رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فريق «أهل مصر» فى ندوة «الدستور»: إصابات الحروق «قضية قومية».. وربع مليون حالة كل عام

فريق أهل مصر
فريق أهل مصر

حملوا على عاتقهم مساعدة مصابى الحروق، وظلوا يعملون ليلًا ونهارًا لساعاتٍ طويلة دون ملل، أخذوا من حديث رسول الله «أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس» مبدأ لهم فى عملهم الخيرى، فقرروا أن يكونوا النور والأمل لكل من تألم حتى انطفأت روحه، فأعطوا غيرهم فرصة جديدة للحياة.. إنهم فريق مؤسسة «أهل مصر»، الذين قرروا مساعدة مرضى الحروق، نظرًا لمعاناتهم على جميع المستويات بعد تعرضهم للحرق، فأصبحوا نبراسًا يهتدى به كل من أراد مساعدة محتاج.

على طاولة «الدستور»، دار الحديث مع فريق «أهل مصر» حول فكرة إنشاء أول مستشفى للحروق فى الشرق الأوسط، الذى يستعد فريق المؤسسة بأكمله ليصبح من أكبر المستشفيات المتخصصة للحروق فى العالم وليس الشرق الأوسط فحسب. وشاركت فى الندوة الدكتورة هبة السويدى، رئيس مجلس أمناء مؤسسة «أهل مصر»، التى أجابت عن الأسئلة، والدكتور عادل أحمد، رئيس قطاع الصحة والتنمية بمستشفى «أهل مصر»، بحضور الدكتور محمد الباز، رئيس مجلسى إدارة وتحرير «الدستور».

■ بداية.. من أين جاءت فكرة إنشاء مؤسسة متخصصة فى معالجة مصابى الحرق؟
- مؤسسة «أهل مصر» أُشهرت فى أوائل ٢٠١٣، وبدأ العمل الفعلى فى المؤسسة أواخر عام ٢٠١٤، وفى العام التالى بدأنا نفكر فى إنشاء المستشفى، بسبب حادثة لطفلة عمرها ٧ أيام احترق جسدها بالكامل بعد أن نسيت الأم شمعة بجانب سريرها. اشتعلت النار فى جسد الطفلة، وحاول أهلها التواصل مع مؤسسة «أهل مصر» لننقذ حياتها، إلا أن عدم وجود حضانات تتعامل مع الحالة وعدم وجود عناية مركزة تسببا فى وفاة الطفلة متأثرة بواقعة الحرق.
بعدها بفترة حضرت حالتان لطفلين كانا يلعبان فى «الغيط»، وأشعلا النار فى جسديهما بالفحم، وبالبحث عن مستشفى لعلاجهما توفى الطفل الأول، ولحق به الثانى فى اليوم التالى. وما أصابنى بالألم أن الطفلين لم يموتا بسبب الحرق، بل بسبب العدوى التى حدثت لهما فى الدم ومن ثم الجفاف.
■ ما أصعب مرحلة عند مصابى الحروق؟
- الـ٦ ساعات الأولى لمريض الحروق هى الفارقة فى حياته، فإذا مرت عليه نستطيع إنقاذ حياته، فمريض الحروق يختلف عن أى مريض، فهناك مرضى يتم وضعهم على قوائم الانتظار، وهو الأمر الذى يستحيل تنفيذه مع مصابى الحروق، حيث يجب إنقاذه فى أول ٦ ساعات.
هذا هو السبب وراء زيادة حالات الوفيات لمرضى الحروق، فهناك ٢٥٠ ألف حالة حرق كل عام، يتوفى فى أول ٦ ساعات منها ٣٧٪، لعدم وجود أماكن كافية لعلاجهم، أى أن هناك أكثر من ١٨٠ ألف حالة تتوفى بسبب عدم وجود أماكن مجهزة لمحاربة العدوى، فحالات الحروق تصاب بعدوى وتسمم فى أول ٦ ساعات مما يتسببان فى وفاتها على الفور.
