم (1).. المركز القومي للبحوث
قبل أعوام أُنشئ داخل المركز القومي للبحوث، وحدة كاملة خاصة بتحليل الحامض النووي لإثبات البنوة أو البصمة الوراثية، تقوم تلك الوحدة بإجراء تحليل البصمة الوراثية في مبنى التمييز الطبي سواء موجهً للأشخاص أو الهيئات، وتعكف كذلك على إنتاج دراسات وأبحاث عدة في مجال تحليل البصمة الوراثية وإثبات النسب.


رحلة تحليل الحمض النووي هُنا تبدأ بسحب عينة دم من الإبن والأب أو الأم المشكوك في مدى صلتهم، ويتم استخلاص الحامض النووي من العينات التي سبق سحبها من الحالات، ثم تحليل ومقارنة 16 منطقة في العينات، لقياس مدى تطابقهم، وفقًا للدكتورة ريهام داوود، رئيس وحدة إثبات النسب بالمركز القومي للبحوث.

علميًا كما تؤكد «داوود» تحتوي عينة الابن على معدل تطابق 50% من الأب و50% أخرى من الأم، فإن ثبُت تطابق 50% ثبت النسب، مبينة أن لا بد أن يكون تحليل البصمة الوراثية دقيق بسبب حساسية نتائجه.

لذلك معامل المركز القومي للبحوث مجهزة بأفضل الوسائل لاستقبال تحاليل إثبات النسب بدون أي نسبة خطأ؛ تقوله «داوود» مستدلة على ذلك بوجود فريق كامل يعمل أكثر من شهر على التحليل، لمراجعته وإثبات النتيجة أكثر من مرة.

رئيس الوحدة تقول: «نقوم بعمل التحاليل للهيئات والأشخاص العاديين بشكل يومي، وتبلغ القيمة المالية للتحليل 6 آلاف جنيهًا، لكون المواد الكيميائية التي تستخدم أثناء مراحل التحليل لفصل الجينات من بعضها، يتم استيرادها من الخارج، ويستغرق التحليل شهر حتى تصدر نتيجته».

- تحليل البصمة الوراثية يعيد حق «نهى» وابنها في الميراث
في ليلة دافئة بصيف العام 2013، سمعت «نهى أمجد» 26 عامًا، كلمات من ابناء زوجها هزّت وجدانها: «ابنك مش أخونا، إنتي مجرد واحدة اتجوزها أبونا لمدة سنة ومات، مش من حقك جنيه واحد من الميراث».

قبل ثلاثة أعوام من تلك الليلة، خاضت «نهى» تجربة زواج لم توفق وانتهت بالطلاق، آثرت من بعدها أن تعيش وحيدة، لاسيما أنه لم يثمر عن ابناء، لكن بعد عام من ذلك استطاع صاحب مصنع خشب في منطقة بولاق بالجيزة، إقناعها بالزواج على زوجته الأولى والتي حصد منها ثلاثة ابناء رجلان وفتاه.

مرّ عام على تلك الزيجة كان ثمارها الطفل «عمار»، حتى توفى الزوج وحاول الأبناء حرمان السيدة وطفلها من حقهم الشرعي في الميراث: «شككوا في أن عمار ابنه، وهددوني بالحرمان من الميراث، وحين طالبوني بعمل تحليل بصمة وراثية في أحد المعامل الخاصة زوروه واستندوا إليه في المحكمة» تقولها «نهى».

رفعت الفتاه قضية إثبات نسب في محكمة استئناف الأسرة -تحفظت على ذكر رقمها-، فأجرى تحليل البصمة الوراثية في مصلحة الطب الشرعي، وأثبت فعليًا انتساب الابن لوالده الشرعي ولها: «استطعت الحصول بذلك التحليل على حقي وحق ابني في الميراث».



