رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شريف صالح: قصصي تخلق لنفسها عالمًا خاصًا بها

شريف صالح
شريف صالح

في حيثيات وصولها إلي القائمة القصيرة٬ قالت لجنة تحكيم جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية، في دورتها الرابعة 2018-2019، عن مجموعته القصصية "مدن تأكل نفسها" والصادرة عن دار بتانة:"كتابة تستثمر التراث الثقافي استثمارًا رشيدًا، في نص قصصي مبنيّ بإحكام، يستخدم لغة مليئة بالسخرية التي تناسب نقد الواقع وتلقي الناس إياه، إنه القاص شريف صالح في لقاء مع الـ-"الدستور" حول فن القصة القصيرة٬ قضاياه ومستقبله بين الأجناس الأدبية.


ــ من كتاب القصة القصيرة الذين قرأت لهم قبل أن تكتب هذا الفن الأدبي؟
قرأت لعمنا يحيى حقي من الجيل الأول، بعض نصوص محمود البدوي، المنفلوطي برومانسيته ولغته الرصينة، نجيب محفوظ القاص وليس الروائي، يوسف إدريس الذي حقق لي نقلة مدهشة خصوصًا أننا نتشارك معًا في بيئة الطفولة الريفية.

النقلة الثانية الأهم كانت بفضل جيل الستينيات خصوصًا عبد الحكيم قاسم، إبراهيم أصلان، البساطي وإدوار الخراط، أما النقلة الثالثة فكانت عن طريق الترجمة وفي صدارتها دائمًا وأبدًا مختارات تشيخوف. هناك بالطبع كتب أخرى كانت أقل أهمية في تشكيل وعيي أحدها كان بعنوان "ألوان من القصة الأمريكية" للعقاد، وكذلك "22 قصة مجرية" وكان صادرًا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.

ما الذي لفتك إلي الاهتمام بالقصة القصيرة ؟
ـ لا أتذكر على وجه الدقة.. في مرحلة مبكرة وأنا في الإعدادية بدأت كتابة خواطر شعرية٬ وفي الوقت نفسه كنت أكتب ما أعتبره قصصًا، كانت أقرب إلى تلخيص أفلام الأبيض والأسود.. وأحيانًا كنت أجلس وأحكي قصصًا شفاهية مرتجلة لأصدقاء الطفولة.. وأحاول جعلها مشوقة.. كنت متأثرًا في ذلك بجدتي بهية التي كانت حكاءة بارعة.. وكانت أول من قرأت عليها نصوصي فشجعتني.

هل قرأت شيئا عن أصول هذا الفن القصصي ؟
ـ قراءة أي فن تُمرر إلى الروح قواعده غير المرئية.. أما القراءة عن الفن نفسه، فتجعل تلك القواعد المبهمة، مرئية وواضحة.. تكشف أسرار السحر إن جاز التعبير.. لذلك كنت محظوظًا جدًا في المرحلة الجامعية عندما قررت احتراف كتابة القصة القصيرة.. ووجدت ضالتي في ثلاثة كتب بالغة الأهمية أولها فن القصيرة قصيرة لرشاد رشدي، وعبقرية هذا الكتاب أنه قدم تقاليد هذا الفن النظرية، مصحوبة بنماذج تطبيقية من أعظم القصص لأسماء مثل موبسان وبيراندللو. الكتاب الثاني كان "الصوت المنفرد" لأوكونور بترجمة أستاذي محمود الربيعي، أما الثالث فكان كتاب أستاذي الطاهر مكي وكان بعنوان "القصة القصيرة: دراسة ومختارات".

ما الذي يجعلك تختار إطار القصة القصيرة للكتابة دون غيره من أطر التعبير الأدبي؟
ـ هناك جزء غير واعٍ في اختيار القالب.. في المرحلة الجامعية كان لدي هذا القرار الواعي بأن أكون كاتب قصة قصيرة.. وحافظت على ذلك زمنًا طويلًا. أذكر أنني ذهبت في المرحلة الثانوية إلى قصر ثقافة دمياط وعرّفت نفسي لأحد الكتاب بأنني قاص وشاعر.. فنصحني بألا أشتت جهدي وأتخصص. أُعجبت بالنصيحة ونفذتها. لكن مع الوقت، بدأت أشعر بأن القصة مع محبتي لها، ورغم أن أكثر من نصف الكتب التي نشرتها هي بالفعل مجاميع قصصية.. لكن يحدث أن أشعر نفسيًا أن الفكرة لا تستجيب لقالب القصة.. حدث مثلًا أنني احتفظت بمسودة إحدى القصص لسنوات.. وفي نهاية الأمر كتبتها في صورة مونودراما مسرحية بعنوان "رقصة الديك" ونالت جائزة الشارقة للإصدار الأول.

روايتي الأولى "حارس الفيسبوك" لم تصدر إلا بعد مرور أكثر من عشرين عامًا على احتراف الكتابة، وقال كثيرون إنني تأثرت في بنائها بجماليات القصة القصيرة، وهذا صحيح نسبيًا. بالأخير اختيار الجنس الأدبي رهن بطبيعة الموضوع واستجابته لقالب معين أكثر من غيره، إضافة إلى ذاتية المزاج. لكن لا دخل لعملية النشر ورواجها.. لقناعتي أن الكاتب لا يكتب لمجرد الاستجابة لسوق النشر وآلياته الاستهلاكية.. والدليل أنني كتبت أكثر من خمس مسرحيات وبعضها قدم على خشبة المسرح ومع ذلك لم تُطبع في كتاب.. كذلك لم أصدر سوى رواية وحيدة رغم رواج جوائزها التي جعلت الجميع يتسابق لكتابتها.

