رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اعتقال سفير!


مفاجآت إيران لا تتوقف. انتقمت لمقتل رجلها القوى، قاسم سليمانى، بقتل ١٧٦ شخصًا، معظمهم إيرانيون، كانوا يستقلون طائرة ركاب أوكرانية. ثم أدهشتنا، وأدهشت العالم، باعتقالها روب ماكير، السفير البريطانى لديها، بزعم قيامه بتحريض مَن احتشدوا لتأبين أو تكريم ضحايا الطائرة، أو احتجاجًا على قيام صواريخ النظام، الذى يحكمهم، بقتلهم.
بمنتهى الهدوء أو البرود، استقبل دومنيك راب، وزير الخارجية البريطانى، الخبر وقال فى بيان إن اعتقال سفيرهم «بدون مبرر أو تفسير هو انتهاك صارخ للقانون الدولى». وحذّر إيران من أنّها تقِف الآن عند «مفترق طرق»، وعليها أن تختار بين «سيرها نحو وضع المنبوذ» أو «اتّخاذ خطوات إلى الأمام لتهدئة التوتّرات والانخراط فى مسار دبلوماسى».
ردًا على القصف الصاروخى الأمريكى، الذى أودى بحياة سليمانى، قائد «فيلق القدس»، التابع لـ«الحرس الثورى الإيرانى»، وعددًا من أتباعه وعملائه، فى العاصمة العراقية بغداد، أطلقت طهران ١٢، أو ١٥ أو ٢٢ صاروخًا، على قاعدتين عسكريتين عراقيتين تستضيفان جنودًا أمريكيين. ولأنها لم تسفر عن قتلى أو مصابين، ظننّا فى مقال سابق أنها من طراز «العيار اللى ما يصيبش يدوش»، لكن اتضح، لاحقًا، أن واحدًا منها، على الأقل، أصاب هدفًا ثمينًا، لكنه كان كتلك التى «راحت تجيب تار (ثأر) أبوها، رجعت حامل»!.
لا نعتقد أن الإيرانيين فى حاجة إلى من يحرضهم على التجمع أو الاحتشاد تكريمًا للضحايا أو لإدانة قاتليهم، أو احتجاجًا على ما سيتتبع ذلك من خسائر، أبسطها أن طهران نفسها قد يتم بيعها فى مزاد علنى، لسداد التعويضات التى تطالب بها أوكرانيا، صاحبة الطائرة، وكذا أسر الضحايا، وتحديدًا غير الإيرانيين: ٦٣ كنديَا يحمل غالبيتهم الجنسية الإيرانية، ١١ أوكرانيا، ١٠ سويديين، ٤ أفغان، ٣ ألمان، و٣ بريطانيين. ولو افترضنا وجود محرضين، أو أن لهم دورًا، فإن أكبرهم سيكون الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، الذى كتب فى حسابه على تويتر، بالإنجليزية والفارسية: «إلى الشعب الإيرانى الشجاع الذى يعانى منذ فترة طويلة، أنا بجانبكُم منذ بداية رئاستى، وستظل إدارتى إلى جانبكم.. نحن نتابع تظاهراتكم عن كثب، وشجاعتكم تُلهمنا».
على النظام الإيرانى، إذن، أن يرسل مجموعة من خيرة رجال «الحرس الثورى» إلى واشنطن، لاعتقال الرئيس الأمريكى، وسَبْى «الجميلة» مورجان أورتيجاس، المتحدّثة باسم الخارجيّة الأمريكية، التى كان رد فعلها على اعتقال السفير البريطانى أكثر قوة من رد فعل بلاده، وطالبت طهران، فى حسابها على تويتر بالاعتذار رسميًّا للمملكة المتحدة، وباحترام حقوق الدبلوماسيّين.
اللافت، هو أن بريطانيا التى كان ثلاثة من مواطنيها على متن الطائرة الأوكرانية، تعاملت ببرود، أيضًا، مع إقرار إيران، أو اعترافها، بأن صواريخها أسقطت الطائرة. فقد اكتفى بيان أصدره مكتب رئيس الوزراء البريطانى، السبت، بوصف الإقرار أو الاعتراف بأنه «خطوة أولى مهمّة»، وطالب بـ«خفض التصعيد». وشدّد على أهمية المضى قدمًا «فى المسار الدبلوماسى». وربما حفظًا لماء الوجه، أشار البيان إلى أن بريطانيا ستبذل كلّ ما بوسعها «لدعم عائلات الضحايا البريطانيّين وطى الصفحة بالشكل الذى يستحقونه»!.
ربما بسبب هذا البرود، والبريطانيون معروفون ببرودهم، أعلنت الخارجية الإيرانية، أمس الأحد، عن استدعائها، مجددًا، السفير البريطانى، بعد أن اعتقلته، السبت، وبعد أن كانت قد استدعته، الثلاثاء الماضى، على خلفية تصريحات بريطانية، بشأن مقتل قاسم سليمانى. وقالت الوزارة، فى بيان، إنها أبلغته احتجاجها وإدانتها لتصريحات «بعض المسئولين البريطانيين».
مقتل سليمانى فجّر مواقف دولية متباينة، كان بينها ذلك البيان الذى أصدره بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطانى، الإثنين، جاء فيه أن سليمانى كان «يشكل تهديدًا لجميع مصالحنا.. ولن نأسف على قتله». وقبل هذا البيان، قال دومينيك راب، وزير الخارجية، بوضوح، أن موقف بلاده مؤيد لواشنطن، وترى أنها مارست حقها «فى الدفاع عن النفس». كما ذكر بن لاوس، وزير الدفاع، أن «الصبر على جرائم إيران المدمرة قد انتهى».
هؤلاء، إذن، هم «بعض المسئولين البريطانيين» الذين أشار إليهم بيان الخارجية الإيرانية. فهل كانت طهران تنتظر بيانًا من ملكة بريطانيا، بشخصها وصفتها، لتدرك أن هذا هو الموقف الرسمى للمملكة؟! الله أعلم بنياتهم، أو بدوافعهم لاحتجاز ثم إخلاء سبيل، ثم استدعاء ذلك السفير المسكين، الذى لا نعرف سببًا لاستبقاء بلاده له فى تلك «المعجنة»، أو مبررًا لحرصها على وجود تمثيل دبلوماسى لها فى دولة اعتادت توجيه الإهانات لها بشكل متكرر.
.. وأخيرًا، نتمنى أن يستجيب النظام الإيرانى للنصيحة، التى أسديناها له منذ قليل، ويرسل عددًا من خيرة رجاله إلى واشنطن لاعتقال الرئيس الأمريكى، وسَبْى الجميلة، المتحدّثة باسم خارجيته. وعشمنا كبير فى أن ينجزوا المهمة على طريقتهم، أو كعادتهم، ويقوموا باعتقال مرشدهم على خامنئى وسَبْى رئيسهم حسن روحانى!.