■ لماذا تم اختيار الحروق خصيصًا لإنشاء مستشفى متخصص لها؟
- الأرقام عن مصابى الحروق صادمة، فهناك ٢٥٠ ألف حالة حرق فى مصر كل عام، والمتوافر لها العلاج لا تتعدى الـ٢٠ ألف حالة، ولكل ألف مريض سرير عناية مركزة، فهناك نقص فى عدد الأسرّة، ومريض الحروق يحتاج إلى أن يظل فى العناية المركزة لفترة من شهر إلى ٣ أشهر، إضافة إلى أنه يحتاج إلى رعاية من نوع خاص وغرف مجهزة بطريقة معينة، ولا توجد هذه الإمكانيات فى مصر، وهذا هو الواقع الذى جعل مؤسسة «أهل مصر» تتجه لإنشاء مستشفى حروق، هو الأول من نوعه فى الشرق الأوسط وإفريقيا، به ٢٠٠ سرير، و٤٠ سرير عناية مركزة.
■ هل دور مستشفى «أهل مصر» يقتصر على معالجة الحروق فقط؟
- «أهل مصر» تعمل على أكثر من محور، وقررت تناول القضية من جميع الجوانب، فإذا قلنا إن المؤسسة متخصصة فى الحروق فقط، فنحن نظلم فريق العمل بها. مؤسسة «أهل مصر» تتبنى حملات للتوعية بكيفية التعامل مع الحروق، وكيفية الوقاية منها، وإنقاذ حياة مريض الحرق، كما أن مستشفى «أهل مصر» يعيد بناء أعضاء جسم مريض الحروق بعد حدوث تشوهات لها، فأغلب الحالات التى يتم استقبالها تكون يدها «سايحة»، وكذلك عيناها وأنفها وأصابعها، كما أن هناك حالات كثيرة تتطلب زرع قرنية وأعضاء تعويضية، ومن يحدث له تسمم فى بعض أجزاء جسده يتم بتره على الفور. لذا فإن ما يفعله مستشفى «أهل مصر» هو بناء متكامل وإعداد من جديد لأعضاء الجسم مرة أخرى، ثم التأهيل النفسى للمرضى والأهالى كى يتمكنوا من التعايش مع المصابين، لأن ٩٩٪ من المصابين يتم حرمانهم من فرص الحياة المختلفة.
■ إلى أين وصل مستشفى «أهل مصر».. وما الجديد الذى يتم تنفيذه؟
- المستشفى بالنسبة لنا هو المشروع الأساسى، وانتهينا من الهيكل الخرسانى وحاليًا نعمل فى تشطيبه، ونجهز لافتتاحه فى بداية ٢٠٢١. أما البرنامج، الذى نعمل حاليًا فيه، فهو برنامج «القرية الآمنة»، فمؤسسة «أهل مصر» قررت تنمية القرى عبر الدخول فيها وحمايتها من المخاطر وبناء الأسقف بطبقة عازلة، وإعادة توصيل الكهرباء وتوصيل المياه، وتركيب حنفيات رئيسية للإطفاء فى حالة اشتعال الحرائق فى المكان.
■ ما المواصفات التى راعيتم تنفيذها فى مستشفى «أهل مصر»؟
- راعينا كل المواصفات المهمة فى المستشفى، من بينها أن المريض يجلس فى العناية لمدة ٣ أشهر دون النظر لوجهه فى المرآة، ونتمنى أن نكون سببًا فى سعادة الناس، فبعض أسر ضحايا الحروق يتمنون لهم الموت.
■ لماذا اتجهت المؤسسة إلى القرى؟
- هناك حالات كثيرة تأتى لنا مصابة بحروق من القرى، فعلى سبيل المثال جاءت إلينا ٥ حالات مصابة بحروق من قرية واحدة، وعندما قررنا إجراء بحث فى القرية وجدنا أن ٣٠٠ شخص أصيبوا فى حرائق بهذه القرية، ولم تكن هناك مياه ليتم إطفاء الحريق.
■ هل يوجد حصر لأكثر القرى المعرضة للحروق؟
- «مصر كلها».. الحروق تكون بسبب الجهل وقلة الوعى، نظرًا للحالة الاجتماعية والاقتصادية، والعنف تجاه المرأة أو الأطفال، كما أن الحرق يصبح وجعه أكبر من الحادث نفسه، نظرًا لما يعانيه الشخص المصاب بالحروق من «تنمر» بعد علاجه.
■ هل اقتصر دور مؤسسة «أهل مصر» على علاج الحروق فقط أم أن هناك أنشطة أخرى؟
- تقبّل المجتمع الشخص وإعادة تأهيله ودمجه فى المجتمع هى مهمة أساسية لنا فى المؤسسة تجاه المصاب بالحروق، وبدأنا فى دمج مصابى الحروق فى المجتمع تحت اسم «إنسانية بلا حروق»، مع إقامة مشروعات صغيرة للسيدات المصابات بالحروق، فكثير منهن يطلقهن أزواجهن، لأنهم يرفضون أن تكون زوجاتهم أو أطفالهم محروقين.