ليست «نهى وبسمة» المستفيدتان فقط من تحاليل البصمة الوراثية، التي تستخدم في التعرف على الجثث المجهولة أو إثبات النسب، فرغم عدم وجود إحصاء رسمي بشأن أعداد تحاليل البصمة الوراثية التي تُجرى في مصر سنويًا، إلا أن قضايا إثبات النسب المنظورة في المحاكم والجثث المجهولة التي تتعرف عليها مصلحة الطب الشرعي دلّت على أهمية ذلك التحليل.

التقرير السنوي لمحكمة الأسرة عام 2017، أكد أن عدد دعاوى «نفي النسب» وصل إلى 5 آلاف قضية، وهناك ١٢ ألف دعوى «إنكار نسب»، وتم رفض 1200 دعوى «إثبات النسب» بسبب تخطي عُمر الزواج أكثر من 15 عامًا ما أدى إلى تغير الحالة الصحية وعدم تطابقها عند إنجابهم الأولاد.


فيما قدّر في عام 2014، المستشار حسن منصور، نائب رئيس المحاكم الشرعية آنذاك، عدد قضايا إثبات النسب في مصر بحوالي 15 ألف قضية، وهو نفس الرقم التقريبي الذي يصدر كل عام من المحاكم.


- الرحلة رقم (2).. المعامل المركزية لوزارة الصحة
قديمًا كانت تجري المعامل المركزية لوزارة الصحة - المعامل الأم لإجراء كافة أنواع التحاليل في مصر- في منطقة السيدة زينب، تحليل البصمة الوراثية، لكن مع قلة الإمكانيات واحتياج التحليل لأجهزة دقيقة، امتنعت تلك المراكز عن اجراء التحليل وتوجه الحالات إلى الطب الشرعي.





ما يدل على ذلك، هو الموقع الرسمي للمعامل المركزية بوزارة الصحة، والتي أكدت إنه يوجد إمكانية تحليل إثبات نسب، بمبلغ 15 جنيهًا فقط، نظرًا لدعم وزارة الصحة لتكاليف إجراء التحاليل في المعامل المركزية.

إلا أن مكتب الاستعلامات في المعامل المركزية نفى وجود تحليل الـ DNA لديها، وأنه لا يوجد إمكانية عمل هذا التحليل في المعامل المركزية، كما أكدت المسئولة عن الاستعلامات لـ "الدستور" أن جميع الحالات التي تأتي للسؤال عن هذا التحليل لعمله، تقوم المعامل المركزية بتوجيهها إلى الطب الشرعي، باعتباره الجهة الرسمية الوحيدة في مصر المنوط بها إجراء هذا التحليل.


الدكتور أحمد محمود، أحد أطباء التحاليل في المعامل المركزية، يؤكد أن المعامل كانت تجري ذلك التحليل قديمًا، أما الآن فلم تعد هناك الإمكانيات الكافية لعمله، مبينًا أن تحليل البصمة الوراثية يتطلب وقت وجهد وتكاليف باهظة، فضلًا عن المواد الكيميائية والأجهزة الدقيقة.


هُنا يجرى تحليل «الذئبة الحمراء» (مرض مناعي ذاتي مزمن يمكن أن يتلف أي جزء من الجسم)، والتي لها علاقة بإثبات النسب ولكن لا يمكن الاعتماد عليها كتحليل دقيق وفاصل في إثبات أو نفي البنوه.

يقول الطبيب: «يجرى تحليل البصمة الوراثية باستخلاص الجينات المشابهة لعينات الدم التي تم سحبها من الحالات، فجميع الأماكن في مصر تقوم بعمل التحليل من خلال سحب عينة الدم، إلا الطب الشرعي الذي يستخدم أكثر من وسيلة غير عينات الدم لإثبات الهوية، مثل الأظافر أو الشعر، وخاصة في القضايا الجنائية أو الحوادث التي يشتبه وقوعها بسبب أعمال إجرامية».

