رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«القومى لتحلية المياه».. الأول من نوعه لتمصير معدات التحلية

مركز بحوث الصحراء
مركز بحوث الصحراء


في إطار توجه الحكومة المصرية لإيجاد بدائل غير تقليدية للموارد المائية، قررت الحكومة التوسع في إنشاء محطات تحلية مياه البحر، خاصًة في المدن الساحلية، من خلال استراتيجية تهدف إلى زيادة عدد محطات التحلية، بالإضافة إلى زيادة إنتاج وقدرات بعض المحطات الموجودة حاليًا؛ وذلك تلبيًة لاحتياجات المواطنين من المياه، وتوفيرًا لنفقات مد خطوط جديدة من نهر النيل إلى تلك المدن.

حسب وزارة الموارد المائية والري، فإن الاستثمار في محطات تحلية مياه الشرب مكلف للغاية، فقد يصل تكلفة المتر المكعب من المياه إلى 15 ألف جنيه، وتكلفة التشغيل للمتر الواحد من المياه وصلت لـ 10 جنيهات؛ يرجع هذا بسبب استيراد ماكينات ومعدات محطات التحلية من الخارج، لذا تم تدشين التحالف القومي للمعرفة والتكنولوجيا تحلية المياه، وهو بروتوكول تعاون بين أكاديمية البحث العلمي ومركز بحوث الصحراء وعدد من الجامعات المصرية؛ وذلك لتوطين صناعة ماكينات محطات التحلية في مصر.

زارت "الدستور" مركز التميز المصري لأبحاث تحلية المياه بالمركز القومي لبحوث الصحراء، وهناك التقينا الأستاذ الدكتور "حسام شوقي"، مدير مركز التميز وأستاذ كيمياء المياه؛ وذلك لمعرفة ما وصل إليه مشروع التحالف القومي في صناعة معدات محطات تحلية المياه بأيادٍ وسواعد مصرية، كان قد أعلن مركز بحوث الصحراء التابع لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، نجاح التحالف القومي لتكنولوجيا تحلية المياه في إمكانية التصنيع المحلي لبعض أجزاء مهمة في محطة التحلية، من شأنها أن تخفض تكلفة إنتاج وحدة المياه المالحة، وزيادة المكون المحلى لإنتاج هذه التقنية وتصنيعه محليًا لأول مرة بخبرات مصرية، بدلًا من الاعتماد على مصدرين وحيدين لتكنولوجيا تحلية المياه.
نبذة

مركز التميز المصري لبحوث تحلية المياه، هو أحد المراكز المتخصصة في كل ما يخص تحلية مياه البحر داخل مركز بحوث الصحراء، في البداية بدأ المركز كمشروع بحثي، ومن ثم أصبح جزءًا لا يتجزأ من مركز بحوث الصحراء، كان الدكتور عصام فايد، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، قد افتتح مركز التميز المصري لأبحاث تحلية المياه في الشرق الأوسط في عام 2016، وهو المشروع الذي يموله صندوق العلوم والتنمية التكنولوجية.

أوضح الدكتور حسام شوقي، أنه بعدما اُفتتح مركز التميز في عام 2016، بدأ في التركيز على مشروع التحالف القومي للمعرفة والتكنولوجيا في تحلية المياه، والهدف من هذا التحالف هو الاستفادة من المخرجات البحثية وتطبيقها، بما يفيد مصر في مجال تحلية المياه، من خلال تصنيع المعدات والماكينات التي تدخل في صناعة محطات تحلية مياه البحر محليًا، في محاولة من مركز التميز ومشروع التحالف القومي في خفض نفقات ومصروفات استيراد أجزاء محطات تحلية مياه البحر من الدول الخارجية، والاستفادة بهذه الأموال في تنمية مشروعات قومية أخرى تعود بالنفع على المصريين.

