رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نقد الرواية مع يسري عبدالله: في صالون إمبابي كانت لنا حكايات

يسري عبدالله:
يسري عبدالله:

في مسيرته لتعبيد الطريق لعلاقة أكثر فعالية بين النقد والإبداع الروائي، عقد صالون سِحْر الرواية ندوته الثانية في موسمه الثقافي الثاني، حيث استضاف الصالون، الذي يعقد بمنزل الروائي فتحي إمبابي، الناقد الدكتور يسري عبدالله الذي ألقى محاضرة بعنوان "نقد الرواية والحداثة وما بعدها" استكمالا لمحاضراته المتخصصة في مجال (النقد الأدبي - فن الرواية)؛ وكانت الندوة الأولى بعنوان "الرواية والمناهج النقدية المعاصرة".

شهدت الندوة الثانية التي أدارها الروائي الكبير فتحي إمبابي زخمًا نوعيًا وحضورًا من نخبة متميزة من الروائيين والكتاب من بينهم الشاعر عاطف عبدالعزيز، والروائية هالة البدري، والقاصة والروائية ضحى عاصي، والقاص والروائي محمد رفيع، والروائي صبحي شحاتة، والروائي هشام البواردي، والروائي شريف العصفوري، والكاتبة الروائية إنجي همام، والروائي الفلسطيني سعيد أبوغزة، والقاص زكريا صبح، والأديبة إيمان علام.

«الدستور» تنشر جانبًا من نص محاضرة "نقد الرواية والحداثة وما بعدها" للناقد الدكتور يسري عبدالله حول التحولات التي شهدها نقد الرواية ومساراته المتنوعة والتي جاء فيها:

(شهد نقد الرواية تحولات كثيرة، ليس عبر المناهج النقدية الراسخة، أو مداخلات النقد الجديدة فحسب، لكن أيضًا عبر إجراءات التحليل السردي الجديد، وما تحمله من نزوع علمي واضح، وإن ظلت مساحات التأويل حاضرة دومًا، شريطة اعتماده على أساسات نصية وليس محض تأويل في الفراغ؛ فالتحولات التي صاحبت النظرية النقدية في العالم، والانفتاح الذي شهدته الثقافة العربية على مثيلتها الأوروبية ربما ستدفع بأفق التلقي للنظرية النقدية إلى مناحٍ أخرى أكثر رحابة، كما أن الأنواع الأدبية المختلفة قد شكلت سياقاتها النقدية المستقرة، من اصطلاحاتها إلى مناهجها إلى أدواتها الاجرائية.

وفي نقد الرواية كنا أمام سيل من النظريات الحديثة، التي منحت هذا المفهوم المستقر معاني مختلفة، وأشكالا متعددة، فمن تطوير خطابات الماركسية والاستفادة من الاتجاه الاجتماعي في نقد الرواية إلى البنيوية بتنويعاتها، والتفكيك بتجلياته، والنقد الثقافي بالتماعاته، وصولا إلى آليات التحليل السردي الجديد.

في البنيوية التي تعد أحد أبرز تجليات الحداثة في النظرية النقدية، لم نكن أمام بنيوية واحدة بل ثمة بنيويات متعددة؛ فالبنيوية ليست كتلة واحدة. فهناك مثلا البنيوية اللغوية التي تعاطت مع النص الأدبي بوصفه بنية لغوية منغلقة على ذاتها، وبما أوقعه فيما يعرف بسجن اللغة.

وهناك البنيوية التوليدية ومفهومها المركزي "رؤية العالم" الذي طرحه لوسيان جولدمان بغية الوصول إلى الجوهر الثري للنص، فكانت تعبيرا رؤيويا وجماليا دالا على جدل الداخل والخارج في النص الروائي، من جهة، والتواشج ما بين الأنساق الاجتماعية المشَكّلة للنص الأدبي والطبقات التي يعبر عنها من جهة ثانية. ومن ثم تصبح طاقة التخييل الكامنة لدى الروائي هي التي تمنحه قدرة الإدراك الجمالي للعالم، والتعبير عن سياقاته المختلفة.

ثمة علاقة وثيقة إذن بين السياق الاجتماعي والنص الأدبي، يجملها بون باسكادي بقوله "إن العلاقة الجوهرية بين الحياة الاجتماعية والإبداع الأدبي لا تتعلق بمضمون هذين القطاعين من الواقع الإنساني، بل تتعلق فقط بالبنيات الذهنية، أي بهذه المقولات التي تنظم في نفس الوقت الوعي التجريبي لمجموعة اجتماعية والعالم المتخيل المبدع من طرف الكاتب.

ليست هذه البنيات الذهنية ظواهر فردية بل ظواهر اجتماعية، وهي لا تتعلق بأيديولوجيا المبدع، بل تتعلق بما يرى، بما يحس"، فكل مقولة في العمل الأدبي إذن إنما تشير إلى خارجها في الحقيقة، شأنها شأن الشخوص الذين لا يمثلون ذواتهم الفردية فحسب، بل يعبرون عن ذوات جماعية بالأساس.

ويعد لوسيان جولدمان من دفع بمصطلح رؤية العالم إلى أفق أكثر غنى، حيث "أصبح منهجا متكاملا في (البنيوية التوليدية) بدراسة البنى الفكرية والاجتماعية حتى صار الكشف عن هذه البنى الدالة كشفا عن (رؤية العالم) في النص موضوع التحليل، ومن ثم تصبح الغاية الكبرى لجولدمان في طرحه النقدي محاولة استجلاء العلاقة الجدلية ما بين النص وخارجه، وما بين البنية الإبداعية الداخلية والبنية الاجتماعية الخارجية، أو ما بين داخل النص الأدبي وخارجه، حيث تتكشف جملة من العلاقات بين ما هو جمالي وما هو اجتماعي، وتحاول دراساته، من هذه الزاوية، أن تتجاوز الآلية التي وقع فيها التحليل الاجتماعي للأدب. وهذه الرؤية على الرغم من انطلاقها من وعي الفنان الفرد إلا أنها تسعى دوما لتخليق موقف جمالي ورؤيوي يعبر عن تصور كلي للعالم، ويسعى صوب استجلاء مجمل الواقع باتساعه الثري، وتنوعه الخلاق.

كان الصالون قد عقد في موسمه الأول (2019) فعاليات عدة؛ منها مناقشة نصوص "مدن السور" لهالة البدري، "أنا ذئب كان" لمحمد رفيع، "104 القاهرة" لضحى عاصي، "تسالونكي" لشريف العصفوري، "أغنية النار" لبثينة خضر، "غرف متهاوية" لفاطمة العلي، "حسن الختام" لصفاء النجار، "شرف الله" لفتحي إمبابي، ومحاضرة للدكتور يسري عبدالله بعنوان "نظريات النقد الحديث".