رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هذا السلطان.. وهذه السلطنة




نحن، المصريين، نحب سلطنة عمان. ونعرف أن شعبها الشقيق يبادلنا حبًا بحب. ولم نفاجأ حين عرفنا أن ذلك الحب المتبادل بدأ منذ حوالى ٣٥٠٠ سنة، مع بدء العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين. وأنه تزايد مع قيام سلطنة عمان الحديثة، ومع تطوير العلاقات السياسية والروابط الاجتماعية والثقافية. ثم تعدّدت مواقف السلطان قابوس بن سعيد، وأقواله وأفعاله، التى حفرت له وللسلطنة مكانًا أكبر فى قلوب المصريين.
هذه السلطنة، سلطنة عُمان، أدانت الحملة الفرنسية على مصر. ويذكر التاريخ لسلطان بن أحمد بن سعيد «١٧٩٢-١٨٠٤» أنه أعلن عن استيائه من هذه الحملة، واحتج رسميًا على اعتداء فرنسا على دولة عربية مسلمة، وأمر بإيقاف المفاوضات التى بدأت سنة ١٧٩٥ لإنشاء قنصلية فرنسية فى مسقط. وكان هذا هو رده على رسالة وصلته من نابليون بونابرت، فى ٢٥ يناير ١٧٩٩، تعهد خلالها بأن تتمتع جميع السفن العمانية بحمايته حال وصولها إلى السويس.
على هذا النهج، استمرت علاقة السلطنة بمصر، فكانت إلى جوارنا خلال العدوان الثلاثى سنة ١٩٥٦، وساندتنا فى حرب يونيو ١٩٦٧. ومع تولى السلطان قابوس مقاليد الحكم، فى ٢٣ يوليو ١٩٧٠، استمرت السلطنة على نهجها، وكشفت كل مواقفها تجاه مصر عن مودة حقيقية لشعبها، وعن احترام كامل ومطلق لسيادته وإرادته وحقه فى اختيار ما يراه مناسبًا لحاضره ومستقبله.
ليست صدفة، إذن، أن يكون حوار السلطان قابوس مع ممدوح رضا، الذى نشرته جريدة الجمهورية فى عددها الأسبوعى، يوم الخميس ٨ يوليو ١٩٧٢، هو حواره الأول مع جريدة عربية. وهو الحوار الذى قال فيه: «إننا هنا فى عُمان، نكنُ للشعب المصرى، ولحكومته، كل تقدير واحترام، وإننا نقدر كل التقدير الظروف التى تمرُ بها هذه البلاد العزيزة الكبيرة، التى ننظر إليها على أساس أنّها المرآة والنموذج لكل الدول العربية، وندعو الله دائما أن يسدد خطى هذا البلد العظيم».
ببساطة، لخص السلطان قابوس، فى ذلك الحوار، السياسة الخارجية لسلطنة عمان فى نقطتين: عدم التدخل، مطلقًا، فى شئون الآخرين. والتعاون مع كل من يرغب بصدق فى التعاون معها. وعليه، كان طبيعيًا أن تتأسس فى عهده اللجنة «المصرية العُمانية» المشتركة، التى كانت، ولا تزال، آلية مهمة لتعزيز التعاون الاقتصادى بين البلدين، وإحدى الخطوات المهمة فى تنشيط وتفعيل أطر ومجالات التعاون فى كل المجالات. وكان طبيعيًا، أيضًا، أن يرسل، خلال حرب أكتوبر ١٩٧٣، بعثتين عمانيتين إلى مصر، وأن يدعمنا بربع رواتب موظفى السلطنة.
فى حوار آخر، نشرته مجلة «آخر ساعة»، فى ٢٤ أغسطس ١٩٧٤، قال رحمه الله: «إن علاقتنا بالشقيقة الكبرى مصر علاقة طيبة جدًا، لقد أعطتنا الكثير من خبراتها فى كافة المجالات لا سيما التعليم والطب والزراعة، والتعاون يتمثل فى الخبراء والفنيين والاستشاريين الذين تقدمهم مصر لنا، وكل هؤلاء يؤدون واجبهم على أكمل وجه». ولمّا قررت بعض الدول العربية تعليق عضوية مصر فى جامعة الدول العربية، ومقاطعتها وسحب سفرائها منها، بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد سنة ١٩٧٨، لم تستجب السلطنة لضغوط تلك الدول، وحافظت على علاقاتها مع مصر.
بالصوت والصورة، رأينا السلطان قابوس، فى ١٨ نوفمبر ١٩٨٤، يقول فى كلمته بمناسبة العيد الوطنى الـرابع عشر للسلطنة: «لقد ثبت عبر مراحل التاريخ المعاصر أن مصر كانت عنصر الأساس فى بناء الكيان والصف العربى، وهى لم تتوان يومًا فى التضحية من أجله والدفاع عن قضايا العرب والإسلام، وإنها لجديرة بكل تقدير». وتوالت أقول الرجل وأفعاله، وصولًا إلى ما شهدته زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى مسقط، ٤ فبراير ٢٠١٨، وما حققته من نتائج أكدت قوة العلاقات المصرية العمانية، وحرص الجانبين على تعزيزها فى جميع المجالات وعلى مختلف الأصعدة.
إلى رحاب ربه، ذهب السلطان قابوس بن سعيد، بعد خمسين سنة قضاها فى الحكم، انتهت مساء الجمعة، بإعلان السلطنة الحداد، وتبعتها كل دول المنطقة العربية، ومصر طبعًا من بينها. وصباح، أمس السبت، أعلن مجلس الدفاع العمانى، فى بيان، عن تنصيب هيثم بن طارق بن تيمور سلطانًا جديدًا للبلاد. وما يطمئن، هو أنه تعهد، فى أولى تصريحاته، بعد تنصيبه، بمواصلة سياسة بلاده الخارجية التى انتهجها سلفه: «سوف نرتسم خط السلطان الراحل مؤكدين على الثوابت (...) وسياسة بلادنا الخارجية القائمة على التعايش السلمى بين الأمم والشعوب وحسن الجوار، وعدم التدخل فى الشئون الخارجية لغيرنا واحترام سيادة الدول».
خالص العزاء للشعب العمانى الشقيق، وندعو الله أن يحفظ السلطنة، وأن يتغمد قابوس بن سعيد، مؤسس نهضتها الحديثة، بواسع رحمته، وأن يوفق هيثم بن طارق، ليكون خير خلف لخير سلف.