- الثلاثة لم يمروا بجريمتهم.. التحليل يعيد حق"فرحة" بعد الاعتداء عليها
تُدعى "فرحة.ع"، ولم يكن لها نصيبًا من اسمها، فقد عاشت حياة قاسية، في مدينة فرشوط بمحافظة قنا موطنها الذي نشأت فيه على الحياء والخلق، ولم تكن تتوقع يومًا ما أن ثلاثة من أبناء قريتها سيفقدونها عذريتها رغمًا عنها.

العام 2018، تعرضت "فرحة" 26 عامًا إلى الخطف على يد ثلاثة من أبناء قريتها، تقول: "خطفوني في توك توك وواحد منهم ضربني بألة حادة على رأسي، وبعد ما اعتدوا عليا، حاولوا خنقي والتخلص من جثتي".


معركة عنيفة دارت بينها وبين الشباب الثلاثة كانت تقوم الفتاه بنهش وجوههم بأظافرها، فعلقت دمائهم فيها، واستطاعت الهروب منهم، وحررت محضر بالواقعة رقم 2550 لسنة 2018 إداري مركز فرشوط.

"لم أشعر باسترداد حقي بعد القبض عليهم الثلاثة"، فرحة توضح أن ما ساعدها في القضية هي تلك الدماء التي علقت بأظافرها ولاحظها أطباء مصلحة الطب الشرعي الذي عُرضت عليهم الفتاه.

تضيف: "النيابة قامت بإجراء تحليل بصمة وراثية للمتهمين الثلاثة ومقارنته ببقايا الدم التي كانت عالقة على جسدي"، وبالفعل وجهت لهم النيابة في القضية رقم (4232) قنا تهمة الخطف والاعتداء الجنسي وهتك العرض، بعدما أثبت تحليل البصمة الوراثية أن الدماء العالقة متطابقة مع دماء الجناة الثلاثة.


- من 5 إلى 12 ألف جنيهًا.. أرقام فلكية لتحاليل البصمة الوراثية الخاصة
تحاليل البصمة الوراثية ليست محصورة داخل جدران الهيئات الحكومية فقط، ولكن تجريها المعامل الخاصة أيضًا بمبالغ مالية ضخمة، وأرجع أصحاب المعامل الخاصة السبب إلى دقة تلك التحاليل، فبعض تلك المعامل تخصص في تحاليل البصمة الوراثية والبعض الآخر تنوعت لديه التحاليل.

في إحدى المعامل المتخصصة في تحاليل البصمة الوراثية فقط، بشارع سعد زغلول التابع لمحافظة الجيزة، استفسرنا عن سعر التحليل فكان 5 آلاف جنيهًا، وتظهر عقب شهر من إجراؤه، وأرجع المسؤول السبب إلى دقة تلك التحاليل وعدم وجود إمكانية الخطأ فيها.

يؤكد مسؤول المعمل، أن النتيجة تصل صحتها إلى 100% ولا مجال للخطأ فيها الذي تصل نسبته إلى 1 في المليون من كل التحاليل التي يتم إجرائها في المعمل، فهو يعتبر تحليل منزهة تمامًا عن الخطأ.

في البداية يتم أخذ العينة من الابن الابنة المراد إجراء التحليل له إلى جانب عينة من الأب وليس الأم، واجراء مقارنة على 16 نقطة في شريط الحمض النووي أو الـDNA، ولا بد أن تخرج العينة متطابقة في الـ16 نقطة، ويكون هناك تطابق في الصفات بنحو 50% مع الأب.



وفي معمل آخر شهير بمنطقة المهندسين، غير المتخصصة في تحاليل البصمة الوراثية فقط، وصل سعر التحليل إلى 7 آلاف جنيهًا، وتظهر نتيجته خلال أسبوع واحد من أخذ العينة من الأب والطفل.

طبيب التحاليل المسؤول في المعمل (تحفظ على ذكر اسمه)، يقول: «لا توجد إمكانية ولو 1% للخطأ في تحليل كهذا، بسبب صعوبة الشروط التي يضعها المعمل لإجراؤه حتى يخرج التحليل بنتيجة دقيقة، وهي الامتناع عن الجماع أو الاحتلام قبل التحليل لمدة أربع أيام قبل عمل التحليل وأن تكون العينة من الأب فقط».

