رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حرائق أستراليا وذات الرداء الأحمر




■ ليس فى تاريخى غابة.. لكنى ذات أردية ملونة كثيرة.. أحمر، أزرق، بنفسجى.. والذئاب يمكنها أن تمرح فى ذاكرتى، فى السهول المزروعة بالقمح أو بشتلات الأرز، وفى الصحارى حيث تختفى الكهوف ولا تظهر نفسها لعابرى السبيل.
■ لا تسكن جدتى فى الغابة، بل على حافة نهر تأتى مياهه من السماء، وتنثر جدتى حكاياتها فى مجراه، تعيد الأسماك التى يصطادها الصيادون.. رواية الحكايات.. مع كثير أو قليل من التفاصيل، الحروف، الوقفات وحتى بعض التفسيرات والهوامش الجانبية.. كثرة القيل والقال تفسد طعم الأسماك، لكن السوق المنصوبة والأفواه الجائعة، تجعل التجارة رائجة.
■ لا تعرف أمى تجهيز فطيرة التفاح، التفاح فى قريتى للمرضى والأثرياء.. تصنع أمى فطائرها بالزبدة والعسل، والنحل الذى نطعمه السكر الأبيض لا يحقد علينا، بل يعطينا ما ينتسب إليه بأريحية، هو فقط لا يعرف الحكمة من خلط الأشياء إذا كنا نستطيع أن نأكل كل واحدة على حدة.
■ عيدان القصب الأكثر كثافة لا يمكنها أن تصنع غابة.
■ عيدان القصب تؤوى المطاردين، الفارين، لكنها لا تمنحهم كهفًا أو سكنًا أو ممرًا آمنًا لعبور الطيور بين فصلين.
■ حتى أشد الغابات غرابة كالغابة الراقصة المروية بالفودكا بدل الماء، والغابات التى يعلو سطحها ويهبط كصدر الإنسان عندما يتنفس.. كل هذه الغابات مصنوعة من الأشجار.
■ الأشجار الملتوية، الأشجار المنحنية، الأشجار الملتفة، الأشجار الباكية، الأشجار الضاحكة.. كلها تبقى أشجارًا.. لا أحد يسحب منها جنسيتها، لا أحد يمحو نوعها أو رتبتها.
■ الغابات وطن الأساطير والأمراء الذين يتجولون.. يسمع أحدهم لحنًا لا يقاوم، يقترب من مصدره ليتفاجأ بفتاة والناى فى يدها، دائما يقع الأمير فى حب الفتاة من النظرة الأولى ودائمًا الفتاة بارعة الجمال.. يعرض الأمير الزواج من الفتاة ويطلب منها أن تعزف مجددًا لحنًا لم ولن يعزفه أحد قط، فتستجيب له وتستأنف النفخ فى الناى مرة أخرى، ومن جمال عزفها تنهض الأشجار لترقص حولهما.
■ ليس فى تاريخى غابة أو أمير أو فتاة.. ومع ذلك عندما أجلس فى المدرج «دال» أو «ألف» أو «جيم»، وبينما صوتى يعلن بدء وقت الامتحان ويحاول أن يبعث بعضًا من الأمان فى النفوس المضطربة، فيخبرهم أن احتساب وقت البداية والنهاية سيكون بمقياس واحد هو، ساعة موبايلى، فيبدأ الزملاء من أعضاء لجنة المراقبة بتمرير الأوراق بحديها: الإجابات والأسئلة، وبمجرد أن تنهمك الأيدى فى الحركة الآلية لفعل النقش على الورق، تبدأ عيناى فى تأمل وجوه الطالبات.. وتصور كيف سيراهن الأمير، أيهن يمكن أن تكون بطلة فى قصص الغابات التى لا نعرفها؟.. أى فتاة يمكنها أن تدخل الغابة وتخرج منها أميرة؟
سؤال: لماذا لا أنظر فى وجوه الطلاب؟ لدى وجهة نظر دبلوماسية: لا أحد يتأمل فى وجه الأمراء، الإمارة حجاب.. والحقيقة أن الغابات ليست وطنا للأمراء، هى كعادة كل الأشياء فى حياتهم ممر، نقطة عبور.. لذا بطريقة ما تحب الغابات الفتيات، بطريقة ما تفوز الفتيات فى الحياة والحكايات بالطيبة، بالمهارة، بالجمال.
وعندما ينتهى نصف الوقت، ويسمح للطلاب بتسليم كراسات الإجابات، وبينما توقع الطالبة باسمها فى كشف الانصراف، ويداى تضع كراستها فى المظروف الأبيض.. أسألها: هل تتابعين حرائق الغابات فى أستراليا؟ وعندما يبدو شىء من الكدر فى وجه الفتاة أتأكد أن جدتها كانت تسكن غابة، وأن أمها تجيد صنع فطيرة التفاح حتى وإن كانت ترتدى بنطال جينز وليس رداءً أحمر.
صابر