رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من عجائب الذكر.. فكر وتدبر


من عجائب الذكر، أنه العبادة الوحيدة التى لا تشترط مكانًا لممارستها، أو وقتًا لتأديتها، ففى كل وقت وحين، وعلى أى هيئة تكون، ما دمت تذكر الله، فأنت فى عبادة، وهذه العبادة مع سهولتها، هى أهم عبادة، وتعطى روحًا عجيبة لكل الحياة، حياة تسرى فيها، تخرج فيها النفس من حالة الجمود، إلى حالة إيمانية، تذوب فيها قسوة القلب، ويتوقف معها اضطراب العقل، والدوران فى حالة من الفراغ اللامتناهى.
كل المطلوب منك أن تذكر الله كثيرًا، فلا توجد عبادة جاءت معها مفردة «كثيرًا» فى القرآن إلا الذكر، هو وحده الذى وردت معه كلمة «كثيرًا»: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا»، «وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ»، «كَىْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا»، «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ».
لكن حتى يسرى الذكر فى قلبك، ويحركه للأفضل، لا بد أن يكون الذكر خلال فترة محددة، ويمكن أن تستخدم «مسبحة»، تمسكها فى يدك لتسبح بها، وتظل تردد على سبيل المثال: «لا إله إلا الله»، لمدة نصف ساعة يوميًا، يمكنك أن تواظب على هذا، فالأمر ليس صعبًا، يمكنك أن تقوم به، وأنت متجهًا إلى عملك صباح كل يوم، وسط زحمة المواصلات، والناس كلها مشدودة، بينما أنت تسبح فى عالم آخر، هادئ الأعصاب، مطمئن القلب والبال بذكر الله.. «لا إله إلا الله.. سبحان الله».
لماذا نصف ساعة؟
هى عملية تشبه المريض الذى يذهب إلى الطبيب من أجل أن يكتب له الدواء المناسب لحالته، يطلب منه أن يحصل على كورس علاج «واحد مليجرام»، لكنه أخذ «نصف مليجرام»، إذن فإنه لن يشفى، لماذا؟ لأنه لم يأخذ «الكورس» كاملًا.
ومدة الذكر اليومية التى أقترحها هى على سبيل الاجتهاد منى، ويمكنك أن تقسمها ربع ساعة فى الصباح، ومثلها فى المساء، وأنت تتريض، أو فى طريقك إلى «الجيم»، يمكن أن تردد ذكر الله، لكن شريطة أن يكون ذلك بشكل يومى، حتى يحقق الأثر المطلوب فيك، وحتى يكون الذكر سببًا فى إخراجك من حياة الجمود، ويحيى لك الحياة.
يكفى أن تسمع: «فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ»، فأنت حين تذكر الله، وتقول: «لا إله إلا الله»، فإنه سبحانك يذكرك فى السماء.. «أنا عند ظن عبدى بى.. وأنا معه إذا ذكرنى»، أنت فى معية الله، يدافع عنك، ويحفظك، ويحميك، ويهديك، «وأنا معه إذا ذكرنى، وتحرك بى لسانه».
انتوى بينك وبينك نفسك أن يكون لك ورد يوميًا من الذكر، ذلك سيجعل منك إنسانًا جديدًا، وستلمس أثر ذلك فى التغيير السريع الذى سيطرأ فى حياتك، بعد أيام فقط من مداومتك على الذكر يوميًا.. «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ».