رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أسرار الحمامصي.. محطات جديدة من سيرة «مهندس الصحافة المصرية»

جلال الدين الحمامصى
جلال الدين الحمامصى ومحرر الدستور

ماذا تعنى الكتابة عن قيمة بحجم الراحل جلال الدين الحمامصى؟
تعنى الحديث عن رجل صاحب ضمير حى وعقل متقد، لم تكن كلماته مجرد دخان فى الهواء، بل كانت دائمًا رصاصات تكشف عن كواليس ما وراء الحوار، تخترق أسوار السياسة ومجتمع الصحافة. رجل نجح بقلمه فى صناعة التماثيل لمن يستحق، وبرع فى هدم الأصنام، وكانت حروفه أشبه بالنار المنطلقة من فوهة البركان، رجل كُتب له فى لوح الصحافة المحفوظ العيش ثائرًا والموت نبيلًا، فرحلته من كتابة الخبر وصولًا إلى تقديم الموضوع الصحفى مليئة بحكايات الصدام والصراع والعزلة. فى ذكرى رحيله، التى تحل بعد يومين «٢٠ يناير ١٩٨٨»، يكشف ابنه المهندس كامل جلال الدين الحمامصى عن تفاصيل جديدة من رحلة «مهندس الصحافة المصرية».

ثورة 19 وراء ارتباطه بالسياسة وهو فى السادسة من عمره.. ومشاركة والدته فى المظاهرات أسَّست تكوينه الفكرى

يبدأ «كامل» الحديث عن رحلة والده قائلًا: «على نيل مدينة دمياط، حيث تمتزج جماليات الطبيعة، كان الميلاد لأسرة تنتمى فى تكوينها وتركيبتها الاجتماعية لواحدة من أهم العائلات الأرستقراطية فى بر المحروسة آنذاك».
الأب يُدعى محمد كامل الحمامصى، وهو رجل أديب ومفكر جمعته الصداقة والزمالة بعدد من عمالقة عصره على مستوى عالمى الثقافة والأدب، أبرزهم أمير الشعراء أحمد شوقى، والكاتب إبراهيم المويلحى، ورئيس تحرير مجلة «كوكب الشرق»، أحمد حافظ عوض. وامتلك الأب مكتبة ضخمة فى بيته، تضم ذخائر العلم وكنوز المعرفة من مؤلفات وكتب، لا تطرق بابًا للثقافة إلا وتلمسه وتتماس معه، لكن ثمة ثقبًا غائرًا فى ذلك الرداء الزاخر، يتمثل فى قلة إنتاجه الأدبى، فرغم غزارة قراءته فإنه لم يكن شغوفًا بإصدار الكتب أو تحريرها.
اللوحة تكتمل بالحديث عن نسب الأم، فهى سيدة تنتمى إلى أسرة يمتهن معظم أفرادها العمل السياسى، كأعضاء فاعلين وبارزين فى حزبى «الوفد» و«الأحرار الدستوريين» من ناحية، بجانب تقلد عدد من المناصب الوزارية على مستوى الحكومة من ناحية أخرى.
وسط تلك الأجواء الصاخبة سياسيًا واجتماعيًا جاء ميلاد الطفل «جلال»، الذى رسمت له الأقدار فى لوحها المحفوظ بورتريه الثائر المتمرد، وهى الصورة التى لازمته طيلة رحلته داخل بلاط صاحبة الجلالة.
يقول الابن: «الثورة كانت هى المشهد الأول الذى طبع بصماته على عقل أبى، فعندما كان عمره ٦ سنوات شهد بعينيه اندلاع ثورة ١٩١٩ بتحولاتها الكبرى وأحداثها العاصفة، فلأول مرة تنزل النساء فُرادى وجماعات فى مسيرات، وهن متحررات من البرقع، فى واقعة لم تغب عن بصره طيلة حياته، لكن يبقى أهم ما فى ذلك الحدث من تفاصيل كانت صورة والدته وهى تتصدر المظاهرات، تلك الواقعة أحدثت زلزالًا فكريًا طرأ على تكوينه مبكرًا».
فى تلك الفترة كان الحديث فى الشأن السياسى همًا عامًا لا تخلو منه جلسات الأدباء ولا مجالس العوام، وحينها تحول منزل العائلة بدمياط إلى منتدى سياسى يحج إليه أدباء العصر وشعراء الأمة، حيث وقف «جلال» يراقب تلك التحولات ويسترق السمع إلى تلك الحكاوى، لذلك نشأ سياسيًا بالفطرة.
كانت تلك الأجواء المشتعلة سببًا فى التعارف بينه وبين التوأم مصطفى وعلى أمين، فقد كانا مقيمين فى دمياط آنذاك، وقد توطدت بينهم الصداقة من وقتها واستمرت حتى آخر العمر.
بعد المرحلة الإعدادية ظهرت عقبة كانت كفيلة بتغيير مسار «جلال»، فبعدما أنهى دراسته لم تكن فى المدينة مدرسة ثانوية يستكمل دراسته بها، والحل الوحيد لتجاوز تلك العقبة يقتضى الذهاب إلى القاهرة والإقامة بها.
لكن تلك الرغبة قابلتها عاصفة من الرفض من جانب والدته، فقد رفضت بشكل تام ابتعاد ابنها عنها، ليتدخل الأب حاسمًا القضية بقراره بانتقال الأسرة بأكملها إلى القاهرة، وهو ما تم بعد فترة وجيزة، حيث استقرت الأسرة فيما بعد فى حى الزمالك.


عرف الضباط الأحرار مبكرًا.. صادق السادات فى المعتقل وناصر قال له: «جريدة الجمهورية بتغرق.. قوّمها»


بقصد أو دون لعبت كتابات الراحل الكبير جلال الدين الحمامصى دورًا بارزًا فى التمهيد لثورة يوليو عام ١٩٥٢، وقصة «الكتاب الأسود» كانت أبرز مثال وخير دليل، لكن فى أعقاب نجاح الحركة المباركة، جاءت رياح قادة الثورة بما لا تشتهى نفس «جلال»، فصارت سفينته وسط أنواء عاتية لم تترك لها فرصة الإبحار بسهولة، ولا حتى حرية الرسو على شاطئ الأمان.
يرصد الابن كواليس ذلك الصدام قائلًا: «علاقة والدى بتنظيم الضباط الأحرار بدأت مبكرًا، فقد تعرف إلى الرئيس السادات فى معتقل الزيتون، عقب حبسه فى قضية (الكتاب الأسود)، واقترب كل منهما من الآخر بصورة كبيرة، وفى أعقاب خروجهما من السجن ظل السادات يتردد على بيتنا بالزيارة بشكل شبه أسبوعى»، ولم تكن علاقة الصداقة قد جمعت بينه وبين «السادات» وحده دون غيره، لكنها كذلك امتدت لتشمل أيضًا خالد محيى الدين.
فى أعقاب الثورة أنزل «عبدالناصر» جلال الحمامصى فى مكانة خاصة، فاختاره بصحبة أحمد حسين للسفر إلى الولايات المتحدة، لبحث تحسين مستوى العلاقات المصرية الأمريكية، وبعدها بفترة طلب منه الإشراف على مؤسسة «دار التحرير»، قائلًا: «جريدة الجمهورية بتغرق.. والرخصة باسمى.. عايزك تروح تقومها».
وقال المهندس «كامل»: «للعلم يوجد كثيرون رفضوا قبول تلك المهمة، وعلى رأسهم الكاتب محمد حسنين هيكل، وأذكر أنه فى منزلنا كان يوجد تليفون خاص غير مسموح لأحد منا، أنا أو إخوتى، بالرد عليه، فقد كان يتواصل من خلاله عبدالناصر مع أبى».
ولأنه إذا الأشياء اكتملت لا بد من نقصانها، لم تدم تلك الحالة من الود بينهما، فقد بدأت ملامح الصدام بين الطرفين مبكرًا، وتحديدًا منذ مؤتمر «باندونج» فى إندونيسيا، فوقتها حدث بينهما خلاف مبكر حول فكرة تأميم القناة، وتحديدًا حول التوقيت والكيفية، خاصة أن «جلال» كان متأكدًا أن الموضوع سيتسبب فى حدوث آثار جانبية لمصر.
لكن الخلاف الجوهرى الذى كان سببًا فى أن يقول له «جلال» هذا فراق بينى وبينك، كان قضية تأميم الصحافة وفرض الحراسات، بجانب الانقضاض على الديمقراطية، فقد «كان أبى ضد تلك الخطوات من الألف إلى الياء»، وفق ابن الكاتب الكبير، مضيفًا: «للعلم قرار تأميم الصحافة كان قد اتخذه عبدالناصر مبكرًا، لكن وسط معافرة من والدى وآخرين تأخر التنفيذ قليلًا».
وتابع: «فى نفس التوقيت بدأ والدى فى كتابة سلسلة من المقالات الملتهبة، أشعلت فتيل الغضب فى نفس جمال، إلى أن وصل لمحطة مقاله (قضية رغيف العيش)، وفيه قدم بقلمه نقدًا حاسمًا لبعض المزاعم التى حاولت إقناع عبدالناصر بأن الزيادة السكانية تصب فى صالح قضية التنمية بالإيجاب».
وقتها وسوس البعض فى أذن الرئيس باتخاذ موقف من «جلال» وكتاباته، فتم فصله من عمله دون علمه، وحدث أنه أثناء ذهابه إلى مقر «أخبار اليوم» وجد ورقة معلقة مكتوبًا عليها قرار الفصل، فعاد من حيث أتى دون سؤال ولا استفسار.
ويقول الابن: «من بعدها قضينا سنوات صعبة، لم يطرق باب بيتنا حينها صديق أو قريب، لدرجة جعلتنا نشعر بأننا نعيش فى جزيرة منعزلة، لكن قمة الإثارة فى العلاقة بينهما وصلت لسدرة المنتهى من الإثارة فى أعقاب رحيل عبدالناصر بسنوات، وذلك عندما أصدر والدى كتابه (حوار وراء الأسوار)».
ويضيف: «الكتاب كان سببًا فى توجيه الناصريين نيران مدفعيتهم تجاهه، من يومها إلى الآن، بدءًا بتنظيم عدد من المظاهرات إلى مقر دار (أخبار اليوم)، ووصلت لمنعه من دخول الجامعة».
قصة هذا الكتاب بدأت من عند مقال كتبه الدكتور جمال العطيفى، الذى كان يعمل حينها مستشارًا قانونيًا فى جريدة «الأهرام»، وترأس وزارة الإعلام فيما بعد، متسائلًا عن قرار جمهورى لم ينشر فى الجريدة الرسمية، مستنكرًا وقوع ذلك الأمر.
هذا المقال تسبب فى سجنه وقتها، فقام «جلال» بتتبع القصة واكتشف أن الحكاية تدور حول مجموعة من الشيكات والأموال تبرع بها ملك السعودية لمصر، لكنها لم تصرف فى مسارها الصحيح، وباختصار سطور الكتاب كانت تتساءل دون أن تطعن فى ذمة «عبدالناصر» المالية.
ويضيف: «بمجرد نشر الكتاب قامت الدنيا فى مصر ولم تقعد، لكن قبل صدوره بيوم واحد كتب مصطفى أمين مقالة تعريفية عنه، فى ليلتها وجدنا مجموعة من رجال البوليس تطرق بيتنا، وتطلب نسخة للرئيس السادات لأجل الاطلاع عليها، وكان أبى قد جهز نسخة مجلدة لإهدائه إياها، لكنهم لم يصبروا لحين تجهيزها، وأخذوا نسخة أخرى».
كتب جلال الحمامصى إهداء الكتاب قائلًا: «إلى الضابط الأسمر زميل المعتقل»، قاصدًا السادات، وقتها كان الرئيس الراحل فى استراحة القناطر، فقضى ليلته ولم ينم إلا بعد أن انتهى من قراءته كاملًا، وصدر الكتاب فى اليوم الثانى دون أى ممانعة من جانبه.