وكان السعر صادمًا في معمل ثالث مُتخصص في تحاليل البصمة الوراثية بمدينة نصر، كان السعر هو الأعلى فقد وصل إلى 12 ألف جنيهًا، وأرجع الطبيب المسؤول السبب إلى تكلفة الأجهزة التي يتم عمل فيها تلك التحاليل، واستخدامها لأدوات عازلة للهواء والميكروبات حتى لا يتداخل شيء في التحليل.

وحين استفسرنا عن الاجراءات كانت حجز الاختبار، ثم أخذ عينة الأب من الوَجْنَة والشفتين، ويُمنع الأكل قبل سحب العينة بنحو ساعتين، وكذلك منع الكحوليات قبل التحليل بيومين كاملين على الأقل.

ارتفاع أسعار تحاليل البصمة الوراثية في المعامل الخاصة ليس دليلًا قاطعًا على دقتها، فهناك معامل خاصة تخطأ في ذلك التحليل الحسّاس، على عكس الجهات الحكومية التي تكون نتيجتها قاطعة ويستند إليها في القضاء، بحسب محمد عماد، مستشار لجنة الدفاع والحريات بالمنظمة الدولية لحقوق الإنسان.

يقول: «إن نتيجة تحليل البصمة الوراثية يمكن الاعتماد عليها فى نفى النسب بنسبة 100 %، وفى إثبات النسب بنسبة 99.99 %، مضيفًا أنه «رغم دقة التحليل إلا أنه عمل بشرى قابل للخطأ، ولا يمكن التأكد من صحته بنسبة 100%».


مستشار لجنة الدفاع يرى أن تحليل البصمة الوراثية ليس دليلًا كافيًا بذاته لإثبات النسب، إذ إن نتيجته قد يترتب عليها إثبات النسب ليس للأب الحقيقي، بل يتعداه إلى شخص آخر هو والد هذا الشخص، أو أخوه لاتحاد الجينات الوراثية بينه وبينهما وبين الطفل المراد إثبات نسبه».

فيما أكدت الأرقام الصادرة عن مراكز الحقوقية أن أكثر من ١١ ألف زوج قد تقدموا بشكاوى خلال الثلاثة أعوام الماضية بسبب صحة النسب، وبين رصد لمركز البحوث الاجتماعيه والجنائية عن وقوع ١٥٠٠جريمة بسبب اكتشاف الأزواج خيانة زوجاتهم خلال العام الماضى، فيما وصل عدد المحاضر المحررة فى أقسام الشرطة خلال عام 2015 بسبب الخلاف على صحة النسب إلى ٤٥٠٠ بلاغ.

- الجهة رقم (3).. المصل واللقاح
يخدم المصل واللقاح الحكومي من 4 - 5 مليون مواطن سنويًا ما بين مراكز للدم وعيادات خارجية وصرف أدوية مدعمة، من بينهم خدمة المعامل الكيمائية التي يُجرى داخلها تحليل البصمة الوراثية للراغبين، بحسب الموقع الرسمي لشركة «فاكسيرا».



تمتلك المصل واللقاح معامل طبية، تجري فيها جميع أنواع التحاليل، من بينها تحليل البصمة الوراثية، الذي يُجرى داخل في مركز طب الوراثة والجنين، في معامل معزولة تستخدم أجهزة حديثة وفقًا لـ«رشا محمد» مسؤولة معامل تحليل البصمة الوراثية بالمصل واللقاح.

ورغم ضخامة أسعار تحاليل البصمة الوراثية في المعامل الخاصة، إلا أن الجهات الحكومية لازالت تستخرجه بأسعار أقل، ففي المصل واللقاح بلغ سعر التحليل 5 آلاف جنيهًا فقط، ألفين ونصف من أجل سحب العينة من الأب وألفين ونصف لسحبها من الطفل.