أنشأت مصر في السنوات القليلة الماضية العديد من محطات تحلية المياه في المدن الجديدة، لا سيما المدن الساحلية منها؛ وذلك لخفض النفقات التي يمكن أن تتكبدها مصر من عمل خطوط جديدة لنقل مياه النيل إلى تلك المحافظات والمدن الجديدة، وتم إنشاء هذه المحطات باستيراد أجزائها ومعداتها من الخارج، بما يكلفنا الكثير من الأموال في إنشاء المحطة الواحدة.

فكر مركز التميز لبحوث تحلية مياه البحر في بدء عملية تصنيع معدات وأجزاء محطات تحلية المياه في المصانع المصرية بسواعد مصرية، ومن هنا جاءت فكرة تنظيم التحالف القومي للمعرفة والتكنولوجيا في مجال تحلية مياه البحر؛ لتوفير نفقات استيراد المكونات التي تدخل في صناعة محطات التحلية، ومن ناحية أخرى لتوطين هذه الصناعة بما يسهم في خفض سعر المتر المكعب من المياه.

تتمثل مهمة التحالف القومي لتحلية المياه،عملية البحث والابتكار والوصول إلى نتائج ناجحة في إتمام عملية التصنيع الوطني أدوات ومعدات محطات التحلية، على أن يتم إنجاز هذه المهمة بأيادٍ مصرية وفي المصانع الوطنية المصرية.

مكونات التحالف

ويشمل التحالف القومي أكاديمية البحث العلمي وهي الممول الرئيسي لمشروعات التحالف، عدد من الجامعات المصرية، منظمات المجتمع المدني، ومستخدمي تحلية المياه، وأخيرًا مصنع 270 الحربي، مركز تميز الانتاج الحربي، مصنع صقر من الهيئة العربية للتصنيع على أن تكون هذه المصانع هي المسئولة عن تصنيع المعدات اللازمة لعملية التحلية، الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي، الشركة العربية للطاقة المتجددة، ومؤسسة مصر الخير.

كل فريق في هذا التحالف القومي له هدف واضح ومحدد، يعمل باستمرار على تحقيقه وإنجاحه، فمثلًا هناك فريق يتكون من مركز بحوث الصحراء وجامعة اسيوط ومركز تميز الإنتاج الحربي، فهذا الفريق هو المنوط به العمل على خط إنتاج تصنيع الأغشية والخلايا محليًا؛ وهي اللازمة لتنقية وفصل المياه العذبة عن المياه المالحة، أما عن فريق الجامعة البريطانية ومصنع صقر والشركة العربية للطاقة المتجددة، فيعمل على هدف إنجاح تصنيع مضخات الضغط العالي. بحسب الدكتور حسام شوقي.

وأكد الدكتور حسام شوقي أن قيمة اقتصاديات لف الأغشية توفر نحو 60% من قيمة الأغشية المستوردة من الخارج، مضيفًا أن التعاون بين كل من فريق مركز بحوث الصحراء وجامعة أسيوط تملك معرفة تصنيع منظومة ماكينات لف أغشية الضغط الأسموزى المنعكس، ونجاح الفريق البحثي لمركز بحوث الصحراء لأول مرة في مصر في امتلاك معرفة لف أغشية الضغط الأسموزي المنعكس بمقاسات 4 بوصات و8 بوصات المستخدمة في محطات تحلية المياه.
نجح التحالف القومي بالفعل في تصنيع أول مضخة ضغط عالي مصرية الصنع 100% والتي تعتبر جزءًا أساسيًا وجوهريًا في أي محطة تحلية، على أن يتم الانتهاء من إنتاجها في غضون أشهر قليلة، كما توصل التحالف في تصنيع 60% من الأغشية أو فيما يعرف بالفلاتر، وهي اللازمة في إتمام عملية تحلية مياه البحر، أما عن النسبة المتبقية الـ 40% سيتم الانتهاء من تصنيعها العام القادم.

ومع اكتمال خط الإنتاج مع منتصف العام القادم، يمكن إنتاج غشاء تحلية كل عشر دقائق، ومن المتوقع أن يكون ثمنه نحو 3 آلاف جنيه للغشاء "185 "دولارًا أمريكيًا، وهو مبلغ أقل بكثير من ثمن الغشاء المستورد.

مع مطلع عام 2017، كان التحالف قد بدأ بابتكار ماكينة الأغشية، مع انطلاق مشروعه الممول من أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا المصرية، وجُربت الماكينة على أغشية غير ملفوفة مستوردة من الخارج، ثم عمل التحالف القومي على تصنيع ماكينتي صب الغشاء وطلائه بالتوازي، وانتهوا بالفعل من ماكينة الصب.

من المخطط بنهاية العام الجاري الانتهاء من ماكينة الطلاء، لنستطيع حينها إنتاج أول غشاء محلي الصنع للتحلية في الشرق الأوسط، على أن يستخدم الغشاء في محطات التحلية المتنقلة في محافظات مصر الحدودية، تصل تكلفة تصنيع الماكينة نحو مليوني جنيه مصري، بما يعادل 123 ألف دولار أمريكي، والتي كانت أحد مُخرجات التحالف القومي لتكنولوجيا تحلية المياه، حاليًا تعمل مصانع وزارة الإنتاج الحربي على إنتاج هذه المحطات المتنقلة، وذلك وفق بروتوكول موقع بين الوزارة والأكاديمية، وتتضمن المرحلة الثانية من البروتوكول تزويد المحطات التي تعتمد في الوقت الراهن على أغشية مستوردة، بباكورة إنتاج أغشية محلية الصنع.
تبلغ تكاليف طلمبات الضغط العالي وهي المسئولة عن ضخ المياه بضغوط عالية ورفعها للأغشية التي تقوم بفصل المياه العذبة عن المالحة، نحو 35% من إجمالي تكاليف إنشاء محطة التحلية، فضلًا عن أن حوالي 25% إلى 30% من تكاليف تشغيل المحطة تقدر لصيانة الأغشية والفلاتر وتغيير قطع الغيار الخاصة بهم، وعليه سينتج عن ذلك توفير مبالغ طائلة من العملة الصعبة للبلاد.

تعد تحلية مياه البحر الآن خيار استراتيجي مطلوب لسد احتياجات المواطنين من الشرب، وليس لأي غرض آخر، ولكن المياه التي تُنتج من محطات التحلية لن تغني عن مياه نهر النيل؛ لذا تتوجه الدولة لإنشاء محطات التحلية في التجمعات العمرانية الجديدة مثل محطات التحلية الموجودة في مدينتي الجلالة بالعين السخنة والعلمين الجديدة وغيرهما، على أن يكون اعتماد هذه المدن على المياه الناتجة من محطات التحلية؛ وذلك تجنبًا لتكاليف مد خطوط مياه نهر النيل إلى هذه المدن.

تلجأ الدولة لإيجاد بدائل وحلول لمياه نهر النيل لسد العجز المائي الذي تتعرض له البلاد، وتعتبر إنشاء محطات التحلية في المدن العمرانية والمنشآت الجديدة واحدة من ضمن هذه الحلول؛ لتوفير مياه نهر النيل للقاهرة الكبرى ومن ناحية أخرى لأن تكاليف إنشاء محطات التحلية في المدن الجديدة أقل بكثير من مد خطوط مياه النيل.

ترتفع تكاليف مد خطوط مياه من نهر النيل إلى المنشآت الجديدة؛ لأن هذه الخطوط لم يتم إنشاءها بشكل مستقيم، وتمر عبر الأراضي الصحراوية، وإنما تنشأ براوفع المياه، وذلك مراعًاة لاختلاف المناسيب بين المناطق والأراضي التي تخترقها تلك الخطوط كالهضاب والجبال والمرتفعات، غير أن هناك تعديات على هذه الخطوط من شأنها أن تفقدنا جزء كبير من المياه.

أكد "شوقي"، أن محطات التحلية تستخدم للشرب فقط وبعض أنواع الصناعات في العالم أجمع، فلا يمكن أن تُستخدم المياه المحلاه في الزراعة؛ لأن هذا 80% من أساس استخدام مياه نهر النيل للزراعة، وعن الجزء المتبقى 20% فيستخدم للشرب والاحتياجات المنزلية والصناعة، ولا يمكن إنتاج أو توفير هذه الكمية من المياه الناتجة من عملية التحلية.
تبلغ التكاليف الاقتصادية لري الفدان من 4000 إلى 5000 متر مكعب من المياه، وهو رقم ضخم فلا يوجد عائد مادي يمكن أن يغطي احتياجات الفدان من المياه فقط، لذا لن تكون هناك محطات تحلية في القاهرة الكبرى ولن تستخدم للزراعة؛ لأنها ستعتمد على مياه النيل وستخدم محطات التحلية المدن الساحلية.

كشف "شوقي" عن سبب ارتفاع تكاليف المياه التي تنتج من محطات التحلية والتي ترجع إلى استهلاك الطاقة، فالطاقة هي عامل رئيسي لتشغيل المحطة وتبلغ 40% من معدل تكاليف المحطة، وهناك أبحاث ودراسات لخفض استخدام الطاقة.

أوضح "شوقي" أن هناك فارقًا كبيرًا بين التحلية والمعالجة، فمياه البحر تستخدم في التحلية، وأما مياه الصرف الصحي فهي معالجة، ومنها الثنائية والثلاثية، وما بعد الثلاثية، كما أن طرق التحلية تختلف عن طرق المعالجة، إذ إن سبل تحلية المياه أيسر؛ لأن مكونات وجزئيات البحر ثابتة لا تتغير، والمياه الناتجة معروفة مكوناتها.

وتعد المياه المحلاة مياهًا نقية وصالحة للشرب 100%؛ ويرجع هذا لأن الشركات القائمة بأعمال توزيع المياه لديها محاذير ورقابة ذاتية، بالإضافة إلى رقابة وزارة الصحة كى تضمن للمواطنين مياهًا صالحة آمنة للاستهلاك الآدمي.

توجد في مصر محطات لمعالجة الصرف الصحي، وأشهرها محطة الجبل الأصفر ومحطة أبورواش، وتخطط الدولة لعمل معالجة لمصرف بحر البقر، والمعروف أنه أحد أسوأ المصارف الموجودة في مصر، ولكن تلجأ الدول إلى معالجة الصرف الصحى، منعًا لانتشار التلوث والأمراض، فيجب التخلص منه بطرق سليمة، وتشمل أنواع معالجة الصرف هي: معالجة صرف زراعي، صرف صحي، وصرف صناعي.

اختتم الدكتور حسام شوقي، مدير مركز التميز المصري لأبحاث تحلية المياه بمركز بحوث الصحراء، بأن المياه الناتجة من محطات التحلية ليس لها أي آثار جانبية على صحة الإنسان، وتجب صيانة محطات التحلية بشكل دوري، كصيانة الفلاتر والأغشية وإحلال وتبديل قطع الغيار، والكيماويات المستخدمة لنظافة بعض الأجزاء كصيانة مآخذ ومخارج المحطة من الرواسب العالقة بها بعد عملية التحلية لضمان استدامة خدمة وإنتاجية محطات التحلية.

وفقًا لمدير مركز التميز المصري، فإنه يوجد أكثر من 20 ألف محطة على مستوى العالم، وتتخطى إنتاجية هذه المحطات الـ100 مليون متر مكعب من المياه يوميًا.

هناك قرابة 300 مليون شخص حول العالم يعتمد على المياه المحلاة، ونحو 150 دولة حول العالم تعتمد على التحلية، وهناك دول خليج بالكامل اعتماد 100% على التحلية.