بدأ العمل فى الخامسة عشرة بـ«كوكب الشرق» ورفض عرض النقراشى باشا لدعم «الأسبوع»


فى الخامسة عشرة من عمره وإبان التحاقه بالمرحلة الثانوية، مال على صديق والده المقرب أحمد حافظ عوض طالبًا منه العمل معه فى جريدة «كوكب الشرق» كمحرر صحفى، لكن تلك الرغبة كادت أن تتبخر بسبب اعتراض والده، وبإلحاح «عوض» عليه وافق، لكن اشترط عدم تعارض تلك الرغبة المشتعلة داخل ابنه مع واجباته الدراسية.
النادى الأهلى كان هو المنبع الذى تفجرت من خلاله أنهار محبته العمل الصحفى، فقد صادقه هوى العمل بالقسم الرياضى، باعتبار أن فى ذلك الفرصة الكبرى للتردد على ناديه المفضل المحبب إلى قلبه.
بعد المرحلة الثانوية كان راغبًا فى استكمال مسيرته داخل بلاط صاحبة الجلالة، لكنه فى مقابل ذلك وجد معارضة من قبل أهله ليس كمثلها معارضة، فالأسرة وتحديدًا الأم كانت ترغب فى التحاقه بكلية الهندسة، بعدما سبقه شقيقه بدخول كلية الطب، لكنه كان رافضًا الفكرة من أساسها. بعد فترة من المداولة والسجال بين الطرفين اهتدى الجميع إلى فكرة مفادها يتلخص فى قبول الابن «جلال» الالتحاق بكلية الهندسة، على أن تترك له حرية اختيار العمل الذى يرغب فيه بعد تخرجه، وبالطبع حسم قراره مبكرًا بالعمل كصحفى. خلال مرحلة الجامعة أصبح اسم الطالب جلال الدين الحمامصى مرادفًا لكلمة «الثائر»، فقد كان عضوًا فى اتحاد طلبة المدارس والجامعات، ومشرفًا على تنظيم مظاهرات الطلبة، وكثيرًا ما ألقى القبض عليه، فتتدخل العائلة للإفراج عنه آخذة عليه عهد العدول عن نشاطاته، لكن بمجرد أن يتم الإفراج عنه يعود لسيرته الأولى.
ويتذكر الابن أنه «فى مرات كثيرة كان يرفض دفع كفالة الخروج من السجن، فيذهب مصطفى أمين ويقوم بدفعها، وذلك بعد الاتفاق مع جدتى».
عام ١٩٣٥ كان حاسمًا فى مسيرة «جلال»، وبمثابة الميلاد الثانى له، فقد كان المحرك الرئيسى لثورة الطلبة، التى اشتعلت فى مصر آنذاك، كما أنه كبر فى ذلك الوقت صحفيًا، ولمع اسمه كثيرًا.
شغفه بالسياسة جعله ينتقل من مدرجات العمل فى قسم الرياضة إلى ملعب القسم السياسى بالصحف التى كان يعمل بها، لكنه لم يكتف بالمشاهدة ولم يقتصر دوره على التدوين، فقد صار فاعلًا أساسيًا ولاعبًا رئيسيًا فى كثير من الأحداث. النقلة الكبرى فى حياته جاءت لحظة لقائه والتقائه الزعيم الشهير مكرم باشا عبيد، الذى لعب دور البطولة الأهم فى حياته، لدرجة أن البعض لقبه بـ«ابن مكرم»، بحكم الارتباط القوى بينهما، فإليه يرجع الفضل فى التحاقه بحزب «الوفد»، تلك النقطة التى كادت أن تحدث شرخًا فى جدار العلاقة بينه وبين أفراد العائلة، باعتبار أن أغلب أفرادها من المنتمين لحزب «الأحرار الدستوريين».
يحكى المهندس «كامل»: «أقنع مكرم والدى بخوض الانتخابات النيابية عن دائرة الدخيلة بالإسكندرية، وفاز حينها باكتساح، لكنه لاحقًا تم إسقاط عضويته فى أعقاب صدور (الكتاب الأسود)، وكان مبررهم فى ذلك نابعًا من كونه ما زال تحت السن ولا يستحق دخول البرلمان».
فى قضية «الكتاب الأسود» لعب «الحمامصى» دور البطولة الأكبر والأبرز، فعندما اشتد الخلاف بين «مكرم» و«النحاس»، تجمعت لديه مجموعة من الأوراق التى تُدين الطرف الثانى، فذهب إلى «عبيد» فى مدينة رأس البر، حيث كان يقضى الصيف هناك، وعرض عليه آنذاك إصدار تلك الوقائع فى كتاب.
بمجرد موافقة «مكرم» تكفل «جلال» بشراء مطبعة ووضعها فى أحد المخازن بمدينة قليوب، بهدف جعلها بعيدة عن أعين «البوليس السياسى»، وهناك جرى الطبع، وبمجرد نزوله الأسواق حدث زلزال سياسى فى مصر، فتلك القضية كانت المسمار الأول والأهم فى نعش النظام السياسى، وقتها، بأكمله، سواء الملك من جهة أو حزب «الوفد» من جهة أخرى، فقد عرت تلك الواقعة مصداقية الجميع. لم تمضِ الأمور حينها بردًا وسلامًا، فسرعان ما تم القبض عليه وإيداعه معتقل الزيتون، وخرج بعدها بفترة معلنًا تطليق العمل الحزبى للأبد، وبعد ذلك بوقت قصير أسس جريدة «الأسبوع»، ونجحت فى أن تحجز لنفسها مكانًا بارزًا وسط الجرائد والصحف المصرية.
حينها كان الشقيقان «أمين» قد أسسا جريدة «أخبار اليوم»، فدعيا «جلال» للانضمام إليهما وترك تجربته فاستجاب لهما، ويعلق الابن على ذلك قائلًا: «أقول وإن كنت غير متأكد إنهما خشيا من منافسته لهما».
ويضيف: «أتى التوأم إلينا فى منزلنا وعرضا على والدى فكرة المساهمة فى استكمال مبنى (أخبار اليوم)، بجانب شراء مطبعة حديثة، فعرضت جدتى قطعة أرض تملكها للبيع، ومنحتهما المبلغ اللازم».
وللعلم عندما صدرت «الأسبوع»، كان النقراشى باشا رئيسًا للوزراء حينها، وعرض عليه تمويل الجريدة بمصاريف سرية، لكنه رفض بشكل قاطع، لأن الصحفى لا بد أن يكون مستقلًا لا تشوب تاريخه شائبة، وفق ابن الكاتب الكبير.