تخرج نتيجة التحليل من ثلاثة أسابيع إلى شهر، ولا يتطلب الأمر كما توضح «رشا» سوى حضور الابن والشخص الذي يريد إجراء التحليل (الأب - الأم) فقط، ومعه بطاقة سارية وشهادة ميلاد الطفل إن وجدت.

مسؤولة المعامل، توضح أن العينة تؤخذ من الأب أو الأم ومن الابن، ويتم تحليلها ومطابقتها ببعضها لكون الابن يرث 50% من صفات الأم و50% من صفات الأب، عدا التوأم الذين يكون وضعهما مختلف بعض الشيء.

لا توجد في نتيجة التحليل أي نسبة خطأ ممكنة فهو يكون صحيح 100%، تقولها فتحي مشيرة إلى أن العينة لا تلمسها أي يد بشرية وتتم داخل معامل معزومة ومجهزة بأحدث أجهزة مقارنة الأحماض النووية، ولا يتم تسليمها سولا للشخص الذي تم سحب العينة منه فقط.

الفارق بين المصل واللقاح والطب الشرعي في تحاليل البصمة الوراثية، تشرحه رشا: «الطب الشرعي يكون في القضايا الجنائية كي يستخرج صاحب التحليل ورق رسمي، فتحليل البصمة الوراثية الذي يخرج من الطب الشرعي هو المعترف به فقط أمام القضاء والمحاكم، فلا بد لإجرائه أن يكون هناك محضر وقضية في قسم الشرطة ويتم التحويل إلى الطب الشرعي».


السرية التامة، هي الأساس الأول الذي يقوم عليه مركز طب الوراثة بالمصل واللقاح، في إجراؤه لتحاليل البصمة الوراثية، وفقًا للدكتورة "نرمين الصفيري"، الطبيبة بمركز طب الوراثة والأجنة، التي تؤكد أن ذلك التحليل الذي يستقبل المركز حالاته يوميًا حساس للغاية ولا بد أن يتم بدقة وسرية.

توضح أنه يتم إحراء التحليل عن طريق سحب عينات الدم من الحالات التي تشتبه في أمر النسب، ومن ثم تحليلها داخل المعامل الكيميائية بالمصل واللقاح، مؤكدة أن المركز لا يقبل أي عينات دم تم أخذها خارج معامل المصل واللقاح.

بعد ثلاثة اسابيع يمكن للحالة أن تأتي وتستلم نتائج تحاليلها بنفسها في سرية تامة، فلا يقوم أطباء المركز بتسليم النتائج سوى للحالة وببطاقة اثبات الهوية، بحسب "الصفيري".

طبيبة المعمل تشير إلى أن المركز ليس له أي علاقة بنتائج التحاليل إذا كانت إثبات أو نفي؛ لأن الأمر قد يُسبب مشاكل في الأسر والعائلات، فدور المركز هو القيام بإجراء التحليل فقط وإظهار نتائج معتمدة وموثوق بها.

- الجهة رقم (4).. كلية الطب جامعة عين شمس
العام 1982 انشأت وحدة الاستشارات الطبية والشرعية، التابعة لجامعة عين شمس، بهدف معاونة الجامعة في مجال البحوث الخاصة بالطب الشرعي، وتحاليل السموم، والممارسة الآمنة في المجال الطبي، والأخطاء المهنية.

إلا إنها تحولت بمرور السنوات والتطور إلى جهة يُستخرج منها تحاليل البصمة الوراثية، واستطاعت الفصل في تحاليل عدة، وتغيير مسارأكثر من قضية تخص إثبات النسب معظمها قضايا أثارت الرأي العام.



تقص حكاية تلك الوحدة من البداية حتى التحول إلى جهة يُستخرج منها تحاليل البصمة الوراثية، الدكتورة سمر عبدالعظيم، أستاذ الطب الشرعي بجامعة عين شمس، وواحدة من الأساتذة القائمين على وحدة الاستشارات الطبية الشرعية.


