رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حادث الطائرة الأوكرانية يجدد أحزان المصريين


جلست أتابع بحزن وشغف حكاية شيدا شادكو السيدة الكندية ذات الأصول الإيرانية، وهى واحدة من ١٧٦ ضحية لقوا حتفهم بسبب الصاروخ الإيرانى الذى أسقط طائرتهم، وقتلهم دون أى ذنب.
كانت رحلتها ستغادر طهران، حيث قضت أيامها الأخيرة مع أسرتها، إلى العاصمة الأوكرانية كييف، ومنها إلى تورنتو بكندا، حيث تعيش مع زوجها وفجأة تملكها الخوف الشديد بسبب التطورات السياسية المتلاحقة، فالتقطت صورة بهاتفها وهى على متن الطائرة، وأرسلتها إلى زوجها مع عبارات تعبر عن خوفها من أن تشب الحرب فجأة، وقال زوجها «حسن» بعد الحادث المروع: تحدثت إليها قبل ٢٠ دقيقة من إقلاع الطائرة، كانت تريد منى أن أؤكد لها أنه لن تكون هناك حرب، قلت لها لا داعى للقلق، وبعد ذلك أخبرته بأن الطاقم يطلب منها إغلاق الهاتف، لأن الطائرة ستقلع.
ويؤكد حسن أن زوجته كان لديها هاجس أن الطائرة ستقع، وكانت قلقة أيضًا بشأن أفراد عائلتها الذين يعيشون فى طهران.
من المؤكد أنه كانت هناك عشرات الحكايات الإنسانية للركاب الذين قضوا نحبهم بلا ذنب أو جريرة، بسبب الصاروخ الإيرانى الذى قصف طائرتهم المدنية، فقتلهم وأدمى قلوب أسرهم وأحبابهم إلى الأبد. وقد جددت هذه الواقعة أحزان الكثيرين حول العالم، ممن فقدوا ذويهم فى أحداث مماثلة، فقتلوا بصاروخ أو بعبوة أو لأى سبب سياسى، وهم جالسون فى مقاعد طائرات مدنية، فإذا كانت إيران هى المعتدية فى هذا الحادث، فقد سبقتها الولايات المتحدة بجريمة مماثلة فى ٣ يوليو ١٩٨٨ عندما أسقطت إحدى طائراتها العسكرية فوق مياه الخليج، طائرة مدنية إيرانية كانت متجهة من مدينة بندر عباس إلى دبى، بواسطة صواريخ مضادة للطائرات، فقتلت ٢٩٠ راكبًا، بينهم ٦٦ طفلًا و١٦ شخصًا من أفراد الطاقم.
لكن حادث الطائرة الأوكرانية جدد أحزان كثير من المصريين، الذين فقدوا أحبابهم فى حادث الرحلة ٩٩٠ لطائرة مصر للطيران، وهى من طراز بوينج بى ٧٦٧-٣٠٠، والتى سقطت- أو أسقطت- بعد إقلاعها من نيويورك، وهو ما يعرف بحادث طائرة الطيار جميل البطوطى، رحمه الله، والذى فقدنا فيه ٢١٧ مصريًا. ورغم مرور أكثر من ٢٠ عامًا على الحادث الذى وقع يوم ٣١ أكتوبر ١٩٩٩، فإن كل التفسيرات التى قدمها الجانب الأمريكى عنه لا تجد من يصدقها، فقد زعمت التقارير الأمريكية فى البداية أن الكابتن البطوطى ربما يكون هو من أسقطها، خلال عملية انتحاره، مستشهدة بأنه كان يردد خلال السقوط عبارة «توكلت على الله»، وهو ما نفاه لى- آنذاك- ابن عمه الدكتور جلال البطوطى الذى أكد أنه كان رجلًا مؤمنًا، شديد الإيمان ويعيش حياة أسرية ومهنية هادئة، وأنه من الطبيعى أن يذكر الله وقت الخطر.
وقد استبعد الرئيس الأسبق مبارك، الذى وقع الحادث فى عهده، فرضية الانتحار، وقال: «لو كابتن الطائرة يرغب فى الانتحار، المساعد لن يسمح له بالانتحار هو وكل الموجودين فى الطائرة، وأنه لن يضحى بحياته، وأن أبسط شىء هخبطه بحاجة فى دماغه أدوخه وأرميه ورا وهناك ٤ طيارين آخرين فى طاقم الطائرة».