ما الذي تهدف القصة القصيرة عندك إلي توصيله للقارئ؟
خلال سبع مجموعات نشرتها، والثامنة في الطريق.. يكون لدي عند كتابة كل مجموعة هواجس فكرية وجمالية تلح عليّ.. مثلًا في "مثلث العشق" التي حازت جائزة ساويرس كان انشغالي الأساسي علاقة المرأة بالرجل.. أما مجموعة "بيضة على الشاطئ" التي نالت جائزة دبي الثقافية فانشغلت فيها بثيمة الاغتراب.. وفي "دفتر النائم" كانت عبارة عن توثيق لأحلامي.. أما آخر مجموعة "مدن تأكل نفسها" والمرشحة لجائزة الملتقى للقصة القصيرة.. فهي أقرب إلى مجموعة من المراثي للمدينة وتحولاتها. عادة أنا مخلص لهواجسي الفكرية والجمالية جدًا، لكن لا أكتب وعيني على جائزة معينة، أو على إعجاب قارئ ما.. بل لقارئ مبهم قد يشاركني ـ بطريقته ـ الهواجس ذاتها.

هل استطعت من خلال ممارستك لكتابة القصة القصيرة أن تستخلص لنفسك بعض العناصر الحرفية التي تسعفك عند الكتابة ؟
ـ أظن أن ما يميز مجمل نصوصي أنها رغم انطلاقها من الواقع لا تتقيد به، ولا تحاكيه، بل هي قصص تخلق لنفسها عالمًا خاصًا بها. عالم من ورق باستعارة مقولة بارت. هذا العالم يفرض على القارئ منطقه التخييلي، وقواعده الخاصة. وفي داخل هذا العالم غالبًا ما تحضر الفانتازيا ونبرة السخرية والكوميديا السوداء، والأحلام والكوابيس السريالية.

هل تهتم في كل قصة قصيرة تكتبها بأن يكون لها مغزي بالنسبة إلي الأوضاع الاجتماعية المعاصرة؟
ـ فكرة المغزى لا تناسبني.. لستُ رجل دين ولا زعيم حزب سياسي.. وإيماني بالأفكار أساسًا مذبذب.. هذا لا يعني أن النصوص تخلو من المقولات.. لكنها مقولات نابعة من روح النص نفسه، ولا أتبناها وأومن فيها بالضرورة.

كيف يكون مدخلك إلي القصة القصيرة؟ وهل يتجه اهتمامك إلي الحدث أم إلي الشخصية؟
ـ لم أراقب أسلوبي.. أحيانًا يولد النص وينطلق من شخصية ما عالقة في ذهني.. أحيانًا من حالة نفسية أو حدث معين.. بداية النص مثل ضربة الإرسال الجيدة.. التي قد تعجب القارئ.. وأيضًا تحفزني للاستمرار في كتابته حتى النهاية.

هل تعين الزمان والمكان للحدث (أو الأحداث) التي تتضمنها القصة القصيرة أم تتركها بلا تعيين؟
ـ المكان سواء أكان واقعيًا أو تخييلًا لابد أن يتعين.. لأنه لا يوجد سرد في الفراغ.. لكن اهتمامي بالتعيين يكون مكثفًا إلى حد ما، ودراميًا.. أي بالقدر الذي يخدم منطق النص وليس لمجرد استعراض الوصف. خصوصا أن القصة بطبيعتها تأبى الحشو والثرثرة.

هل تري فيما أنجزت حتي الآن من قصص قصيرة أنه يمثل مراحل تطور متعاقبة ؟ فإن كان.. فكيف تري نتيجة هذا التطور؟
ـ أظن أن المجاميع التي نشرتها والجوائز التي حصلت عليها من مصر والعالم العربي.. تجعلني أشعر أنني محظوظ بالتأكيد.. وفي الوقت نفسه تشير إلى أن لدي تجربة لا بأس بها.. ولابد أنها قد تطورت وانفتحت على مناطق متعددة في الواقع.. وجماليات مختلفة لهذا الفن.. كما كان لها تأثيرها الممتد داخل روحي أيضًا. لكن الحكم على ذلك وتقييمه متروك للقارئ والناقد. لأن الكاتب عادة يعمل وفق مبدأ بورخيس.. نقرأ ما نرغب، ونكتب ما نقدر عليه.

كيف تري مستقبل هذا النوع الأدبي؟
ـ لا أومن بأن أي فن ينقرض.. الرقص وهو من أقدم الفنون على الإطلاق مازال حاضرًا.. والمسرح.. والشعر.. فالفنون تتواصل وتتقاطع.. وتعيد اكتشاف ذاتها ومساءلة أدواتها.. لكنها لا تنقرض.. وتظل بالتأكيد تفتح آفاقًا غير متوقعة لمستقبلِها.. لذلك لا أشعر بأن القصة القصيرة في خطر.. أو أن الرواية أخذت منها الاهتمام والشهرة والجوائز.. أمس واليوم وغدًا ستكون هناك دائمًا قصصًا قصيرة مبهرة تتشهى قراءها. وأعتبر نفسي أحد قراءها حتى لو توقفت نهائيًا عن كتابتها.