جمعته صداقة مع أم كلثوم.. وقصة «إحنا بتوع الأتوبيس» حقيقية

نقاط الضوء فى مسيرة جلال الدين الحمامصى كثيرة، فالكاتب الراحل كان صاحب أيادٍ بيضاء كثيرة على مهنة الصحافة، أهمها تأسيسه وكالة أنباء الشرق الأوسط، التى كانت فتحًا صحفيًا، آنذاك، غيَّر شكل العمل الصحفى وقتها، بجانب مؤلفاته التى قدمت تأريخًا وتاريخًا لأحداث هامة، لكن تظل النقطة الأبرز فى سيرته تتمثل فى تأسيسه معهد الإعلام، الذى تحول لاحقًا إلى كلية الإعلام جامعة القاهرة، التى، حسب وصف الابن، كانت فتراته بها واحدة من أسعد وأخصب لحظاته.
يكشف «كامل» الوجه الآخر فى حياة الأب: «كل تفصيلة من حياة والدى من لحظة الميلاد حتى الدقائق الأخيرة من حياته كانت مليئة بالدراما، لكنى فقط أحب أن أختم الحديث بالكلام عن طباعه الإنسانية ولمحاته الاجتماعية».
يقول: «كان أبى ديمقراطيًا لأقصى مدى، ولم يكن ديكتاتورًا فى أفكاره، لكنه حين يتخذ قرارًا يتحول إلى شخص شديد الحزم فى تنفيذه».
فى وقت ما جمعته صداقة قوية بالسيدة أم كلثوم، وذلك خلال حقبة الأربعينيات، وكانا يتبادلان اللقاءات، وقد حضرت حفل زفافه كمدعوة وصديقة، ونفس الحال مع السيدة فاتن حمامة.
وأضاف: «للعلم كتب والدى للسينما، ومن أبرز إنتاجه فيلم (إحنا بتوع الأتوبيس)، الذى يرصد وقائع حقيقية جرت أحداثها بالكامل خلال العهد الناصرى».
واختتم: «أعتقد أن الشغف بالعمل الصحفى لم ينقطع عند والدى طيلة حياته، فعندما سألته، لماذا لا يكتب مذكراته؟ قال إنه لم يصل للسطر الأخير لتجربته مع صاحبة الجلالة، وفى السنوات الأخيرة من حياته كان يستعد لإصدار جريدة دولية من باريس تخاطب المنطقة العربية والعرب المقيمين بأوروبا، لكن قوى الإثم والبغى وقفت أمام حلمه بالمرصاد».