رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وائل خورشيد يكتب: أتظن أنك رأيت!

وائل خورشيد
وائل خورشيد

قديما اعتقدوا أن الضوء المنبعث عن العين هو منبع الرؤيا، بمعنى أن الضوء مصدره العين، وبعد سنوات جاء العالم العربي الحسن ابن الهيثم والذي كان له رأي مغاير، وتبين أنه الصواب فيما بعد، إذ أكد أن الرؤية تتم عن طريق انبعاث الضوء من الأجسام. وبشكل بسيط يمكنك أن توجه نورا لعينيك وتنظر لشيء في مكان مظلم فلن ترى، ولكن حينما تجلس في غرفة مظلمة وتوجه الضوء ناحية جسم ما، أو أن يكون الجسم نفسه هو المشع، فحينها ستراه.

• ولكن هل تظن حقا أنك رأيت؟
- بالطبع لا أثير نظريات علم البصريات، ولكن ما أقصده، هل نرى فقط الأشياء حينما ينبعث الضوء منها. نظريا نعم، هذا ما يحدث، ولكن الحياة تقول غير ذلك.

• ماذا نرى؟
- العين ترى بالطبع، لكنها لا تحلل ما رأت، ولكل واحدٍ منا في هذا مذهب مبني بالأساس على أحاسيس ومشاعر وأفكار مسبقة كوَّنها عن هذا العالم الذي نعيش فيه.

• نحن لا نرى حينما ننظر فقط.. ولكن قدر ما أدركنا
- منذ فترة وجيزة كنت أتحدث مع صديقة في شأن عام، وخلال الحوار كان حدث بارز هو حديث الساعة، لم أكن أنا ولا هي قرأنا جيدا عنه، وكنا نتبادل الأفكار بشكل عام، وما فكرت فيه وقتها هو شيء واحد، أن الإنسان بصفة عامة، نمطي جدا، مكرر، وممل، وكل نتيجة حدثت ستجد وراءها نفس الأسباب وبنفس الطريقة، ربما لو ارتقيت قليلا للأعلى، وأمكنك رؤية الأزمنة جميعها في آنٍ واحد، أو كنت ملما بعلم التاريخ، ستفهم ذلك.

فكرت معها، دون أن أعرف المعلومات، وقلت لها إن طبيعة الناس أنهم يفعلون كذا من أجل كذا، وإذا تصرف هؤلاء بتلك الطريقة، فإن السبب بالتأكيد سيكون كذا وكذا، ثم بعد ذلك يأتي الآخرين وينظرون إلى الأشياء، وكل واحدٍ منا يقرأها بطريقته، فمنا من يراها خير، ومنها يراها شر، الأيديولوجيات هي التي ترى، وحينما عدت للمنزل بدأت أقرأ عن الحدث، فوجدت أن ما اعتقدت كان صحيحا بنسبة كبيرة.

ليس موضوعي هنا ما هو الحدث، وإنما ما حدث، أننا لا نرى الأشياء حقا، لأننا لا نحيط بزوايا الرؤية كلها، ولا نحاول في أغلب الأحيان، لأننا نحب أن نرى أشياء محددة، أشياء قد قررناها مسبقا ونطبقها على الواقع.

في حوادث التحرش مثلا، ربما يرى نفس الواقعة عدد من الأشخاص، بعضهم يرى أن الفتاة السبب، والبعض يرى أن المتحرش السبب، والبعض يرى أنه لم يحدث شيئا ذا قيمة.

قد يقع أمام أعين البعض حادث طريق، البعض يحمله لهذا السائق في الأمام، والبعض يحمله للسائق في الخلف، والبعض يحمله للقدر، كلنا رأينا نفس الحادث، ولكن اختلفت النتيجة.

الحقيقة أن سماتنا الشخصية هي التي ترى، هي التي تفكر، وهي التي تحدد زاوية الصورة، وهي التي تعرض النتيجة الأخيرة، أعيننا فقط نافذة نطل منها على العالم، ولكن كيف نرى العالم، هذه هي الفلسفة التي تكمل الرؤيا.