رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الدستور» ترصد مخالفات مستشفى بولاق قبل استجواب وزيرة الصحة

جريدة الدستور


ساعات قليلة تفصلنا عن مناقشة أول استجواب تحت قبة البرلمان لوزارة الصحة والسكان، بعدما تقدم النائب محمد الحسيني به عن تهالك مستشفى بولاق الدكرور العام، ومعاناة قاطني المنطقة من عدم توافر خدمات صحية، ما جعلهم يبحثون عن مستشفيات أخرى تكلفهم كثير من المال والمعاناة.

لم تكن تلك هي الشكوى الأول بشأن مستشفى بولاق الدكرور، فقد تقدم النائب محمد أحمد إسماعيل بطلب إحاطة آخر في ديسمبر 2018، بسبب إهدار المال العام فى مبنى المستشفى لأكثر من 12 عامًا، بجانب العجز في الوحدات الطبية.

"الهدف من الاستجواب هو إحداث تطوير حقيقي في المنظومة الصحية"، هكذا يرى النائب الحسيني، الغرض من استجواب وزيرة الصحة يوم الثلاثاء القادم داخل البرلمان المصري، يقينًا منه بأن هذه المستشفى هي نموذج بسيط للمستشفيات الحكومية في مصر، وتطوير المنظومة هو حق واجب على الدولة تجاه المواطن.


كان الاستجواب مستوفيا جميع الشروط القانونية واللائحة، مما جعل مجلس النواب يوافق على مناقشته لأول مرة تأكيدًا على دوره الرقابي في محاسبة المسؤولين، بالإضافة إلى أنه سيتم قبول اقتراحات بعد انتهاء المناقشة قد تتضمن تقديم طلب بسحب الثقة من الوزيرة، بشرط أن يكون موقعًا من 60 نائبًا.

تجولت "الدستور" داخل مستشفى الدكرور العام قبل يوم واحد من موعد استجواب وزيرة الصحة، للتحقق من المشاكل، وسبب نقص الوحدات والأجهزة الطبية.



البداية كانت بتفقد الأجزاء المتهالكة بالمستشفى، ومتابعة حال المرضى المتواجدين داخله من مدى توفير الإمكانيات الطبية، وكيفية التعامل معهم، وتبين أن المشكلة ليست فى طاقم عمل المستشفى، الذي بدى عليه التعاون مع المرضى، لكن في عدم وجود أطباء لاستيعاب أعداد المرضى من أهالي الحي الكبير.


سيدة عجوز تتوجع من شدة آلامها أمام الباب الخاص بقسم الطوارئ والاستقبال، اتكأت على يد أخرى لا تعرفها، بعد أن يأست من وصول أحد العاملين لاستقبالها واصطحابها لغرفة الطوارئ، بالرغم من الآهات، تعبيرًا عن شدة الألم الذي تشعر به.

كان المشهد قاسيًا حين عجزت السيدة عن الدخول سريعًا للكشف عن سبب مرضها في الجزء السفلي من الظهر، لكن سرعان ما تدخل أحد الممرضين لاصطحابها، واتضح أن هناك عجز شديد في الطاقم الطبي بالمستشفى، هكذا كان حال قسم الطوارئ.

مباني قديمة تآكلت جدرانها، أسياخ حديد تخرج منها، أرض مششقة، والجميع يتوخى الحذر أثناء سيره بين أركان المستشفى، بوابات حديديةقديمة، نوافذ محطمة، أساسنيرات معطلة تمامًا، فالوافدون يعتمدون على السير حتى الوصول للغرفة المتوجهين إليها، بسبب عدم تواجد طاقم تمريض كافي للاهتمام بهم.




القمامة تحاصر المستشفى، بقايا الأجهزة والمعدات التالفة متروكة خلف المبنى، حفر واسعة كل 50 متر تقريبًا، قطط تنتشر في الطرقات، معظم المكاتب خالية من موظفيها، بالرغم من أن الوقت حينها كان في تمام الساعة الرابعة عصرًا، الصيدلية أيضًا مغلقة.


وبسؤال عدد من أطباء وموظفي مستشفى بولاق الدكرور العام، تبين أن مشكلة المستشفى لم تقتصر على ما رصدته "الدستور" من مباني متهالكة، بل الأزمة الأكبر هي تخاذل أطباء في أقسام بعينها عن تأدية دورهم الوظيفي.