■ هل الحروق بمعزل عن الجوانب الاقتصادية؟
- لا نرى مشكلة الحروق بمعزل عن الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فالمجتمعات التى تعانى الحروق مجتمعات العالم الثالث وهى مجتمعات مهمشة، والطفل ثم المرأة ثم الرجل أكثر تعرضًا للحروق، ومن يتعرض للحروق بنسبة ٩٥٪ الفئة الأكثر فقرًا، والحرق مرض اجتماعى وله ظاهرة طبية، وله انعكاس على خدمات المستشفى.
■ هل حملات التوعية تستهدف محددًا معينًا أم أن هناك أسبابًا كثيرة للحروق؟
- نقوم بعملية التوعية المجتمعية وليس فقط الفئات الأكثر تعرضًا للحروق، لأن جميع فئات الشعب تعرضت للحرق، سواء فى المطبخ أو بسبب أجهزة كهربائية وغيرها من الأشياء، فقضية الحرق ليست بعيدة عنّا، فقبل الثورة الصناعية كان المنزل آمنًا، أما الآن فأصبح به «قنابل موقوتة»، والمنزل بشكل عام بنسقه الحضارى ليس آمنًا. إصابات الحروق «قضية قومية»، ويمكن تفاديها بالتعامل الآمن مع الأجهزة، خاصة «الدفايات» ومشترك الكهرباء، مثلما تابعنا فى حادثة والد إيهاب توفيق بسبب عدم الوعى باستخدام «الدفاية» وانفجارها. ولا يعى الناس كيفية إخلاء المنزل أثناء تعرضه للحرائق، وعدم استنشاق الهواء السام، وتفاديه، ولا بد أن يكون لدينا وعى، كما أن نجل مايا مرسى، رئيس المجلس القومى للمرأة، توفى نتيجة الاختناق فى الحمام، لأن الدخان الدافئ يؤدى إلى تضخم ممرات الهواء والحالة تتوفى على الفور إذا لم يتم إنقاذها، ولا بد أن نترك جزءًا من أحد مخارج الحمام مفتوحًا لخروج الهواء.
■ سمعنا كثيرًا عن «القاتل الصامت».. كيف يمكن تصنيف مصابى بخار الماء فى الحمام ضمن الحروق؟
- يعد أول أكسيد الكربون هو «القاتل الصامت»، حيث يستطيع أن يقتل الإنسان فى أول ٣٠ ثانية، ولم يعِ أحد خطورة المشكلة، كما أن هناك أسرًا كاملة تتوفى بسببه، لذا يجب أن يكون لدينا وعى كافٍ، فهو ليست له رائحة، ونحن نسمع كثيرًا عن وفاة المتزوجين فى الحمام بسببه.
■ هل لك أن تحدثينا أكثر عن مشروع «القرية الآمنة»؟
- مشروع «القرية الآمنة» مبنى على «المدينة الآمنة»، ونحاول فيهما أن نقى المقيمين بهما شر الحرائق، ونعلمهم كيفية التصرف أثناء الحريق، وهدفنا أثناء الحرائق إنقاذ النفس وليس الممتلكات، وكيفية التعامل مع الإسعاف ومساندة المطافئ، فهناك تجربة بالفعل تم تنفيذها فى الصعيد، وبالفعل نجحت فى القضاء على الحرائق. نسعى لتوحيد الجهود فى اتجاه التوعية، نحن الوحيدون الذين نتحدث باسم ضحايا الحروق، ومنذ ٤ أعوام ونحن «ننحت فى الصخر» كى نعرف الناس بأهمية القضية، خاصة أن الناس ليسوا على دراية كافية بما يحدث، وهذا ما دفعنا إلى العمل على توصيل أصواتهم، لكن الناس لا يريدون أن يسمعوا أو يروا ونحن نحتاج إلى مساعدات كثيرة.