وأكد مبارك أن أحد طيارى رابطة الطيارين الأوروبيين، قال لأحد طيارى مصر للطيران هناك، إنه لن يتم الإعلان عن أن هناك عملية تخريبية «خاصة أنه كان على متنها أكثر من ٣٠ عسكريًا»، لأنها أقلعت من مطار نيويورك، وأيضًا لن يعلنوا بأنه عيب فنى من أجل الحفاظ على سمعة شركة «بوينج» الأمريكية للطيران.
وكان من بين الروايات التى ترددت آنذاك أن الطائرة ربما تكون قد أسقطت بصاروخ أمريكى بصورة خاطئة، وفى يناير ٢٠١٤ ظهرت رواية جديدة بعد أن أقرت إدارة الطيران المدنى الفيدرالية فى الولايات المتحدة بوجود خلل فى ذيل الطائرة البوينج ٧٦٧، وبذلك خلصت إلى ما يعتقد الخبراء أنه كان سبب سقوط الطائرة المصرية، وذلك قبل أن يتم حظر تحليق هذا الطراز من الشركة المنتجة مطلع عام ٢٠١٩ بعد حادثى سقوط متتاليين. وهو ما يؤكد، وفق هؤلاء الخبراء، أن البطوطى لم يسقط الطائرة وإنما حاول إنقاذها، وأنه لا شىء سيُظهر الحقيقة سوى فتح التحقيق مجددًا فى الحادثة.. ومع تعدد الروايات وتعاقبها على مدى ثلاثة عقود ما زلنا لا نعرف الحقيقة إلى اليوم ونتمنى أن نعرفها.
وهناك حادث أقدم عمره الآن نصف قرن للطائرة الليبية التى أسقطتها طائرتان إسرائيليتان فوق سيناء، وكانت تقل المذيعة التليفزيونية الشهيرة سلوى حجازى، وراح ضحيته ١٠٨ ركاب، فقد وقع الحادث فى ٢١ فبراير ١٩٧٣، بعدما أقلعت الطائرة وهى من طراز «بوينج ٧٢٧»، من مطار طرابلس فى طريقها إلى مطار القاهرة.
وزعمت إسرائيل أنه بعد دخول الطائرة الأجواء المصرية تعرضت لعاصفة رملية أجبرت الطاقم على الاعتماد كليًا على الطيار الآلى، ما أدخلها عن طريق الخطأ فى المجال الجوى لشبه جزيرة سيناء المحتلة آنذاك، فقامت طائرتان إسرائيليتان من طراز «إف-٤» بإسقاطها. وبسبب ما ورد فى الصندوق الأسود، من أن الطائرتين الإسرائيليتين اقتربتا من الطائرة المدنية، وعندما تأكدتا من وجود المذيعة المصرية بها أطلقتا عليها صواريخهما التى أدت لإسقاطها، حاول أبناء وورثة سلوى حجازى فتح ملف اغتيالها أكثر من مرة والتحقيق فى مقتلها، بالرغم من مرور سنوات عديدة على الحادث، ففى عام ٢٠٠٣ تقدمت ابنتها لفتح القضية من أجل محاكمة المسئولين الإسرائيليين الذين تورطوا فى إسقاط الطائرة، على رأسهم وزير الدفاع الإسرائيلى الأسبق موشى ديان، وتجددت القضية مرة أخرى عام ٢٠١٥، حيث تقدم ورثة المذيعة بتاريخ ١٩ مايو ٢٠١٥ بدعوى قضائية للمطالبة بحقوقهم المادية والمعنوية نتيجة ما تعرضوا له، ورفضت محكمة جنوب القاهرة قبول الدعوى فى ٢٥ نوفمبر من العام ذاته.
الحقيقة المؤكدة أن قتل ركاب الطائرات المدنية جريمة إنسانية لا تغتفر، أيًا كانت جنسية الركاب، وحتى لو قيل إن ذلك كانت نتيجة حسابات عسكرية خاطئة.. فهذه الحسابات الخاطئة أو المتهورة تصيب أهالى الضحايا بقهر ومرارة لا تمحوها السنون الطويلة، فمن يعوضك عن أب أو أم أو ابن فقدته إلى الأبد بلا سبب.