"دكتور الباطنة بقاله 3 أيام مجاش، مفيش عندنا قسم للأطفال"، هكذا تحدث أحد أفراد الطاقم الطبي في قسم الطوارئ، مشيرًا إلى أن هناك عجز في عدد الأطباء والعاملين بالمستشفى، رغم أنه يخدم أهالي حي بولاق بالكامل.

وعن سبب غياب الأطباء، قال: "يتقاضون أجورًا بالخارج أضعاف ما يحصلون عليه، لذلك يكون آخر اهتمامتهم التواجد في المستشفى بشكل يومي، بل أن هناك أقسام لا يوجد بها أطباء من الأساس مثل قسم جراحة الأطفال".

يعاني أطباء مستشفى بولاق الدكرور العام من عدم توافر أجهزة طبية حديثة، مما يجعلهم غير قادرين على ممارسة العمل، رغم الجهود التي يبذلونها في إنقاذ المرضى الوافدين على المستشفى، بجانب المشاكل التي يختلقها مرافقو المرضى أثناء تواجدهم،التي تصل غالبًا إلى السب والقذف، والتعدي على الطاقم الطبي بالضرب.

"أهالي المرضى ضربونا كذا مرة، وكسروا معدات وأجهزة طبية كتير"، تقولها إحدى الممرضات وهي تتذكر المشهد الأليم الذي عاشته داخل غرفة العمليات أثناء وفاة إحدى الحالات الطارئة، حين تعدى عليها ذوي المريضة بالضرب المبرح، وتستوقف حديثها لتمسح دموعها التي انهالت من عينيها أثناء الحكي، لتستكمل قائلة: "ضربوني يومها لحد ما وشي كان كله دم".


مشكلة كبيرة يعاني منها مستشفى بولاق الدكرور يوميًا، هجوم أهالي الحي علي طاقم العمل أثناء دون تواجد أمن كافي،لذا يستنجدون بالمسؤولين عن المنشأت الصحية بسرعة توفير شركة حراسة لتأمين المستشفى من تعديات قاطني الحي أثناء مرافقتهم لذويهم المرضى.

وبالحديث مع أحد أفراد أمن المستشفى، الذي بات يقف وحيدًا على باب الدخول، شاغلًا تفكيره في كيفية التصدي لأي مواجهة مع تعديات الأهالي، أوضح أنه مسئول عن تأمين المستشفى برفقة زميل آخر فقط، واعترف أنه غير قادر على التأمين أو مواجهة أي تعديات قد تواجه الفريق الطبي، بسبب كثرة عدد الوافدين.

"لو معاك مريض بيموت شيله على كتفك واطلع بيه السلم"، تقطع الحديث إحدى أفراد التمريض مشيرة إلى المباني المعطلة في المستشفى، ومنهم المصعد الذي تهالك تمامًا منذ أكثر من سنة ونصف، دون أي اهتمام بإعادة تدويره إنقاذًا للحالات الطارئة في المستشفى.



رجل مسن يقف أمام باب الطوارئ، يتمتم بدعوات الابتهال لرب الكون بأن ينقذ حياة طفله الذي خضع في ذات اللحظة لعملية مستعصية، بعد تعرضه لحادث أليم، تقف بجانبه زوجته التي نشفت عينيها من كثرة الدموع، وبسؤاله عن الخدمات التي قدمت إليه من جانب المستشفى، قال: "الأطباء يحاولون مساعدته بكل الطرق، ولم يتخاذل أحد من المتواجدين عن دوره، بالرغم من العطلة التي واجهتنا في البداية حين وصلنا المستشفى من التباطئ في الاستقبال، والتوجه إلى غرفة العمليات".

شاب آخر من قاطني الحي، وقف خارج المستشفى يدخن سيجارته في انتظار الاطمئنان على حالة صديقه، بات أنه يعرف المكان جيدًا وقد تردد عليه عدة مرات، من خلال وصفه السريع للمستشفى: "الحيوانات الضالة تشارك المرضى أسرتهم، وموظفو المستشفى غير متواجدين في أماكنهم ".

واستكمل الشاب حديثه: "هناك بلطجية متواجدين دائمًا أمام باب المستشفى، يعملون كسماسرة للمتاجرة بآلام المواطنين، يحصلون على الكشوفات والعلاج مقابل مبالغ مالية، فهم لديهم أيادي خفية داخل المستشفى".