■ هل هناك عائق نفسى وثقافى فى المجتمع؟
- الحرق به قلة وعى، ومن تعرض للحروق لا يتمكن من ممارسة حياته كالمعاق بصريًا مثلًا، كما أنه يتعرض للتنمر، لذا نحاول تحويل الأمر لقضية قومية، لأن أى شخص معرض للحرق، وكل مكان لا بد أن توجد به طفايات حريق، فالناس دائمًا تأخذ التعليمات دون وعى، يجب أن يتحول الموضوع لقضية رأى عام، ويتم تدريسه فى الكتب.
■ ما العوائق التى تواجهونها؟
- قلة الاستثمار فى هذه القضية هى أكثر عائق يواجهنا، فمثلًا على الجانب الأكاديمى، الأطباء لا يستطيعون تغطية تكاليف الأبحاث، لأن الأمر مكلف للغاية، وهو ما نتج عنه إغلاق المراكز البحثية.
نحتاج من صانع القرار اهتمامًا أكثر، فمثلا فى هولندا كان هناك مستشفى للصليب الأحمر للحروق كان يستقبل ضحايا الحروق بعد الحرب العالمية الثانية، ولم يعد يستقبل أحدًا. وفى السويد كان هناك ٢٣ مركزًا للحروق، تم إغلاقها جميعًا، ولم يتبق منها سوى مركز واحد فقط، لأنهم تقدموا اقتصاديًا واجتماعيًا. بدأنا من ٢٠١٥ مشروع «القرية الآمنة»، لكنه مكلف، ونحن مؤسسة مجتمع مدنى، ونعتمد على التبرعات لنشأة «القرية الآمنة»، وقررنا التمركز فى مكان واحد لتعميم الفكرة بعد ذلك. بدأنا فى قرى بنى سويف، وبدأت الأمور تسير بشكل جيد، فمثلًا تصميم أول منزل اختلف عن الآخر فى التكلفة، أول مرة فى تجربة «القرية الآمنة» كانت تكلفة المنزل كبيرة جدًا ثم انخفض بعدها، فلا توجد محافظة تخلو من الحروق، ولكن هذا الوباء أكثر انتشارًا فى محافظات الصعيد، لبعدها عن المراكز الحضارية.
■ ماذا عن دعم الدولة؟
- هناك تفاعل جيد من الحكومة، والدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، وفر لنا أرضًا للمستشفى بجوار مكتب النائب العام، والدولة تقدم دعمًا لوجستيًّا وتسهيلات إدارية، ونرغب فى تنظيم مؤتمرات كى يصل الأمر إلى صانع القرار بشكلٍ أوضح.
■ هل القرى الفقيرة تستجيب للتعامل مع الحرائق؟
- السلوك الإنسانى ثابت من شخص لآخر، وعلينا ربطه بدافع، ونحن نربط الرسائل التوعوية والثقافية بالمشاكل اليومية الخاصة به، ودخول القرية تسبقه نقاشات مع سكانها، ونعقد جلسات توعية ونعمل على إيجاد البدائل.
■ ما الآليات للتعامل مع الشباب والأطفال وتوعيتهم بخطر الحروق؟
- نعقد جلسات توعية ووقاية فى الجامعات والمدارس ضد الحروق، وننظم حملات توعية على وسائل التواصل الاجتماعى، إضافة إلى الموقع الخاص بـ«أهل مصر»، وهناك كتب توعية وألعاب وتوعية على القنوات وفى الإذاعة.
■ ما الإمكانيات المتوافرة فى المستشفى وقدرته الاستيعابية خاصة أنكم تسعون للوصول للعالمية؟
- كنا نطالب الأمم المتحدة بتحديد يوم عالمى للاحتفال بضحايا الحروق، لأنه «الشر» الوحيد الذى لم يتحدد له يوم، ونسير الآن فى تنفيذ ذلك.
ونصل للعالمية فى المستشفى بتقديمنا الخدمة لإنقاذ المواطنين والسير على خطوات محددة، وتم عرض تصميم المستشفى فى المؤتمرات الدولية، ولاقى استحسانًا، ولدينا تصميم عالمى، وتم اختيار «أهل مصر» ووضعه على الخريطة.
■ ماذا عن خطة عمل المؤسسة فى المدارس؟
- نحن نظن أن المدارس من أهم الأماكن للتوعية، وعندما يمر الطفل بتجربة يكون سفيرًا لما مر به، ولدينا استراتيجية الاستهداف، ونقوم بدمج حالات الحروق فى المدارس الحكومية والخاصة، وممارسة الأنشطة معهم، وبدأ الأطفال حاليًا يحدثوننا ويلعبون مع أطفال الحروق.