تقول: "مهام الوحدة قديمًا كانت تقتصر على تقديم الرأي الاستشاري الأكاديمي لكل الجهات والهيئات والأشخاص، الذين يتعاملون بالتقارير الطبية والتحاليل الشرعية، فضلًا عن تقديم العون للأطباء المتورطين في قضايا الأخطاء المهنية، وتعريف الأطباء والمرضى بحقوقهم القانونية طبقا لقوانين ممارسة المهنة".

أما في مجال التحاليل الشرعية، فالوحدة تعتبر من أكبر وأقدم الوحدات والمراكز في هذا المجال على مستوى مصر والشرق الأوسط، بحسب "سمر"، التي تؤكد أنها مجهزة بأحدث الوسائل وبها عدد من أفضل الكوادر؛ لاستقبال كافة حالات الاستشارات في مجال الطب الشرعي وإثبات النسب.

"الآن مهام الوحدة لا تقتصر على إعطاء الاستشارة في التحاليل الشرعية بل تستخرج منها"، تقولها عبدالعظيم في توضيحها بإنها يستخرج منها تحاليل البصمة الوراثية لإثبات الحقيقة والنسب وحل النزاعات.

تشير أستاذ الطب الشرعي، إلى أن الوحدة تستقبل أي من الحالات التي تشتبه في نسبها أو تريد التأكد والاطمئنان بشأن نسب أحد أفراد الأسرة، وفي هذه الحالة يقوم أطباء الوحدة بسحب عينات الدم من الحالات، وإرسالها إلى المعامل المخصصة لاستخراج نتيجة التحليل.

تقوم الوحدة بدور فريد من نوعه على مستوى جامعات مصر والشرق الأوسط، تكشفه عبدالعظيم، بأنه يخص الاستشارات الطبية الشرعية، إذ أن بعض المتهمين في القضايا الجنائية الذين يصدر في حقهم حكم نهائي يمكنهم اللجوء إلى الوحدة لإجراء تحليل البصمة الوراثية.

تضيف: "تصدر بعدها الوحدة تقرير خاص بها، وفي بعض الحالات تشكل وزارة العدل لجنة ثلاثية، مكونة من قسم الطب الشرعي والسموم بكلية الطب وجانب من مستشاريين وزارة العدل، بناء على استشكال تقدمه الحاالة، فيتم الإطلاع على تقارير الوحدة والطب الشرعي معًا، قبل إصدار الحكم النهائي عليه من المحكمة، ويكون القرار النهائي لوزارة العدل".

لا يعني ذلك أن وحدة الاستشارات الشرعية تصدر أحكامًا أو تنقضها، وفقًا لـ"عبدالعظيم"، لكنها تقدم الجديد للطب الشرعي وقضاؤه من الممكن أن يتغير بناء عليه مسار الحكم النهائي في قضايا عدة، ومنها قضايا أثارت الرأي العام؛ بسبب إيجاد ثغرات أو أخطاء يمكن أن يستند إليها.

وفصلت بالفعل الوحدة في قضايا عدة حساسة ومثيرة للشكوك والرأي العام، أبرزها قضايا القتل والاعتداء الجنسي وإثبات النسب من خلال تحاليل البصمة الوراثية، تقولها عبدالعظيم.

ترى أستاذ الطب الشرعي بجامعة عين شمس، أن ما يؤهل الوحدة للفصل في تلك القضايا الحرجة هو إنها مكونة من أكثر من غرفة مجهزة بالوسائل اللازمة؛ لتقديم الاستشارات الطبية في قضايا العذرية، فالغرف مجهزة لإمكانية كشف العذرية بواسطة أساتذة من أطباء الكلية والوحدة، وأيضًا كتابة التقارير الخاصة للحالات التي تريد عرضها على الطب الشرعي.